الحاجة الى التضخم!

عمان- ليس هنالك شيء شر كله. فلكل ظاهرة سلبية أوجه إيجابية. كذلك التضخم. فبالرغم من الانطباع السائد بأن التضخم ظاهرة اقتصادية سيئة تضعف القوة الشرائية للنقد، فإن للتضخم ايجابيات يصعب اغفالها. بل انني اعتقد بان اقتصادنا اليوم يحتاج الى قليل من التضخم.
لربما ان الفائدة الابرز للتضخم هي انه يزيد من الناتج المحلي الاجمالي الاسمي او ما يعرف بالناتج المحلي الاجمالي بالاسعار الجارية؛ ذلك ان اغلب المؤشرات المالية ومن ضمنها عجز الموازنة والدين العام تقاس نسبة اليه. فاذا زاد التضخم، ارتفع الناتج المحلي الاجمالي الاسمي وانخفض الدين العام كنسبة منه. وفي ضوء الشروط القاسية التي يضعها صندوق النقد الدولي على المملكة وفي مقدمتها تخفيض الدين العام الى 77 % من الناتج المحلي الاجمالي من مستوياته الحالية عند نحو 90 %، يصبح الاستنتاج بان لاقتصادنا مصلحة بشيء من التضخم يساعد الحكومة على تحقيق هذه الشروط الصعبة.
ثانيا، ان التضخم يزيد من الايرادات الضريبية، ولا سيما ضريبة المبيعات التي تعتمد على السعر النهائي للسلع. وربما ان اقرب مثال يتبادر الى الذهن للعلاقة بين الاسعار وضريبة المبيعات هو الانخفاض الحاد الذي طرأ على ايرادات الدولة من ضريبة المبيعات من جراء انخفاض اسعار النفط. لذلك فان اي ارتفاع في المعدل العام للاسعار سوف يحسن ايرادات الخزينة المتأتية من ضريبة المبيعات.
ثالثا، ان ارتفاع الاسعار يقلل من اسعار الفائدة الحقيقية التي تمثل العائد الحقيقي الذي يجنيه المدخر من امواله المدخرة. وهو الأمر الذي من شأنه أن يحفز الافراد على الانفاق بدلا من الادخار. وتزداد اهمية هذه النقطة في ضوء حالة عدم اليقين التي تخيم على الاقتصاد والتي ما تزال تدفع بالافراد باتجاه الإدخار وتأجيل ما أمكن من المشتريات تحسبا للمستقبل.
ثمة خطر يتربص بالتضخم اليوم هو ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل سلة العملات العالمية الى اعلى مستوى له منذ نحو 7 اشهر وسط تكهنات بأن يقوم البنك الفيدرالي الأميركي برفع اسعار الفائدة في اجتماعه المزمع في كانون الاول (ديسمبر) المقبل. والسبب ان ارتفاع الدولار يقلل من تكلفة مستورداتنا ويضع سقفا لأي ارتفاع محتمل في اسعار السلع المقومة بالدولار وفي مقدمتها النفط.
كما لا نستطيع ان نغفل الاثر المتوقع لانهيار الليرة التركية والجنيه المصري على التضخم في المملكة.
يبقى القول ان المطلوب هو قليل من التضخم، اما الكثير منه فهو مضر بكل تأكيد.

محمد عاكف الزعبي*
* خبير اقتصادي