التموضع الأردني على المحك بعد فكّ العزلة عن سوريا

صنارة نيوز - 14/05/2025 - 9:24 am

التموضع الأردني على المحك بعد فكّ العزلة عن سوريا

 

الصناره نيوز - خاص

 

بعد إعلان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب عن رفع العقوبات المفروضة على سوريا بتاريخ 13 مايو 2025، بدأت الأوساط الأردنية تترقّب بانتباه تداعيات هذا القرار، نظرًا لما تحمله الجغرافيا والتاريخ من تشابك عميق بين البلدين. يأتي هذا القرار في وقت حساس، حيث تسعى عمّان إلى إعادة ترتيب علاقاتها الاقتصادية والأمنية مع دمشق، في ظل تصاعد التحديات الإقليمية والضغوط الاقتصادية الداخلية.

خلال السنوات الماضية، تراجعت العلاقات التجارية بين الأردن وسوريا بشكل حاد. فقد انخفض حجم التبادل التجاري من نحو 500 مليون دولار سنويًا في الفترة ما بين عامي 2004 و2011، إلى نحو 182 مليون دولار فقط في عام 2023، بحسب بيانات وزارة الصناعة والتجارة الأردنية. هذا التراجع ترافق مع إغلاق المعابر الحدودية لفترات طويلة، وتشديد القيود على الاستيراد والتصدير نتيجة العقوبات الغربية. إلا أن إعلان ترمب الأخير يُعد بوابة محتملة لإعادة تنشيط هذا القطاع، خصوصًا في مجالات الزراعة والصناعات الدوائية والمواد الإنشائية التي كان الأردن يستوردها أو يمرّرها عبر الأراضي السورية.

في ملف الطاقة، أبدت الحكومة الأردنية استعدادها للعب دور محوري في المرحلة المقبلة، حيث سبق أن حصلت على موافقة أمريكية لتزويد سوريا بما يصل إلى 250 ميغاواط من الكهرباء خلال ساعات غير الذروة، ضمن تفاهمات إنسانية مرتبطة بتحسين الخدمات الأساسية في جنوب سوريا. كما وافقت الإدارة الأمريكية في مارس الماضي على خطة قطرية لتوريد الغاز إلى سوريا مرورًا بالأردن، في خطوة قد تفتح الباب أمام تعاون أوسع في مشاريع البنية التحتية الإقليمية.

أما على الصعيد الأمني، فإن رفع العقوبات ترافق مع تطورات داخلية في سوريا، أبرزها صعود قيادة جديدة تعهدت بتعزيز التعاون الحدودي ومكافحة تهريب المخدرات. ويمثل هذا الملف أولوية قصوى للأردن، بعد أن تزايدت عمليات تهريب الكبتاغون والأسلحة عبر الحدود الشمالية خلال السنوات الثلاث الماضية. وتشير إحصاءات الجيش الأردني إلى إحباط أكثر من 190 محاولة تهريب عبر الحدود السورية خلال عام 2024 فقط، ما استدعى تعزيز التنسيق الأمني وتشكيل لجنة مشتركة لمتابعة هذه الملفات.

في الشأن الإنساني، يستضيف الأردن ما يزيد عن 1.3 مليون لاجئ سوري، بينهم أكثر من 670 ألفًا مسجّلين لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين. ومع تحسّن الظروف السياسية والاقتصادية في سوريا، تأمل السلطات الأردنية أن تسهم مرحلة ما بعد رفع العقوبات في تهيئة بيئة تسمح بعودة تدريجية وآمنة للاجئين، مما يخفّف من الضغط على قطاعات التعليم والصحة والبنية التحتية التي استُنزفت خلال العقد الماضي.

ورغم ما تحمله هذه التحولات من فرص، فإن الحذر يبقى سيد الموقف. فالمشهد السوري لا يزال معقدًا، خاصة مع تنامي نفوذ مجموعات مسلحة في الشمال والشرق، بعضها مدعوم من قوى إقليمية غير متوافقة مع مصالح الأردن. ولهذا، فإن عمّان تنظر إلى قرار رفع العقوبات ليس فقط من زاوية اقتصادية، بل أيضًا كملف استراتيجي يتطلب تنسيقًا دبلوماسيًا محكمًا مع الحلفاء في واشنطن والعواصم الخليجية، لضمان أن تكون عودة سوريا إلى الساحة الإقليمية عامل استقرار لا مصدر تهديد.

وفي المحصّلة، فإن قرار ترمب قد يفتح نافذة جديدة أمام الأردن لإعادة تموضعه في المشهد السوري، بشرط أن يترافق ذلك مع رؤية واضحة، واستراتيجية توازن بين ضرورات الأمن الوطني وفرص التنمية الاقتصادية، وسط إقليم يتغير بوتيرة متسارعة.