قراءات اقتصادية
صنارة نيوز - 2016-10-23 05:52:03عمان- في كتابه الأخير، يروي الكاتب والخبير النفطي المهندس إسماعيل محمود الجندي روايته اليابانية، بأسلوبه الخاص.
ورغم أن الكتاب، الذي لا تزيد صفحاته على 161 صفحة، ليس مذكرات شخصية أو سيرة ذاتية إلا أنه يمكن اعتباره كذلك، ورغم أنه ليس كتابا في أدب الرحلات، إلا أن الكتاب يمكن أن يدخل ضمن هذا التصنيف.
فالكتاب يروي تجربة ثرية خاضها المؤلف في العمل باليابان، دوّن خلالها مشاهداته ومرئياته في تلك المرحلة، فكانت بمثابة يوميات شائقة وممتعة للقارئ الذي يود التعرف على بلاد الشمس المشرقة، والتي تكاد تكون مجهولة بالنسبة للكثيرين.
وبدأت علاقة المؤلف مع اليابانيين عام 1977، ومع اليابان منذ عام 1979، عندما تم تعيينه من قبل المؤسسة العامة القطرية للبترول (قطر للبترول)، ضمن فريق العمل المسؤول عن تنفيذ أول مشروعين لاستغلال الغاز الطبيعي المصاحب للنفط المنتج من حقولها البرية والبحرية.
ومن خلال تجربته ومعايشته للحياة اليابانية، يرى الخبير النفطي الجندي أن اليابان دولة تميل إلى العزلة؛ حيث تسود ذهنية اهل الجزر، وأن هذه العزلة وفرت حماية لليابان من المؤثرات الخارجية، وساعد على ذلك تجانس المجتمع الياباني وشعوره بالتميز عن الغير، ناهيك عن القيود الصارمة للحصول على الجنسية اليابانية، بالإضافة إلى استناد النظام الياباني إلى مبادئ الكونفوشسية في الطاعة، واحترام الرؤساء والتفاني في خدمة الوطن.
وما ينطبق على المجتمع الياباني ينسحب على السوق اليابانية التي تبدو منغلقة نوعا ما ومحدودة الانفتاح على السلع المستوردة، وذلك لأسباب قومية بحتة، لأن الياباني تعلم في البيت وفي المدرسة وفي العمل بأن عليه شراء السلع اليابانية فقط.
ويقول المؤلف أن رأس مال اليابان الحقيقي هو الإنسان الذي يتحرك بدافع التحدي والاستجابة.
ويوثق المؤلف الجندي مشاهداته عن الإنسان الياباني الجاد في عمله، الأمر الذي ساهم في تعويض نقص الموارد الطبيعية في اليابان، مبينا أن نظام (زايباتسو) وهو التسمية اليابانية التي تطلق على التجمعات وتضم الشركات اليابانية تمثل أحد ابرز الروابط الاقتصادية/ الاجتماعية في اليابان، وهو ما يجعلها ذات ثقل صناعي وحتى سياسي هناك.
يزخر الكتاب، الذي يتضمن عشرة أبواب، بالمعلومات والتفاصيل عن اليابانيين واليابان.
وفي الباب الأول من الكتاب يستعرض المؤلف علاقته باليابان منذ بدايتها والإقامة فيها، وفي الباب الثاني يسرد نبذة تعريفية عن بلاد الشمس المشرقة ولغة أهلها والزلازل والمطر والطعام والشراب ورياضة السومو والتربية.
وفي الباب الثالث أشار المؤلف إلى بعض العادات الاجتماعية لليابانيين، وطقوس الشاي لديهم، وحفلات الزفاف عندهم، وتعاملهم مع الآخر، وعن المرأة اليابانية، وفتاة الجيشا، والترفيه والكرنفالات، وهدايا اليابانيين.
وفي الباب الرابع من الكتاب، يستعرض المؤلف الجندي جولاته السياحية داخل اليابان، ومنها إلى جبل فوجي، وبرج طوكيو، ومتحف الشمع، والقرية التراثية، ومدينة الأضواء واللؤلؤ (أكياهابارا)، ومدن اخرى.
وأشار المؤلف في الباب الخامس إلى الأديان في اليابان، وبعض المراكز الدينية هناك، كالمركز الإسلامي والمعهد العربي الإسلامي، ومسجد طوكيو، مبينا أن الياباني لا يحب الحديث عن الدين، لأنه شخص غير متدين، معرفا بالديانات البوذية والكونفوشيوسية والشينتو أو الديانة الوطنية (دين النخبة اليابانية)، وكذلك المسيحية.
وفي الباب السادس من الكتاب، عرض المؤلف لمواقف طريفة واجهته في اليابان، تبرز طريقة تعامل اليابانيين في الحياة العامة ومع الآخرين، و"بمنتهى الأدب".
وفي الباب السابع أشار المؤلف إلى عدد من الشخصيات التي التقاها هناك، ولاسيما من الشخصيات الأردنية التي كانت تزور اليابان، بالإضافة إلى مفكرين عرب.
واستعرض المهندس الجندي في الباب الثامن موضوعات العنف والجامعات الدينية في اليابان مثل طائفة الحقيقة المطلقة اليابانية، وزعيمها شوكو أساهارا، مشيرا إلى نظرة اليابانيين للأجانب التي تتسم بعدم الترحيب أحيانا بالغرباء، مستذكرا فظائع الجيش الإمبراطوري الياباني مع النساء الآسيويات وما حدث من قتل ودمار.
وفي الباب التاسع يشير المؤلف إلى الاقتصاد الياباني وآلية عمله، والعملة النقدية (الين) وأسعار صرفها، وسياسات الطاقة اليابانية ومصادرها، ودعائم النظام الاقتصادي الياباني.
وأفرد المؤلف للخاتمة بابا خاصا، هو الأخير، ضمنه رؤيته المقارنة لليابان بين عامي 1979 وعام 1996، وهو عام عودته من اليابان إلى قطر، مشيرا إلى أن المؤثرات الأجنبية بدأت بغزو اليابان والمجتمع الياباني الذي بدا قبل سنوات محصنا، مثل اللغة الانجليزية، والملابس الإيطالية، والمخابز الفرنسية، والقهوة التركية، والمأكولات الشرقية، ناهيك عن دخول المساهمين الأجانب في الشركات اليابانية، في حين كان ذلك من قبل من المحرمات، ناهيك عن شخصية الياباني التي اصبحت اكثر مناورة وفظاظة.
لم تنقطع صلة المؤلف باليابان، رغم تقاعده عن العمل، فكان حبل الوصل بينه وبين بلاد الشمس المشرقة ممدودا سواء من خلال الزيارات لها، او العلاقات مع أصدقائه اليابانيين.
الكتاب، بحد ذاته، رحلة سياحية إلى عالم اليابان المجهول، خاضها المهندس/ المؤلف في سبعينيات القرن الماضي، وأعاد صياغتها بتأمل عميق في صفحات تستحق القراءة.