خطوات غرفتي التجارة والصناعة نحو سوريا نموذجًا للكفاءة والرؤية

صنارة نيوز - 31/05/2025 - 9:06 pm

الصناره نيوز - خاص

 

 

في زمنٍ تشتدّ فيه الحاجة إلى اجتراح مسارات بديلة تُعيد صياغة المصلحة الإقليمية بروح التكامل والتعاون، جاءت زيارة وفد غرفتي التجارة والصناعة  إلى الجمهورية العربية السورية، لا كمجرد محطة بروتوكولية، بل كخطوة مدروسة اتسمت بالحكمة، واستندت إلى كفاءة عالية في تمثيل المصالح الاقتصادية الوطنية، وقراءة دقيقة لموازين الفرص والتحديات.
لقد أظهرت المبادرة التي قادها ممثلو القطاع الخاص الأردني وبدعم حكومي غير معلن، وعيًا متقدمًا بدور الغرف الاقتصادية كمحركات للتقارب لا كمجرّد أدوات تنفيذية. فجاءت الزيارة لتُعيد وصل ما انقطع، وتفتح أبوابًا جديدة للتبادل التجاري، والاستثمار الصناعي، والتكامل في سلاسل التوريد بين بلدين يشتركان في حدود الجغرافيا، وامتداد المصلحة، وعُمق الروابط الشعبية والاقتصادية.
وما يُحسب لهذا الوفد أنه لم يكتفِ بالتصريحات الإيجابية، بل أخرج اللقاءات من حيّز المجاملة إلى حيّز الفعل، إذ تمخّضت عن توقيع مذكرة تفاهم مع غرفة تجارة ريف دمشق، وتوافق على تشكيل مجلس أعمال مشترك يُعنى بتذليل العقبات، وتحفيز المشاريع الإنتاجية، وابتكار أدوات مرنة تُواكب خصوصية السوقين الأردني والسوري في هذه المرحلة الحساسة.

لقد شكّلت هذه الزيارة نافذة استثنائية للقطاع الصناعي الأردني، الذي يمتلك إمكانات هائلة في مجالات الأغذية والدواء والكيماويات، وهي قطاعات تجد في السوق السوري فرصًا واعدة لإعادة التموضع، خصوصًا في ضوء الطلب المحلي المتزايد هناك، والانفتاح الجزئي على الأسواق الإقليمية عبر بوابة الأردن.
كما فتحت الزيارة آفاقًا جديدة لتطوير التعاون في مجالات الشحن والنقل والخدمات اللوجستية، وهي مجالات حيوية يمكن أن تُعيد الحياة إلى المعابر الحدودية، وتُسهم في خفض كلفة التبادل، وتوسيع نطاق السوق الأردنية شمالًا.
ولم يكن الحضور الأردني في دمشق حضورًا اقتصاديًا صرفًا، بل كان أيضًا رسالة سياسية ناعمة، تُعبّر عن جاهزية القطاع الخاص لأن يكون شريكًا في استعادة التوازن، وبناء نموذج من التعاون الإقليمي غير الخاضع للانفعالات، بل المستند إلى دراسة معمّقة لجدوى الانفتاح الانتقائي، القائم على المصالح لا العواطف.
إن ما أقدم عليه ممثلو الغرفتين هو انعكاس لكفاءة مؤسسية راقية، ولقراءة مستقبلية تستحق الدعم والتقدير، لا سيما أنها جاءت في سياق إقليمي ودولي محفوف بالحذر والتردد. وقد أثبتت هذه الخطوة أن القطاع الخاص الأردني، حين يُمنح المساحة، قادرٌ على اقتحام المساحات الرمادية، وتحويلها إلى فرص ملموسة، ضمن إطار قانوني ومؤسسي يحمي المصلحة الوطنية ويُراكم المكتسبات.
وإذ تتطلع الأوساط الاقتصادية إلى ترجمة مخرجات هذه الزيارة في المرحلة المقبلة عبر منتديات أعمال جديدة ومشاريع مشتركة، فإن منجز اليوم هو الخطوة الأولى في طريق طويل، عنوانه: الأردن يصنع حضوره بالهدوء والعقلانية، لا بالضجيج، ويبني مستقبله بالحوار لا بالقطيعة.