أسرى فلسطينيون محرّرون يروون ذكريات عيد الفطر في سجون الاحتلال

صنارة نيوز - 31/03/2025 - 8:54 pm

كتبت نسرين بوزيان لموقع بركة نيوز 

في حديثهم لـ “بركة نيوز” الجزائري ، يسترجع الأسرى المحرّرون من سجون الاحتلال ذكريات أعياد الفطر التي عاشوها خلف القضبان، متذكرين لحظات لا تُنسى رغم قسوة الظروف، ورغم المعاناة والظلم الذي تعرضوا له، كانوا، مثل بقية الأسرى، يسعون جاهدين لإضفاء لمسات من البهجة على أيامهم بأبسط الوسائل الممكنة.

ويشير الأسرى إلى أن أجواء العيد، بعد السابع من أكتوبر، أصبحت أكثر مأساوية، حيث تفاقمت معاناتهم نتيجة للإجراءات القمعية والانتهاكات التي ارتكبتها إدارة السجون بحقهم في تلك الأيام.

ويؤكدون على ضرورة تسليط الضوء على أوضاع الأسرى الذين لا يزالون يقبعون في سجون الاحتلال، داعين إلى رفع الصوت عالياً للمطالبة بحقوقهم وإنهاء معاناتهم المستمرة.

الاحتفاء الرمزي بالعيد

في حديثه مع “بركة نيوز”، وصف الأسير المحرر جهاد أحمد الشحاتيت، الذي يُعتبر من كوادر الحركة الأسيرة، الأجواء التي يعيشها الأسرى داخل سجون الاحتلال خلال العيد بأنها من أشد الأيام قسوة، حيث يُحرم الأسرى من أداء صلاة العيد جماعة، وتمنعهم سلطات الاحتلال من ممارسة أي طقوس احتفالية، كما يُحرَمون من الزيارات العائلية والهاتفية، مما يزرع في قلوبهم مشاعر الحزن والغربة في تلك الأيام المباركة.

ويضيف الشحاتيت: “رغم هذه القسوة، يحاول الأسرى كسر حاجز العزل النفسي من خلال تبادل التهاني وترديد التكبيرات داخل الزنازين، كما يتشاركون ما تيسر من الطعام تعبيرًا عن روح التضامن بينهم، بعض الأسرى يحرصون على ارتداء أفضل ما لديهم من الملابس، حتى وإن كانت قديمة أو مستعملة، كاحتفال رمزي بالعيد.”

ويؤكد أن مشاعر الحزن والاشتياق تظل مسيطرة على الأسرى، خاصة أولئك الذين مضت سنوات طويلة على اعتقالهم دون أن يعيشوا لحظات العيد بين أحضان عائلاتهم.

وبإيمان راسخ أن فجر الحرية لا بد أن يشرق يومًا مهما طال ليل الاحتلال، يقول الأسير الشحاتيت: “يبقى العيد داخل السجن ناقصًا، حيث تغيب عنه فرحة اللقاء بالأهل والأحباب، ويبقى الأمل معلقًا على يوم الحرية، حيث يكون الاحتفال الحقيقي خارج الأسوار، بين الأهل والوطن.”

حينما يشتعل الحزن..

من جانبه، تحدث الأسير المحرر وليد الهودلي عن تجربته في السجون ل “بركة نيوز”، قائلاً: “تبدأ مراسم العيد في السجن بشكل روتيني، بأداء الصلاة داخل جدران السجن، حيث تكون حرية التعبير مقيدة، ويخضع الخطيب للمحاسبة على كل كلمة ينطق بها خلال خطبة العيد، بعد الصلاة، يتبادل الأسرى التهاني فيما بينهم، ثم ينفرد كل منهم بصورة عائلية موجودة في ألبوم الصور، متذكرًا أجواء العيد في الخارج، وهذه اللحظات تخلق شعورًا عميقًا بالكآبة والحزن لدى الأسير”.

وأشار الهودلي إلى أن أول عيد يقضيه الأسير يعد من أصعب الأوقات، لكنه مع مرور الوقت يتأقلم مع الواقع، رغم أن الألم يبقى ساكنًا في قلبه، خصوصًا عندما يفكر في عائلته وأيامه التي تمضي في الأسر.

وأضاف قائلاً: “للتخفيف من هذا الحزن المشترك بين الأسرى، كنا نزور بعضنا البعض بين الغرف، ونحاول الحفاظ على بعض الأنشطة الترفيهية، لكن مهما فعلنا، تظل أجواء العيد في السجن مليئة بالألم، طعام العيد لا يختلف عن باقي الأيام، ولكن بعض الأسرى كانوا يصنعون الحلوى مثل العوامة والكنافة العسقلانية، باستخدام لب الخبز والجبنة الصفراء، متخيلين طعمها كما لو كانوا يأكلونها في الخارج.”

ومع مرور الوقت، أصبح العيد أكثر قسوة، خصوصًا بعد السابع من أكتوبر، حيث اختلطت نكهة العيد بالألم والقمع، يقول الهودلي: “أصبح العيد مجرد يوم آخر من أيام العذاب، يطغى عليه القمع والتنكيل، تقتحم قوات الاحتلال السجن بكلابها وأسلحتها الكهربائية، وتستمر عمليات التفتيش والضرب، اذ أصبح العيد في السجن لحظة من المعاناة، لا يختلف عن أي يوم عادي.”

