البيضة من الدجاجة..ام العكس؟!
صنارة نيوز - 2016-01-18 13:32:50حسين الرواشده
ليست هذه المرة الاولى التي نسمع فيها عن تشكيل اطار حزبي جامع ينتظم فيه عدد من الاحزاب على قاعدة القيم والبرامج المشتركة، فقد سبق وشهدنا تجارب مماثلة ، لكنها انتهت مع الاسف الى الفشل.
الان اعلنت ستة احزاب عن تشكيل تيار حزبي موحد ( اسمة التجديد) فهل سيكتب له النجاح..؟
لا ادري بالطبع ، لكن قصتنا مع “الحزبية” تحتاج الى توضيح، فنحن من جيل فتح عينيه على “ شبهة” الانتماء الى الاحزاب، وحتى مطلع التسعينيات ظل الانتماء الى الاحزاب في دائرة الكتمان والسرية، كما ظل العمل الحزبي - باستثناءات قليلة - محذورا ومحرما، لا تحت طائلة مخالفة القوانين وحسب، وانما تحت ذريعة الخروج من دائرة “ابوة” الدولة، بل وحتى الملّة الوطنية ايضا.
الآن، ومنذ نحو 25 عاما، تغيرت الصورة، فأصبحت الاحزاب مطلوبة، وفتح للناس بوابات الانتساب اليها، وصار بوسعنا ان نرى عشرات المقرات الحزبية في شوارعنا ، وان نسمع هدير الحزبيين في كل مكان.
نقول تغيرت الصورة ومعها الاطار، لكن المضامين لم تتغير، فالذين انتسبوا للاحزاب لم يتجاوز عددهم الآلاف، والذين يعتقدون بجدوى العمل الحزبي في تناقص وانحسار، ومع ارتفاع عدد الاحزاب وارتفاع اصوات زعاماتها، لم نشهد، لا في مجلس النواب، ولا في حياتنا السياسية والثقافية - دعك من قناعات الناس وتفاصيل شؤونهم اليومية - ما يثبت ان لهذه المؤسسات اثرا في مجتمعنا، ولا حتى صدى.
لِمَ حدث ذلك كله، ولماذا يعزف الناس عن الحزبية، ولماذا يعالج الامناء الحزبيون ذلك بالنزوع نحو التكاثر ، لا نحو التوحيد، وبالجنوح وراء اتهام الحكومات بالتضييق وقلة الدعم وانعدام الجدية.. لا بالنقد الذاتي والاعتراف بالتقصير.. ومن ثم التحرك نحو الحلول بمبادرات تنتزع اعتراف الحكومات ودعمها.. وتنتزع ايضا قناعات الناس وتأييدهم؟
اعرف ان لدى القارئ الكريم ( كما لدي) العشرات من الاسباب ، بعضها يمكن ان نتصارح بها ، وبعضها يبقى في دائرة الكلام غير المباح ، الا في الغرف المغلقة ، لكن مع ذلك ظلت الحكومات في بلادنا بمثابة “الحزب” ( الاخ : ادق) الاكبر الذي ينتزع كل شيء من المجتمع، وهي - بالطبع - لا يمكن ان تتطوع بانشاء من ينافسها، حتى لو كان شعار التعددية والمشاركة مطلوبا بالحاح.
الاحزاب - شأن كل مؤسسات العمل الوطني - لا يمكن ان تنشأ وتنضج وتقنع الا اذا اجتازت مسألتين: احداهما خطاب وطني مؤثر ومعه برامج عملية مقنعة تتولاها زعامات حقيقية مؤمنة بالعمل الحزبي وجاهزة للتضحية من اجله، وثانيهما: نماذج سلوكية وانسانية ووطنية على مستوى العمل والاشخاص، قادرة على الوصول الى الجماهير وانتزاع اعجابهم، وقادرة ايضا على التأثير في الحكومات وايجاد تسويات معها من منطلق خدمة المصلحة العامة لا مصلحة افراد او جهات.
بصراحة، الحزب - أي حزب - يخرج في العادة من خلال تيار شعبي يلتقي ويحتشد حول عقيدة سياسية ما ، يقتنع بها ويستعد للتضحية من اجلها ، ويعتمد - بالتالي - نجاح الحزب او فشله على مدى قدرته على جذب هذا التيار والتأثير فيه عبر البرامج التي يقدمها ، والزعامة التي تتولى قيادته . وبهذا المعنى فالحزب ليس صناعة يمكن إشهار دمغتها والحصول على ترخيص يحفظ لأصحابها حقوق الملكية ، وليس - ايضا - شركة مساهمة يتوافق مؤسسوها على تمويلها وأهدافها او يتقاسمون إدارتها والاشراف عليها وتسويق بضائعها للجمهور ، ولكنه عملية انتاجية متراكمة ، او - ان شئت - ولادة طبيعية لمشروع زواج مكتمل الشروط بين النخبة والجمهور:النخبة تمارس دور “القابلة”والجمهور يتولى وظيفة “الرحم”..اما إشهار الوليد فلا يحتاج الى اكثر من مصافحة بين الطرفين ابتهاجا بالقدوم والتسمية.
في بلادنا ما تزال الثقافة الحزبية متواضعة جدا ، وكذلك الميولات العاطفية لدى الجمهور نحو الاحزاب.لقد خرج الناس من تجربة حزبية مخيبة للآمال والطموحات ، ولم يجدوا - لاحقا - ما يعيد اليهم الثقة “بالزعامات” التي تقدمت الصفوف ، او بالقرارات والاجراءات التي صدرت لإعادة الاعتبار للحياة الحزبية، وبالتالي انتهت معظم التجارب الحزبية التي خرجت بعيدا عن رحم التيار الشعبي ، سواء بقصد صناعة الزعامة او المناكفة او العبور للوظيفة والبرلمان الى الفشل او الافلاس.
صحيح ، لا توجد حياة سياسية حقيقية ، او عملية ديمقراطية ناضجة بدون احزاب تتنافس برامجها وتسعى الى تداول السلطة ، ولكن هل يمكن للأحزاب ان تخرج من دون وجود حياة سياسية وادوات ديمقراطية ومضامين فكرية يتوافق عليها الجمهور مع نخبه وزعاماته ، وتشكل الدولة ضمانة لرعايتها واستمرارها؟
القصة ليست من الاول:البيضة ام الدجاجة ، بقدر ما هي توصيف لحالة تشبه اللغز - او تبدو كذلك - حين نحاول قراءة اسباب نزعة العزوف والانسحاب الحزبي ، وهيمنة ثقافة “اللاحزبية”وتصاعد حالات “الخلع”التي يمارسها الناس تجاه نخبهم ، وحالات الطلاق السياسي التي تمارسها النخب ايضا تجاه الجمهور.
الدستور