الجامعات الأميركية تنتفض.. هل سقط الغرب في اختبار حرية التعبير؟

صنارة نيوز - 01/05/2024 - 9:30 am

لم يعد في السياسة الأميركية الآن، وعلى نحو أكبر من أي وقت مضى، ما يسمى بـ"المسلمات" جراء انحياز إدارة البيت الأبيض السافر للكيان الصهيوني، والأخطر في هذا النطاق، أن زعيمة العالم الحر، المدافعة عن "حرية التعبير" الى حد "العبث" بأنظمة دول في العالم الثالث، تمارس سلوكا ممنهجا، ينطوي على قمع يجري فوق أرض جامعاتها العريقة، لكنه لم يصل بعد إلى أي شكل من الصدام المسلح.

 

 

وهذه الجامعات، التي تعد قلب أميركا الحر، يتجهز في أروقتها نخبة المجتمع الأميركي لتسلم مقاليد إدارة البلاد مستقبلا، أضحت حركة الاحتجاج تجتاحها، احتجاجا على الجرائم الصهيونية في غزة، وتضامنا مع الفلسطينيين، ترعرت في كنفها مفاهيم الحرية وتطبيقاتها، في بلد يحتكم للدستور والقانون في حفظ الحقوق والحريات.
تطورات الاحتجاجات المناهضة للحرب على غزة في هذه الجامعات، كشفت أن تصعيد إداراتهم ضدهم لمنع الطلبة من التعبير بحرية عن رفضهم لسياسة بلادهم المنحازة لـ"إسرائيل" في كل شيء، سيستمر، في المقابل، وبرغم التحديات التي يواجهها الطلبة، لم ينفكوا عن الاستمرار باحتجاجاتهم.
أمس، اقتحم طلبة محتجون على جرائم الاحتلال الصهيوني في قطاع غزة، مبنيين في جامعة كولومبيا التي انطلقت من ساحاتها شرارة موجة الاحتجاجات قبل أيام، وهي واحدة من أعرق جامعات النخبة في الولايات المتحدة، والعالم. ما يثير تساؤلات حول المدى الذي قد تذهب إليه هذه الاحتجاجات، والتصدي الرسمي الأميركي لها.
في هذا السياق، يستعيد كثير من الباحثين والمؤرخين، لمقارنة ما يجري في تلك الجامعات النخبوية احتجاجا على الجرائم الصهيونية في غزة، وما سبق وأن جرى فيها من احتجاجات طلابية على شن بلادهم حربها الضارية على فيتنام أواخر ستينيات القرن الماضي.
وفي وقت لحقت فيه جامعات أخرى مثل: هارفارد في بوسطن، وييل في كونيتيكت، وتافتس في ماساتسوستس، ونورث وسترن في إيلينوي، بالاحتجاج الذي أطلقته جامعة كولومبيا، فإن الصورة تكشف أنها جامعات نخبة، طلبتها متفوقون، وأبناء المتنفذين سياسيا واجتماعيا، وهو ما دفع لأن تجد صدى للانتشار في عديد من الجامعات الأميركية، وأن تتوسع دائرة امتدادها خارج أميركا في أوروبا وغيرها.
هتافات كـ"وقف الدعم الأميركي للاحتلال الصهيوني"، تظللها أعلام فلسطين، القاسم المشترك للمحتجين من طلبة وأساتذة في هذه الجامعات، التي يمثلون فيها فئات ومكونات المجتمع الأميركي المتنوع، فتوحدت صفوفهم للتنديد بالصهيونية، بما تمثله من أخطار على الإنسانية وما تتلقاه من دعم بلادهم لها.
وقد جوبهت هذه الاحتجاجات ذات الطابع السلمي البحت، بعنف وقمع من "البوليس الأميركي" دعمته إدارات الجامعات التي لم تر انتهاكات الشرطة لحرم جامعاتها والطرق المؤدية إليه على أنه شكل من أشكال التعدي على الحريات الطلابية.
ومع استمرار نصب حواجز للشرطة للحد من تدفق الطلبة على تجمعات المحتجين من زملائهم لمساندتهم، ومطاردة بعضهم واستخدام العنف معهم، واعتقال أعداد منهم (زاد عدد المعتقلين على ألف طالب وطالبة وعضو هية تدريس حتى أمس) وضربهم وسحلهم في حرم الجامعات، دون أن يطرف جفن إداراتهم، التي ترفع شعارات حرية الرأي، بل وصل بها الامر إلى فصل مدرسين من العمل، وحرمان طلبة من فصول دراسية.
