من لديه المساحة اللازمة لمصادر الطاقة المتجددة؟
صنارة نيوز - 2016-10-04 09:08:52لندن ـ في هذا الصيف، اجتذب مزاد للطاقة الكهربائية في تشيلي عطاءات ناجحة من قِبَل شركات توليد طاقة الرياح المستعدة لتوفير الكهرباء بسعر 0.04 من الدولار لكل كيلووات ساعة وشركات توليد الطاقة الشمسية بسعر 0.03 من الدولار لكل كيلووات ساعة، الأمر الذي جعلها تحقق فوزا سهلا في مواجهة الشركات المنافسة العاملة في مجال الوقود الأحفوري. ويعكس هذا النجاح انخفاضا هائلا في التكاليف على مدى السنوات الست الأخيرة، مع انخفاض تكلفة الطاقة الشمسية بنحو 70 % وتكلفة طاقة الرياح بأكثر من 30 %. ومن المحتم أن نشهد المزيد من التخفيضات.
بطبيعة الحال، الشمس لا تشرق دوما والرياح لا تهب دائما، ولكن مشاكل التقطع أصبحت قابلة للحل على نحو متزايد مع انخفاض تكلفة البطاريات وغيرها من وسائل تخزين الطاقة، ومع تمكين تحويل توقيت بعض الطلب على الكهرباء بفضل العدادات وأنظمة التحكم الذكية. والآن بات من المؤكد أن العديد من البلدان سوف تتمكن في غضون عشرين عاما من الحصول على القدر الأكبر من احتياجاتها من الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة بأسعار بسيطة إلى حد كبير.
من المؤكد أن مزارع الطاقة الشمسية والرياح تحتاج إلى مساحات كبيرة من الأراضي، ولكن على المستوى العالمي، هناك وفرة من الأراضي الفضاء.
يتجاوز مجموع الطاقة الشمسية التي تصل إلى كوكب الأرض خمسة آلاف ضعف الاستهلاك البشري باليوم. ومن المرجح أن يتضاعف الطلب إذا تزايد عدد سكان العالم (كما تشير توقعات الأمم المتحدة) من 7.2 مليار نسمة اليوم إلى 11 مليار نسمة بحلول عام 2100، وإذا تمكن كل سكان الأرض آنئذ من تأمين مستويات المعيشة التي يتمتع بها الآن سكان الاقتصادات المتقدمة فقط. الواقع أن اللوحات الشمسية المتاحة اليوم قادرة على تحويل نحو 20% فقط من الطاقة الشمسية إلى كهرباء (وإن كانت هذه النسبة تتزايد بمرور الوقت). ولكن حتى مع وضع هذه العوامل في الحسبان، تظل المساحة المقدرة لتوليد الطاقة الشمسية الكافية لتزويد العالم بأسره بالكهرباء ضئيلة على نحو مطمئن، إذا لا تتجاوز 0.5 % إلى 1 % من مساحة اليابسة في العالم.
بيد أن التحديات التي تواجه الدول فرادى متفاوتة تماما، وهو ما يعكس الفوارق الهائلة في الكثافة السكانية. ففي تشيلي تبلغ الكثافة السكانية 24 شخصا لكل كيلومتر مربع، وفي الولايات المتحدة 35، وفي الهند 441 ــ وهو الرقم المرشح للارتفاع إلى نحو 570 بحلول عام 2050 ــ في حين تجاوزت الكثافة السكانية في بنجلاديش بالفعل 1200 شخص لكل كيلومتر مربع. وفي أوغندا تبلغ الكثافة السكانية اليوم 195 شخصا لكل كيلومتر مربع، ولكنها من الممكن أن ترتفع إلى نحو 1000 شخص بحلول عام 2100. وسوف يظل المستوى في الصين مستقرا، عند نحو 145 شخصا لكل كيلومتر مربع، في حين تعوض عن المناطق الساحلية ذات الكثافة السكانية العالية امتدادات شاسعة من الصحراء والجبال في الغرب.
ولا تتأثر الأراضي المخصصة لتوليد طاقة الرياح بتوسع الإنتاج الزراعي، لأن المحاصيل يمكن زراعتها والحيوانات من الممكن أن ترعى بين التوربينات. ولكن ارتفاع الكثافة السكانية يزيد من صعوبة وتكلفة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة وحدها. فإذا حاولت كوريا الجنوبية، حيث الكثافة السكانية 517 شخصا لكل كيلومتر مربع، تلبية جميع احتياجاتها من الطاقة بالاستعانة بطاقة الرياح، فسوف تضطر إلى تغطية كامل مساحة أراضيها بمزارع الرياح.
