نظرة على المشهدين !
صنارة نيوز - 2016-05-03 07:51:01الدكتور يعقوب ناصر الدين
المشهد الأول الذي شغل ساحتنا الوطنية هو التعديلات الجديدة على الدستور ، والآراء التي تم التعبير عنها في الأوساط السياسية والبرلمانية والصحفية ، والتركيز على " جزء من كل " وخاصة السماح لمزدوجي الجنسية في تولي المناصب العامة ، وتعيين مدير قوات الدرك بقرار مباشر من جلالة الملك .
ما لم يحظ بالاهتمام هو المهم ، فالتعديلات عرضت ونوقشت ، وأقرت بأغلبية الأصوات في مجلس النواب وفق خطوات وإجراءات دستورية ، وأحقية جلالة الملك في أنه صاحب الولاية في اختيار ولي العهد بقيت ضمن الأسس المنصوص عليها في الدستور ، وكذلك تعيين نائب الملك ، ورئيس وأعضاء " مجلس الملك " مجلس الأعيان .
أن تضاف صلاحية تعيين مدير الدرك إلى جلالة الملك ، فذلك جزء من منظور نظرية الأمن الاستراتيجي للدولة ، سبقها صلاحية تعيين رئيس هيئة الأركان العامة ، ومدير المخابرات العامة التي أقرت في تعديل سابق ، وهي نظرية تأخذ في الاعتبار التطورات التي تشهدها المنطقة ، والحرب على الإرهاب ، ومن الطبيعي أن يختار القائد الأعلى فريقه من قادة الأجهزة المعنية بالدفاع عن أمن الدولة واستقرارها .
تعزيز فصل السلطات واضح في التعديلات الدستورية بما يضمن استقلال المحكمة الدستورية ، والسلطة القضائية ، وذلك في صميم عملية الإصلاح الشامل ، التي تكتمل بتولي السلطة التنفيذية مسؤولياتها في إدارة شؤون الدولة ، وتولى السلطة التشريعية سن القوانين ، ومراقبة الأداء الحكومي ، فالصلاحيات ليست جوهر التعديلات الدستورية ، ولكن المسؤوليات وتقاسم المهام هي الجوهر والغاية منها ، مع الاحترام والتقدير لجميع وجهات النظر التي تم التعبير عنها ، منسجمة مع الممارسة الديمقراطية التي تشكل في حد ذاتها قيمة في المشهد الأردني الاستثنائي .
لقد لجأت الدول إلى شركات أجنبية لإعادة هيكلة قطاعات وطنية بأكملها ، وعدلت تشريعات وقوانين وأنظمة وتعليمات بناء على ذلك ، فهل نخوض كل هذا النقاش عندما يتعلق الأمر بحاجة الدولة لكفاءة أردني يحمل جنسية بلد آخر ؟ أظن أن الوقت قد حان لنعود أنفسنا على رؤية المشهد كاملا ، كي ندرك قيمته ومعناه ، بدل التركيز على جزئية تصير أكبر من المشهد ، فتضيع علينا فرصة الرؤية بوضوح !
أما المشهد الثاني فهو ، الصيغة الجديدة في العلاقات الأردنية السعودية ، وملامح واحتمالات المرحلة القادمة ، فقد شد الاستقبال الحافل الذي أحيطت به زيارة جلالة الملك إلى المملكة العربية السعودية ، بدعوة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز اهتمام جميع الأوساط المحلية ، وكان الانطباع السائد هو أن ثمة ما هو جديد في تلك العلاقات التي حافظت خلال عقود طويلة على حدود مصانة من الطرفين في كل الظروف والأحوال .
ومرة أخرى تم التركيز في مستوى التحليل السياسي والصحفي على جزئيات ليست من صميم المشهد الكبير ، حتى أن الإعلان عن تشكيل مجلس للتنسيق المشترك لم يأخذ نصيبه في التحليلات المنشورة ، ولا الإجابة على السؤال الأهم حول طبيعة تلك الصيغة التي أراد الجميع أن يراها من زاوية المعونات والمنح ، أو المشروعات الاستثمارية الكبرى ، وليس من زاوية قيمة ودور الأردن والسعودية في التعامل مع التحولات الإقليمية والدولية التي تحيط بالبلدين !
منذ متى والأردن يعاني من نقص الموارد ، والمديونية ، والعجز في الموازنة العامة ، ويتأثر سلبا بحروب وأزمات لم تتوقف على مدى نصف قرن على الأقل ، فهل فقد قيمته الحقيقة ودوره الفاعل وقوته في التعامل مع تلك الكوارث التي ما تزال مستمرة ، وهي مرشحة لما هو أسوأ ؟!
من الضروري ، وأكثر من أي وقت مضى ، أن يتشكل اطار قومي جديد ، يكون نواة لموقف قادر على التعامل مع التفاهمات الدولية حول مستقبل المنطقة ، وما قد ينتج عن تداعيات وجود أطراف وقوميات مختلفة تخوض صراعاتها على الأرض العربية ، وتلك النواة تكمن فيما عرفناه قبل عدة سنوات في مفهوم " دول الاعتدال العربية " التي ضمت بصورة مباشرة وغير مباشرة الأردن والسعودية ومصر والسلطة الوطنية الفلسطينية .
فكان الأردن وسيظل عنصرا قويا في تلك المعادلة كنتيجة حتمية لقدرته الفائقة التي أظهرها دائما رغم ضائقته المالية ، تلك القدرة التي جعلته موضع احترام وتقدير قادة العالم كله الذين يأتون إليه أو يذهب إليهم معززا بوضح الرؤية وقوة العزيمة على مواجهة التحديات ، وهي قوة نابعة من جدية والتزام جلالة الملك بتعهداته تجاه أمن واستقرار المنطقة والعالم ، وحق الشعوب العربية في الحرية والاستقلال والكرامة الإنسانية ، وفي مقدمتها حقوق الشعب الفلسطيني التي لم يعد يتحدث عنها هذه الأيام أحد سواه !
مشهد العلاقات الأردنية السعودية بالصورة التي رأيناها مشهد يدعو إلى الطمأنينة والارتياح ، وفي المقابل صورة الأردن في ذلك المشهد تدعو إلى الفخر والاعتزاز والثقة بالنفس .