أمام هذه المشهدية، التي تستعيد ذكرى الاحتجاجات الدامية على الحرب الأميركية في فيتنام، تعيش أميركا حاليا مأزقا حقيقيا، تكشف عنه موجة تساؤلات حول المساس بحرية الرأي والتعبير التي منحت للطلبة وبقية المكونات الاجتماعية، وشعارات "قيم العالم الحر" التي بات من يمتثل لها في قضية كقضية فلسطين، يعتقل ويحرم من الدراسة، ويفصل من العمل. 
إنه سؤال حول المعايير المزدوجة، وما يمكن أن تكون عليه الحريات الأميركية والغربية مستقبلا، لجيل يتشكل وعيه أمام "صدمة اعتقال الحرية" من جديد، لكن هذه المرة محمولا على تبنى رواية فلسطين، لا "إسرائيل"، بعد أن نبهته المجازر غير المسبوقة التي تعرض لها أهل غزة المدنيون، إلى أن انحيازه للضحية هو القيمة التي تنبني عليها حريته وحرية الآخرين، ولا يقصر استحقاقها لأحد دون آخر، فالإنسانية تتشارك في القيم التي ترقى بالبشر وترتفع بهم عن أي استبداد أو قمع أو قهر أو إبادة جماعية، أو احتلال، أو فصل عنصري، وهذا كله، يراه الطلبة، وقد جسّده الكيان في جرائمه المرتكبة في قطاع غزة، بدعم من أميركا والغرب، وهو ما يرفضونه وفق ما تشربوه من قيم الحرية.
لقد باتت أميركا اليوم على المحك، أمام سؤال طلبتها، إذ كيف يمكنها المناداة بالحريات في العالم، واستخدام قيم الحرية، التي غالبا ما تستخدمها كنوع من آليات الضغط والحصار والإدانة ضد دول استبدادية، كما فعلت في إدانة قمع احتجاجات طلبة ساحة تيانانمن في الصين، وكيف لها أن تقدم نفسها بعد هذه الأعمال التي تتنافى مع دستورها وقوانينها، زعيمة لـ"العالم الحر"، والمدافع الشرس عن الحريات، وبالذات حرية التعبير، وهي التي تقمع بأدوات لطالما استخدمتها عبر وزارة خارجيتها أو منظماتها كـ"هيومن رايتس ووتش" في انتقاد دول، ارتكبت أفعالا تتنافى ومعايير الحرية "على الطريقة الأميركية" لتبرير التدخل في شؤون دول تتهمها بانتهاك الحريات.
سيتعمق مأزق الحريات في واشنطن، حين تمر صور طلبتها المكبلين في ساحات اكثر من 40 جامعة نخبوية (حتى الآن تعلن تضامنها الفعلي مع الفلسطينيين وغزة)، عند المقارنة بين سلوك دول لم تقدم نفسها "زعيمة" او "رائدة" للحريات والدفاع عنها والادارة الأميركية التي فرضت شروطها السياسية والعسكرية بتزعم "العالم الحر". 
فأي معايير هذه التي تضعها أميركا لتقيس بها درجة حرارة الحرية في العالم؟ وهل ثمة ازدواجية في "باروميتر الحريات" عندها؟ ام ان صكوك الحرية التي تمنحها لهذا البلد او ذاك، تخولها لان تجعل من ازدواجية المعايير في التعامل مع الحريات، قيمة، يمكنها تطبيقها كيفما تريد، دون أن ينتقدها احد، فتمنح "الاحتلال الإسرائيلي" صك "الاكثر اخلاقية في العالم"، وتزعم أن سواها أدنى من ذلك، وهي من تمنح صكوكا؛ هذا البلد يؤمن بالحرية وذاك لا يؤمن بها. 
في هذا النطاق، فإن معايير الولايات المتحدة للحريات، ستظل منقوصة، ومشحونة برغائبها في الذهاب إلى حيث مصالحها وتصوراتها السياسية، أكثر من احتفاظها بالقيم، وهو ما نراه في العلاقة مع "إسرائيل الاحتلالية". 
