لبنان: أزمة تلد أخرى
صنارة نيوز - 2016-01-17 09:58:38قد لا يكون تَبَقّى من «فرادة» لبنان الشيء الكثير، إن لم نقُل ان هذا البلد العربي «او الذي تم الاعتراف بعروبته كخيار نهائي لأبنائه, بعد ان استمات الانعزاليون في محاولة سحبه من دائرة العروبة الى مربع الفَرْنَجة والتغريب».. الذي بقي محافظاً على تميزه بل واستثنائه حتى في «عز» الحرب الاهلية وانفلاش الدولة وسيادة قوانين أمراء الحرب وملوك الطوائف وبارونات الاقطاع ورأس المال، يوشك (هذا اللبنان) على فُقدان بريقه، بعد أن ادار زعماؤه (وهم سادة الجاهلية وسادة ما بعد الجاهلية، على قاعدة «اسيادكم في الجاهلية اسيادكم في الاسلام»، التي ابقاها هؤلاء قيد التداول والفاعليه)، ظهورهم للمصلحة الوطنية العليا، وراحوا يجيرونها لطوائفهم وأزلامهم والاتباع وخصوصاً لهم ولأولادهم والاحفاد، الى ان انتهى لبنان بلا كهرباء ولا ماء ولا خدمات صحية او تعليمية او بنى تحتية، إلاّ في الحدود الدنيا، فيما امتلأت شوارعه بالقمامة وراحت رائحتها تزكم الأنوف, فيما الزعماء (اياهم) يبحثون عن العمولات واستجلاب العروض والمناقصات التي تنتهي في جيوبهم، اما الحراك الشبابي والمطلبي الذي كاد يهز مكانتهم، غير المصونة على أي حال، فقد انتهى هو الآخر الى حراك موسمي او مناسباتي، ولم يعد بالقوة التي بدأ بها بعد ان دخلت «أمراض» الحال اللبنانية الى صفوف هذا الحراك وفاحت رائحة الطائفية والمذهبية والمناطقية والجهوية والحزبية.
مناسبة العودة الى المشهد اللبناني، ليس فقط في ان الشغور الرئاسي ما يزال سيد «قائماً» وان ما وُصِف ب»مبادرة» سعد الحريري لترشيح سليمان فرنجية زعيم تيار المردة والمحسوب على فريق 8 آذار، قد انتهت الى التجميد او ربما الى الفشل رغم ان نعيها - حتى الآن - ما يزال مبكراً، بل وأيضاً لأن درجة الاحتقان قد ارتفعت بعد ان اطلقت محكمة التمييز العسكرية اللبنانية, الوزير السابق ميشال سماحة بعد اربع سنوات ونيف في السجن، معتبرة انه قضّى العقوبة المفروضة عليه في قضية لم تنته فصولها مقابل كفالة مالية كبيرة (وفق المعيار اللبناني) بقيمة ماية الف دولار, ومنعِه من السفر او اطلاق تصريحات سياسية على ان يتعهد حضور جلسات المحاكمة اعتباراً من الخميس المقبل..
إطلاق سماحة، فجّر غضباً عند فريق 14 آذار، الذي وجد في ذلك فرصة لاعادة تجميع صفوفه المُتصدِعة والتي ازدادت تصدعاً بعد مبادرة الحريري، وبروز احتجاجات وغضب على هذا «التفرد» الحريري في اختيار الرئيس المسيحي الماروني، دون استشارة حلفائه في فريق 14 اذار وبخاصة سمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية الذي كان مرشح الحريري نفسه للرئاسة في مقابل الجنرال ميشال عون مؤسس التيار الوطني الحر المدعوم من فريق 8 اذار وخصوصاً من حزب الله.الطريف هنا ان جعجع يُلوِح بدعم عون للرئاسة,نكاية بالحريري, وهي لا تزيد عن كونها مناورة مكشوفة.
هل قلنا جعجع؟
نعم, اذ خرج الاخير على الناس ليُحاضِر في الوطنية ويزايد على اللبنانيين في التنظير وابداء الغضب على اطلاق ميشال سماحة ويتساءل في استذكاء مكشوف, عن اي «قضاء» هذا الذي يُطلق مُتهَماً بتهريب مُتفجرات والتحضير لعمليات ارهابية تستهدف الامن في لبنان وتفضي الى فتنة طائفية ومذهبية؟
قد يكون لأي لبناني - باستثناء جعجع - الحق في طرح سؤال كهذا, ربما يكون مشروعاً او غير مشروع, اما ان يتنطح جعجع للمسألة هذه, مُدان بجرائم قتل موصوفة, لم يُطلق سراحه الا في اطار صفقة «سياسية» غير قانونية في نظر كثير من اللبنانيين وخصوصاً اولياء الدم الذين سفك جعجع دماء ذويهم وازهق ارواحهم وهو يقود ميليشيا ارهابية روعت اللبنانيين والفلسطينيين وعَمّقت الجروح في الجسد اللبناني وكادت أن تأخذ لبنان الى احضان اسرائيل, بعد أن تحالف معها هو وزعيمه بشير الجميل وتبعه شقيقة امين في التوقيع على اتفاق 17 ايار 1983, الذي «شرْعن» أسرلة لبنان وتبعيته للكيان الصهيوني رغم ارتكاباته وجرائمه في اجتياح العام 1982 واحتلال بيروت.
الجدل في لبنان مُستمر والسِجالات مفتوحة, وفريق 14 اذار الذي يبدو مكبلاً, يرى في الحدث الاخير فرصة لاستعادة قوته, ولكن من اسف, عبر الانقلاب على منطق الدولة والمسّ بالسلطة القضائية وخصوصاً الجهاز القضائي العسكري الذي اصدر قرار اطلاق سماحة, وفق القوانين المرعية وباجماع قُضاة محكمة التمييز العسكرية... الخمسة.
قد ينجح اتباع فريق 14 اذار بدعم من حزب وليد جنبلاط الذي نزل «شبابه» الى الشوارع للاحتجاج, في إحداث ضجة وتوتير الأوضاع في لبنان وربما تصل الامور الى «حافة الهاوية» قبل ان يتراجع الجميع, لأن «الشارع» لا يحل الازمة الافقية والعامودية المتفاقمة في بلاد الارز, وسط اشتباك اقليمي ساخن ومرشح لمزيد من التسخين الا ان ذلك يُكرّس المعادلة التي لم يعد ينكرها احد في لبنان وهو أن هناك - في لبنان - نظام قوي ودولة هشة.. والا كيف لدولة أن لا تنجح في الدفاع عن مؤسساتها؟.