أ.د. مشهور الرفاعي *
جريدة الرأي- من المعروف أنّ التعليم هو الطريق الوحيد لأية نهضة حقيقية، وهذه حقيقة مستقرة منذ زمن بعيد، غير أنّ الجديد فيها مدى استجابة التعليم للتغيرات المتسارعة التي تتأثر بها المجتمعات في مختلف أصقاع الأرض، ونحن ما زلنا على أعتاب هذا القرن، من ثورة تكنولوجية عارمة أو إنفتاح إعلامي وثقافي لا يعرف الحدود، تتنوع فيه وسائل الاتصال. ومن هنا يمكن القول إن مستقبل الأمة مرهون بنوعية التعليم الذي يتلقاه أبناؤها، الأمر الذي يفرض وجوب مراجعة النظام التعليمي القائم، وتقدير ما إذا كان هذا النظام يستطيع تلبية احتياجات المجتمع حاضراً ومستقبلاً.
ومن المعروف أن الجامعات تقوم بدور واضح وكبير في تنمية المجتمع وتطوره وازدهاره، ويتسع دورها لإستشراف التحديات المستقبلية ووضع الآليات المناسبة للتصدي لها؛ مما يفرض على الجامعات وجوب إعادة النظر في سياساتها التعليمية، من منطلق أن احتياجات المجتمع ومتطلباته في الحاضر تختلف عنها في المستقبل، وأن التعليم مهما بلغ من أحكام، لن يكون قادراً على تلبية احتياجات الإنسان طوال حياته. إن ذلك يتطلب من القائمين على الجامعات والمستفيدين من مخرجات التعليم الجامعي؛ خاصة رجال الصناعة والأعمال، إدراك ضخامة هذا الدور والاستعداد له، والإسراع في رسم صورةٍ متكاملةٍ لجامعات المستقبل القادرة على النهوض بمتطلبات الحياة كلها.
إن أية محاولة لتطوير التعليم الجامعي تصطدم بالعديد من المشكلات، لعل أبرزها المشكلة المادية؛ فالجامعات الأردنية بوضعها الحالي تعاني موازناتها من عجز مالي كبير، يجعلها غير قادرة، بمفردها، على الارتقاء بالتدريس والبحث العلمي في معظم التخصصات التي تطرحها إلى الحد الذي يمنعها من الوصول إلى المكانة المناسبة بين الجامعات العالمية المرموقة، ومع هذه الظروف التي تعيشها الجامعات، فإن مواكبة التغيرات والتطورات المتسارعة في مختلف ميادين العلوم والمعرفة من أجل الوصول إلى المكانة المناسبة بين الجامعات العالمية المتقدمة، واللحاق بركب الأمم دون تعثرٍ أو إبطاء يستوجب ضرورة البدء بخطوات تدريجية، وذلك من خلال تطبيق المقترح الذي يتلخص في أنْ تركز كل جامعة من جامعاتنا على كلية معينة من كلياتها، أو ميدان من ميادين المعرفة فيها، بحيث تجعل من هذه الكلية، أو هذا الميدان إنموذجاً يُحتذى بحيث يضاهي المستوى الموجود في جامعات العالم المتقدمة، والأخذ بكل الأسباب التي تمكنها من تحقيق هذا المستوى، الذي سيؤدي بالتأكيد إلى الارتقاء بسمعة الجامعة عالمياً. ومن أهم الأسباب التي تمكنها من تحقيق هذا الانموذج ما يلي:
1. إنشاء المختبرات اللازمة لأغراض التدريس والبحث العلمي، في الكلية أو ميدان المعرفة المستهدف، وتزويدها بالتجهيزات الحديثة الكافية والمواصفات الموجودة في الجامعات العالمية المرموقة.
2. استقطاب أفضل الأساتذة والباحثين العاملين في هذا المجال من جامعات عالمية مشهورة للعمل في الكلية أو الميدان المستهدف، ومنحهم رواتب وحوافز كافية، تشجعهم على القدوم للعمل في الجامعة والاستقرار فيها.
3. إعطاء الكلية أو ميدان المعرفة المستهدف الحرية في اختيار أفضل الطلبة المتقدمين للالتحاق بالكلية أو ميدان المعرفة، وذلك بموجب امتحان يُعدّ لهذا الغرض يُمكّن من اختيار الطلبة المتميزين.
4. إعادة النظر في رسوم الدراسة في الكلية أو الميدان المستهدف، بحيث تكون أعلى من رسوم الدراسة في الكليات أو ميادين المعرفة الأخرى، وأن يُترك للجامعة حرية تحديدها.
5. التنسيق والتعاون مع قطاع الصناعة والأعمال عند وضع الخطط الدراسية في الكلية أو ميدان المعرفة المستهدف، وكذلك عند محاولة تطوير هذه الخطط مستقبلاً.