وفي الدول الغنية بالقدر الكافي للاهتمام بجمال المناظر الطبيعية، يجعل ارتفاع الكثافة السكانية الطاقة النظيفة أكثر تكلفة. ففي المملكة المتحدة، حيث يبلغ إجمالي الكثافة السكانية 267 شخصا لكل كيلومتر مربع، ولكنه يتجاوز 413 شخصا لكل كيلومتر مربع في إنجلترا، تعارض الحكومة الحالية إقامة مزارع رياح جديدة على اليابسة بسبب تأثيرها السلبي على الناحية الجمالية. ونتيجة لهذا فسوف تضطر بريطانيا إلى الاعتماد أيضا على مزارع توليد طاقة الرياح ومحطات توليد الطاقة الكهربائية النووية المقامة قبالة سواحلها في البحر من أجل بناء اقتصاد منخفض الكربون، وهو ما يضيف إلى تكلفة الكهرباء نحو سِنتين إلى ثلاثة سنتات لكل كيلووات.
ولكن التحديات الأكبر كثيرا هي تلك التي تواجهها بعض الاقتصادات الناشئة بالفعل، وتلك التي سوف تواجهها دول أفريقية عديدة في المستقبل. ففي ظل كثافة سكانية تعادل ثمانية أضعاف المتوسط العالمي، سوف يكون لزاما على الهند أن تخصص 4 % من أراضيها لمزارع الطاقة الشمسية لتلبية احتياجاتها من الطاقة، وفي بنجلاديش حيث الكثافة السكانية 22 ضعف المتوسط العالمي، فسوف يتطلب الأمر أكثر من 10 % من الأراضي.
علاوة على ذلك، أصبحت المنافسة بين الاستخدامات البديلة للأراضي في الهند، خلافا للحال في تشيلي أو الولايات المتحدة، محتدمة بالفعل في بعض المناطق. على سبيل المثال، واجه طموح الهند إلى تطوير قطاع صناعي كبير معوقات كبرى في بعض الأحيان بسبب الخلافات بل وحتى الصراعات العنيفة على تخصيص الأراضي. وفي بعض أجزاء البلاد، مثل صحراء راجستان، سيكون من الممكن إنشاء مرافق ضخمة لتوليد الطاقة الشمسية؛ وفي أماكن أخرى، ربما يحد المتاح من الأراضي من القدرة على التطوير المجدي لمصادر الطاقة المتجددة. ورغم أن اللوحات الشمسية يمكن نشرها، بل يجب نشرها، على أسطح البنايات وفي مواقع حضرية أخرى، فإن التكاليف ستكون أعلى مقارنة بالدول حيث الأراضي متاحة بسهولة.
وهذا يعني أنه في حين ينبغي لمصادر الطاقة المتجددة أن تلعب دورا رئيسيا في إزالة الكربون في كل مكان، فربما يتعين على تكنولوجيات أخرى مثل الطاقة النووية أو احتجاز وتخزين الكربون أن تتحمل المزيد من العبء في بعض الدول. وفي الدول الأكثر اكتظاظا بالسكان حيث ستكون جهود إزالة الكربون أكثر صعوبة تتزايد أهمية تحسين إنتاجية الطاقة ــ عن طريق تحسين التصميم الحضري على سبيل المثال ــ على النحو الذي يعمل على تمكين نمو الدخل وفي الوقت نفسه الحد من المدخلات المطلوبة من الطاقة.
الواقع أن بعض الدول الأكثر كثافة سكانية على مستوى العالم تواجه عائقا مزدوجا؛ فهي غالبا الدول الأكثر عُرضة للآثار السلبية المترتبة على تغير المناخ، وربما يكون بناء اقتصادات منخفضة الكربون أكثر صعوبة. وعلى العكس من ذلك فإن الدول الغنية والمزدحمة بالسكان ــ مثل الولايات المتحدة وأستراليا وتشيلي ــ تتمتع بمساحة كافية لبناء أنظمة الطاقة المنخفضة الكربون بتكلفة منخفضة للغاية وتأثيرات ضئيلة على المتاح من الأراضي للزراعة أو المناظر الطبيعية الجمالية.
وربما يخلف هذا عواقب كبيرة على التجارة العالمية. فقد تسببت ثورة الغاز الصخري بالفعل في زيادة احتمال عودة التصنيع الكثيف الاستخدام للطاقة إلى الولايات المتحدة؛ ومع تسبب التشغيل الآلي في جعل الفوارق في تكاليف العمالة أقل أهمية، فإن الطاقة المتجددة المنخفضة التكلفة ربما تدفع المزيد من "التصنيع في الداخل". ولكن هذا من شأنه أن يزيد من تعقيد قدرة الاقتصادات الناشئة على توليد فرص العمل الكافية لعدد يتزايد بسرعة من السكان.
يُعَد التقدم الكبير في مجال الطاقة الكهربائية المتجددة تطورا إيجابيا هائلا؛ ولكن الفوائد يمكن اغتنامها بأكبر قدر من السهولة في الدول المتقدمة حيث الكثافة السكانية منخفضة نسبيا. وسوف تنشأ الحاجة لتكنولوجيات أخرى كثيرة وسياسات جيدة التصميم ــ على المستويين المحلي والدولي ــ لتمكين الدول الأقل حظا من بناء اقتصادات ناجحة منخفضة الكربون.
*رئيس معهد الفِكر الاقتصادي الجديد.