وفي هذا المقتضى، يمكن عقد مقارنات في هذا السياق، فعلى سبيل المثال كان وما يزال الأردن حريصا على صون حرية التعبير، وأكثر حرصا عليها في عدة منعطفات كما نرى الآن بما يقوم به الأردنيون من حراكات ترفض المجارز التي يرتكبها الكيان الصهيوني في غزة، في المقابل، فإن الدولة الأردنية التي تتفق في معاييرها هذه مع الشعب، تتجنب أي صدام أو قمع قد يمس أو يخدش وجه حرية التعبير في البلاد، وبالمقارنة السريعة تكشف أرقام المعتقلين والمفرج عنهم نتيجة هذه الحراكات المناهضة للجرائم الصهيونية، ما يشي بأن ميزان أميركا غير سويّ في تقييم الحريات في العالم.
في هذا الصدد، سيظل السؤال عن دلالات الاحتجاج الطلابي في أميركا وأوروبا، ومآلاته المستقبلية، في ظل جيل يتشكل وعيه من جديد في دعم القضية الفلسطينية، حاضرا، والأهم ما هي الخيارات الأميركية للخروج من مأزق السقوط المدوي في اختبار حرية التعبير؟
من هنا، يكشف خبراء التقتهم "الغد" عن أن ما يجري في المجتمع الجامعي الأميركي والأوروبي أيضا، لم يكن أحد يعتقد بأنه سيكون على هذا النحو من العنف الرسمي المنحاز للرواية الصهيونية ضد محتجي بلدانهم من الطلبة والمواطنين أيضا.
يقول الناطق الرسمي الأسبق باسم الحكومة سميح المعايطة، إنه في كل دول العالم، وأينما وُجدت السلطة، سنجد أنها تلجأ للقوة في بعض المراحل، إذا كان تقديرها بأن هناك خطرا على أي مؤسسة أو توجه للدولة.
ويضيف المعايطة "لعلنا نحن العرب مندهشون مما يجري، مع أن الدول الغربية مرّت في اختبارات عديدة كدعم انقلابات عسكرية، أو احتلال دول وحتى استعمارها، وحينها لم يكن ما يشغل تلك الدول هو اختبار الحريات أو الديمقراطية".
ويرى، أنه وبكل المقاييس، فإن دعم أميركا للكيان الصهيوني في عدوانه على غزة، أهم من اعتقال طلبة أو مدرسين في جامعة، لافتا إلى أن "الفيتو" الأميركي ضد أي حق فلسطيني أكبر أثرا إنسانيا وديمقراطيا بالنسبة لها، وأيضا احتلال العراق وتفكيكه وغيرها من الأمثلة عبر عقود مضت.
وأكد المعايطة، أن ما يجري في جامعات أميركا، نتيجة محاولة طلبة من أصول عربية وإسلامية لتحريك الشارع هناك ضد ما يجري من عدوان في غزة، وهي محاولة ناجحة، تعزّز الضغط على الإدارة الأميركية، وتصنع رأيا عاما رافضا للحرب ولما يجري ضد الشعب الفلسطيني.
من جانبه، دان مؤسس وعضو مجلس إدارة مركز وحماية الصحفيين، نضال منصور حملة القمع التي تُمارس ضد الطلبة وضد الهيئات التدريسية في أميركا الذين يتظاهرون ويعتصمون تضامنا مع الشعب الفلسطيني، رفضا لحرب الإبادة على غزة، وإدانة لدولة الفصل العنصري في الكيان الصهيوني.
ويرى أن الدلالات الأساسية لما يجري هناك، يكمن في أن الصهيونية العالمية تمتد في العديد من دول العالم، وتؤثر بشكل كبير جداً في القيادة والإدارة السياسية لها، وتتحرك لمنع أي احتجاجات لكشف حقيقة الاحتلال الاستيطاني والعنصري، مبينا أن اللوبي الصهيوني في العواصم الغربية يتحرّك، على اعتبار أن الكيان العبري "خط أحمر"، لا يجوز الاقتراب منه.