6. رصد المخصصات المالية الكافية للكلية أو ميدان المعرفة المستهدف، وخاصة تلك المخصصات الموجهة للبحث العلمي، دون أن يؤثر ذلك كثيراً على موازنة الجامعة، خاصة أن الأمر معني بكلية واحدة من كليات الجامعة.
7. إعادة النظر في التشريعات الجامعية المتعلقة برواتب أعضاء هيئة التدريس ورسوم الطلبة، بحيث تتضمن النصوص تحقيق التميز في الكلية أو ميدان المعرفة المستهدف.
إن الأخذ بالأسباب السابقة، مجتمعة، ستؤدي دون أدنى شك إلى تحقيق ما يلي:
1. وجود كليات أو ميادين معرفة أو مراكز بحث قوية ومتميزة ومعروفة في الجامعات الأردنية ذات سمعة عالمية.
2. خلق الرغبة في إنجاز خطوات أخرى لاحقة لتحقيق التميز في باقي الكليات، أو ميادين المعرفة الأخرى في الجامعة الواحدة.
3. إتاحة الفرصة لتبادل الخبرات بين الجامعات الأردنية في مجال الكليات أو ميادين المعرفة أو مراكز البحث التي حققت التميز، والإفادة من التجهيزات والإمكانات المتوافرة فيها، مما يسهم في تعميم تجارب التميّز في الجامعات الأردنية على المدى الطويل والدخول في قائمة الجامعات العالمية المرموقة.
4. إتاحة الفرصة لتبادل الخبرات مع جامعات عالمية مرموقة ومعروفة في مجال الكلية أو ميدان المعرفة أو مركز البحث الذي تميّز في الجامعة.
5. توفير الفرصة أمام الجامعة لإنشاء برامج دراسات عليا(ماجستير ودكتوراه) في الكلية أو ميدان المعرفة الذي حقق التميز، علماً أنّ مجلس التعليم العالي في الفترة الأخيرة يتردد في استحداث برامج دكتوراة في الجامعات الأردنية.
6. سهولة الدفاع عن رفع الرسوم الدراسية بالنسبة للكلية أو ميدان المعرفة المستهدف، لأن الطلبة الملتحقين في هذه الكلية أو هذا الميدان يدركون أنهم سيكونون متميزين، وسيحصلون على وظائف فور تخرجهم.
7. تقليص الفجوة بين الصناعة والأكاديميا، وزيادة الثقة لدى قطاع الصناعة بالتعاون مع هذه الكليات لتنفيذ مشاريعها.
وتأسيساً على ما سبق، وبعد الوقوف على رؤية جامعة الأميرة سمية للتكنولوجيا - التي تلخصت في أن تكون الرائدة في المنطقة العربية في بعض ميادين المعرفة مثل: تكنولوجيا المعلومات، وعلوم الحاسوب والأعمال والهندسة، وأن تشكل جسراً بين عالم الأكاديميا وعالم الأعمال في مجتمع المعرفة - فإننا نستطيع القول بأن القائمين على تأسيسها قد استشعروا سمات القرن الذي نعيش، واستشرفوا تحدياته، فجاءت رؤية الجامعة ورسالتها وأهدافها متناغمة مع سمات هذا القرن، وتُمكن من مواجهة تحدياته. أما إذا استعرضنا مسيرة الجامعة منذ تأسيسها، فإننا نجد في هذه الجامعة خير مثال على تطبيق المقترح الذي طرحناه للارتقاء بالتعليم الجامعي، فقد أخذت الجامعة معظم الأسباب التي أوردناها في المقترح، واحتذت طريق الريادة والإبداع والتميز، وأطلقت برامج تعليمية عالية الجودة على مستوى البكالوريوس، والدراسات العليا، فحققت سمعة طيبة على المستوى المحلي والإقليمي والدولي؛ وليس أدلّ على ذلك من النتائج التي أحرزتها في امتحان الكفاءة الجامعية، والإنجازات الكثيرة المتميزة التي لا يتسع المجال لذكرها في هذا المقال، وستواصل الجامعة، إن شاء الله، مسيرة الريادة والتعليم برعاية حكيمة من صاحبة السمو الملكي الأميرة سمية بنت الحسن المعظمة/ رئيس مجلس الأمناء، لتكون مثلاً يُحتذى لباقي الجامعات الأردنية.
وإننا إذ نأمل في أن يكون في هذا المقترح ما يفيد في دفع مسيرة التعليم الجامعي في أردننا الحبيب إلى الأمام، ويُسهم في الوصول بجامعاتنا الأردنية العزيزة إلى مصاف الجامعات العالمية المرموقة، فإننا على يقين تام أن الارتقاء بالتعليم الجامعي في هذا البلد الخير المعطاء، أصبح هاجس جميع القائمين عليه، ويحتاج إلى تضافر جهودهم جميعاً.
أ.د. مشهور الرفاعي
رئيس جامعة الأميرة سمية للتكنولوجيا