الإقامة الحرة... بوابة السعودية إلى عقول العالم
صنارة نيوز - 12/06/2025 - 10:45 am
الصناره نيوز - خاص
في خطوة تعبّر عن تحوّل عميق في فلسفة التعامل مع الكفاءات والإقامة، فتحت المملكة العربية السعودية أبوابها لعصر جديد من الشراكة مع العقول اللامعة حول العالم، عبر نظام الإقامة الحرة الذي ألغى الحاجة إلى الكفيل، وأعاد تعريف العلاقة بين المقيم والدولة على أسس أكثر حرية واستقرارًا. هذا التحوّل لا يغيّر فقط شكل الإقامة، بل يعيد رسم صورة السعودية كوجهة حقيقية للعيش والعمل والاستثمار طويل الأمد، وكمركز جاذب للكفاءات لا محطة عبور مؤقتة.
أزالت الحكومة السعودية إحدى القيود التقليدية على المقيمين بإقرار نظام "الإقامة المميزة" و"الإقامة الدائمة" دون الحاجة إلى كفيل، في خطوة تعبّر عن تحوّل جذري يتماشى مع مستهدفات رؤية 2030، ويعكس توجّهًا وطنيًا نحو اقتصاد أكثر انفتاحًا واستقطابًا للكفاءات والاستثمارات. ويُمثّل هذا القرار نقلة نوعية في مسار تحديث سوق العمل وتحسين بيئة الأعمال، إذ يمنح المقيمين المؤهلين حرية العمل والتنقّل، وحق تملك العقار، والاستفادة من الخدمات الحكومية، واصطحاب أفراد أسرهم دون قيود الكفالة التقليدية، مع إمكانية البقاء لفترات تصل إلى عشر سنوات قابلة للتجديد أو الحصول على إقامة دائمة بشروط محددة.
وقد توسّعت المملكة في استهداف شرائح مهنية واستثمارية محددة، تشمل أصحاب الكفاءات العالية، كالأطباء والمهندسين وخبراء الذكاء الاصطناعي، إلى جانب المستثمرين ورواد الأعمال والعاملين لحسابهم الخاص، عبر ما يُعرف بتأشيرة العمل الحر. كما أطلقت مؤخرًا مبادرات مخصصة لكبار السن المقيمين منذ سنوات طويلة، في اعتراف بارتباطهم الاجتماعي بالمجتمع السعودي، ومنحهم امتيازات إنسانية واقتصادية رفيعة، دون اشتراط وجود كفيل أو دفع رسوم سنوية مرتفعة. هذا التوجّه لا ينفصل عن سلسلة الإصلاحات التي باشرتها المملكة منذ عام 2021، حين بدأت في تخفيف قيود الكفالة وحرية التنقّل بين الوظائف، ليأتي هذا القرار الجديد مكمّلًا لمسار استبدال نظام الكفالة بالكامل بنظام إقامة مستقل وعادل وواضح المعايير.
وتتعدى أهمية هذا القرار البعد الاقتصادي، لتصل إلى التأثيرات الاجتماعية والتنموية، إذ يعزز من استقرار الأُسر المقيمة، ويزيد من جاذبية المملكة كوجهة طويلة الأمد للعيش والعمل، ويُظهر انفتاحًا استراتيجيًا مدروسًا على الطاقات البشرية، في وقت تتسابق فيه الدول على استقطاب العقول والمهارات. كما يعكس ثقة متنامية في قدرة الدولة على إدارة التنوع السكاني وتحديث القوانين بما يتوافق مع أفضل الممارسات الدولية. وفي الوقت نفسه، يبقى التحدي قائمًا في ضرورة تطوير البنية التحتية القانونية والرقابية لضمان الالتزام بمعايير الإقامة والعمل، والتأكد من أن هذه الحوافز لا تؤدي إلى ضغوط إضافية على منظومة الخدمات أو سوق العمل الوطني.
إن إنهاء الحاجة إلى الكفيل ليس فقط إصلاحًا تشريعيًا، بل هو رسالة واضحة بأن المملكة تمضي نحو نموذج مجتمعي أكثر مرونة وعدالة، يعيد تعريف العلاقة بين المقيم والدولة على أسس الحقوق والمسؤوليات، ويجعل من السعودية بيئةً أكثر استقرارًا واستيعابًا، سواءً للاستثمار أو للعيش الإنساني الكريم. وفي ظل التنافس الإقليمي والدولي على جذب الخبرات، تُثبت السعودية بهذا القرار أنها ليست مجرد سوق، بل فرصة حقيقية لعيش مستدام وشراكة متبادلة بين الدولة والفرد.