خطوط التماس !
صنارة نيوز - 2017-03-21 09:42:00الدكتور يعقوب ناصر الدين
ها قد بدأ العد التنازلي لانعقاد مؤتمر القمة العربي يوم التاسع والعشرين من الشهر الحالي في منطقة البحر الميت ، التي تصفها التقارير الصحفية عن استعدادات الأردن لاحتضان القمة " بالمنتجع " وفي رأيي أنها ليست كذلك حين يتم النظر إليها من زاوية أخرى ، أي الموقع الأقرب من الحدود مع " فلسطين القضية " لب الصراع في منطقة الشرق الأوسط .
لمصطلح خط التماس معاني كثيرة ، وغالبا ما تم استخدامه في منطقتنا للتعبير عن منطقة التلامس بين الجماعات أو الجهات المتقابلة على حدود الصراع المسلح ، أو في ملاعب كرة القدم وغيرها ، لكن المعنى الهندسي لكلمة نقطة التماس هو النقطة الوحيدة التي يلاقي بها المستقيم المنحنى !
الخط المستقيم هنا هو ما يجب أن يكون عليه الواقع العربي في ظل الصراعات التي تشهدها المنطقة ، والتي تختلط فيها الأزمات الداخلية بالأزمات الإقليمية ، والتوازنات الدولية ، أما المنحنى فيكمن في المنعطف التاريخي الذي يمكن أن تسجل فيه القمة العربية نقطة التماس لتعيد رسم الخارطة على قاعدة الأمن القومي العربي والمصير المشترك ، حيث قوميات أخرى تفرض نفسها بحجة أنها قوى إقليمية قادرة على اللعب على ساحتنا العربية المليئة بالتناقضات .
المنطق السياسي الواضح في التعامل مع تلك الحالة والذي بقي ثابتا منذ بداية مؤامرة الربيع العربي ، هو منطق جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين الذي نبه إلى أن منحنى الصراعات في المنطقة موصول بالاحتلال الإسرائيلي ، وتعطيل حل الدولتين الذي يعطي للفلسطينيين حقهم المشروع في إقامة دولتهم المستقلة على أرضهم وعاصمتها القدس الشرقية ، وأن الخطاب الديني الذي يتم توظيفه سواء ضمن مفهوم الهلال الشيعي ، أو التحالف السني ، يستند كذلك إلى المعضلة الإسرائيلية التي تحولت إلى مفهوم ديني يقوم على يهودية الدولة ، ومحاولات تهويد المقدسات الإسلامية بما في ذلك المسجد الأقصى المبارك .
وكلام جلالة الملك عن الحلول السلمية لجميع القضايا والصراعات القائمة في المنطقة بما في ذلك الأزمة السورية ، مبني على أساس أن البديل هو مزيد من الدماء والدمار والمآسي الإنسانية التي تحمل الأردن الجزء الأكبر منها نتيجة اللجوء السوري ، فضلا عن تعميق الهوة بين دول المنطقة ، وتمزيق شعوبها على خلفيات دينية وعرقية ومذهبية ، فقد كان يدرك الحقائق حتى قبل أن يتحول ما حذر منه في مناسبات كثيرة إلى أمر واقع ، اختلط فيه الوزن الإقليمي للدول بالبعدين المذهبي والعرقي ، كل ذلك على حساب الأمة العربية !
القمة في أخفض منطقة على الأرض قد تصبح منطلقا للصعود ، وبغض النظر عن تفاصيل جدول الأعمال بما يتضمنه من قضايا سياسية واقتصادية واجتماعية ، وغيرها من شؤون العمل العربي المشترك ، فإن الاتفاق بين القادة من خلال المشاورات المعمقة ، والتحليل القائم على جوامع مشتركة لتطور الأحداث واحتمالاتها القريبة ، لا بد أن يفضي إلى فهم جديد للأمن القومي العربي ، كي يأخذ في الاعتبار مصالح الأمة العربية ، وإعادة توحيدها في إطار العروبة ، بعد أن تم تشتيتها بل وتمزيقها في الأطر المذهبية ، والتجاذبات الإقليمية والدولية .
إن طبيعة الصراعات القائمة تحمل معها نهاياتها ، فقد لعبت قوى الإرهاب الذي يناقض حكما إرادة الحياة الإنسانية دورا رئيسا ، وربما عاملا أساسيا من عوامل التشتيت والتمزيق ، وهي على وشك الزوال ، وبالتالي انهيار ذلك العامل ، وانجلاء الرؤية على المشهد الحقيقي الذي ظل الأردن يراه على حقيقته طوال الوقت رغم الزوابع الرملية ، والسرابات الزائفة ، وهو اليوم قادر على أن يجعل الجميع يرون الجبال والسفوح من أخفض منطقة على الأرض العربية ، ويدركون خطوط التماس وما تفرضه من إعادة لتنظيم القدرات والإمكانات كي ترجع الأطراف الأخرى ، كل عند حده ، وللحديث بقية .