وهذا اللوبي وفق منصور، يرى أن الاحتجاجات الطلابية في أميركا، تحاول المس بـ"التابوهات الإسرائيلية"، لتصنع رأيا عاماً متضامناً مع فلسطين، يكذب سردية الاحتلال ادعاءاته، ويضيق الحصار على الاحتلال بمنع تسليحه، وعبر - على الأقل- ألا تكون هذه الصروح الأكاديمية شريكاً في الاستثمار مع شركات أو جامعات أو مراكز بحث عبرية.
ويقول "هذا الحراك ملهم ومهم جداً، ويجب أن نتذكر بأن هؤلاء الطلبة هم في أهم الجامعات الأميركية، سيكونون ذات يوم، قادة أحزاب وقادة في السلطة والكونغرس والبيت الأبيض وغيرها من المواقع"، لافتا إلى أن هذا سيكون تحوّلا مهما مستقبلا لمصلحة مناصرة وعدالة القضية الفلسطينية.
ويؤكد منصور وجوب عدم نسيان أن الاحتجاجات الطلابية في الجامعات إبان الحرب في فيتنام، كان لها دور رئيس جدا بوقف الحرب، ويجب أن نتذكر بأن موقف الحركة الطلابية من نظام الفصل العنصري في أفريقيا، أسهم باتخاذ إجراءات وتدابير ضد النظام.
وقال منصور "بالتأكيد نتمنى ونأمل بأن تمتد هذه الاحتجاجات لتشمل العالم، وبالتالي تشكل أدوات ضغط على الحكومات في هذه الدول، لتراجع مواقفها الداعمة للكيان".
ويشدد على أنه من المهم جداً، ألا تتعامل أميركا والغرب مع الاحتجاجات والحق بالتجمع السلمي وحرية التعبير بهذه الطريقة العنيفة، ما دفع كثيرا من المؤسسات الدولية كـ"هيومن رايتس ووتش" لانتقاد الممارسات الأميركية وحملة العنف ضد الطلبة، ومحاولة فصلهم وتفريقهم بالقوة.
ويضيف "هذا يدفعنا لإعادة النظر بأهمية المبادئ والقيم والأفكار الحقوقية، المرتبطة بالتطور الإنساني، وليست المرتبطة بأميركا أو أوروبا".
ويقول "نحن لا نناضل من أجل حقوق الإنسان ونقتدي بأميركا أو بدول غربية. هذه قيم إنسانية يجب أن ندافع عنها بغض النظر إن كانت أميركا أو أوروبا معها أو ضدها. هذه المواقف تضع الولايات المتحدة في حرج شديد، ولن يُسمع منها مستقبلا أي انتقادات حول ملفات حقوق الإنسان في العالم".
فيما يعتبر أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الألمانية الأردنية د. بدر الماضي، أن الاحتجاجات حتى لو جاءت متأخرة لأشهر، لكنها بالتأكيد تعبر تعبيرا حقيقيا عمّا يجول في خاطر أكثرية الشعب الأميركي، بخاصة الشباب.
يقول الماضي "نحن نتحدّث الآن عن سقوط مدو للقيم الأميركية والغربية، اذ كانت تدّعي دائماً بأنها المنتج والخزان الرئيس لها في العالم"، مؤكدا أن حرب غزة اختبار مهم لهذه القيم، و"عندما تُرتكب هذه المشاهد على شاشات التلفزيون، فإن الشعب الأميركي والأوروبي والشعوب المتحضرة، لم تعد تحتمل مثل هذه المناظر والمواقف السياسية لحكوماتها، لذلك كان هذا التحرك في أميركا ودول أوروبية".
ولا يخفي الماضي، أن هذا الحراك قد يمتد لبلدان كثيرة بخاصة في أوروبا، اذ ستستمر دلالاته ومشاهده في أميركا، وسيبنى عليه مستقبلا، ويترجم سياسيا في انتخابات ومواقف حزبية للفئة الشبابية مستقبلا".
يتوقّع الماضي، بأنه سيصبح هناك تغيير كبير جدا في وجهة النظر الأميركية، خصوصا وأن الشباب أسهموا بفاعلية في حصد كثير من الإعجاب، لمحاولتهم تطبيق القيم التي آمنوا بها، والتي أنتجتها أنظمة ديمقراطية حقيقية في هذه الدول سابقا، فهذه الأنظمة وفي السنوات الأخيرة، تحولت إلى أداة طيّعة بيد اللوبيات الصهيونية في الولايات المتحدة.

الغد