وأضاف: “الأسرى في سجون غزة يعيشون ظروفًا أشد قسوة مقارنة بسجون الضفة الغربية، فهم محرومون من زيارات العائلة ولا يعرفون شيئًا عن أحوالهم، يعيشون في قلق دائم، ويبقى الأمل في صفقة التبادل هو ما يخفف عنهم بعضًا من الألم النفسي.”

اختتم الهودلي حديثه قائلاً: “في النهاية، العيد في السجن ليس سوى ذكرى حزينة، ولكن الأمل في الحرية يبقى دائمًا  قائما في قلوب الأسرى.”

 

فرح مختلط بالحزن

قال الأسير المحرر اللواء الدكتور هلال محمد أحمد جرادات في حديثه “لبركة نيوز”، إن العيد في السجون ليس مجرد مناسبة دينية، بل هو وقت يمزج الفرح بالحزن، ويعكس روح التعاون بين الأسرى الذين يتشاركون في تحضير المعايدات وتبادل التهاني، وتقديم الحلوى مثل التمر والكعك، في محاولة خلق لحظات من السعادة وسط القهر.

وأشار جرادات إلى أن أكبر ألم يعانيه الأسير في هذه المناسبة هو غيابه القسري عن أسرته وأطفاله، وهو شعور لا يعرفه إلا من ذاق مرارة الأسر، حيث يزداد الألم مع كل لحظة يبتعد فيها عن أحبائه.

كما لفت إلى أن الأسرى يعتمدون على بعضهم البعض لدعم معنوياتهم من خلال الأنشطة الثقافية والدينية التي ينظمونها معًا، بهدف إدخال الفرح إلى قلوبهم في ظل تلك الظروف القاسية.

وفي ظل الحرب الظالمة على غزة، التي وصفها جرادات بأنها “حرب إبادة جماعية”، أوضح أن هذا العام كان الأكثر ألمًا، حيث لا تقتصر المعاناة على الأسرى فحسب، بل تشمل أبناء الشعب الفلسطيني بأسره.

وتحدث جرادات عن ممارسات الاحتلال، مؤكدًا أن مصلحة السجون لا تكتفي بتقييد حركة الأسرى، بل تواصل مضايقتهم ومنعهم من الحصول على حقوقهم الأساسية، في حين توفر للسجناء اليهود كافة احتياجاتهم، مما يزيد من معاناة الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال.

 

القمع والعزل يحرم الأسرى من فرحة العيد

قال الأسير المحرر حسن قنيطة في حديثه مع “بركة نيوز” إن الأسرى الفلسطينيين يعيشون ظروفًا قاسية تتجاوز المعاناة الإنسانية، حيث يوجد أكثر من عشرة آلاف أسير وأسيرة في سجون الاحتلال، يتعرضون لسياسات قمع وتعذيب قاسية، فضلًا عن حرمانهم من أبسط حقوقهم الأساسية، مما يُعد انتهاكًا صارخًا للمواثيق الدولية وحقوق الإنسان.

وأشار قنيطة إلى أن الأسرى يعانون في عيد الفطر من مشاعر الحزن، فلا يعرفون طعم الفرح في وقت يفترض أن يكون مخصصًا للاحتفال والتواصل مع العائلة والأحباب، معاناتهم لا تقتصر على منعهم من الزيارات العائلية فقط، بل تشمل أيضًا حرمانهم من لقاء المحامين وزيارات الصليب الأحمر، وقطع الاتصال بالعالم الخارجي.

مضيفًا أن الأسرى كانوا في الماضي، رغم قسوة الظروف، يحاولون خلق أجواء من الفرح البسيط داخل السجون، مثل تحضير الحلويات وتبادل التهاني، أما اليوم، فقد أصبح الوضع أكثر قسوة، حيث يواجه الأسرى خطر الموت بسبب الإهمال الطبي أو القتل المتعمد من قبل إدارة السجون، مطالبًا المجتمع الدولي بالتحرك العاجل لإنهاء معاناة الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال.

كما أشار إلى أن العديد من الأسرى استشهدوا مؤخرًا في السجون نتيجة التعذيب أو الإهمال الطبي، حيث بلغ عدد الشهداء 63 أسيرًا منذ السابع من أكتوبر.

وختم قنيطة بالقول: “إلى جميع الأسرى والمعتقلين، أنتم الأبطال الذين تجسدون إرادة الحرية والصمود، أنتم من تفتحون الطريق للأجيال القادمة نحو التحرر، حفظكم الله، وكل عام وأنتم بخير، وكل عام وعائلاتكم بألف خير، نحن معكم في نضالكم المستمر حتى نيل الحرية.”

بين حجة النوم ودموع الفراق…

استرجع الأسير المحرر إبراهيم أبو صفية، في حديثه مع “بركة نيوز”، تجربته القاسية في سجون الاحتلال، مُشيرًا إلى كيفية تحول أيام العيد، التي من المفترض أن تكون لحظات فرح، إلى صراع داخلي مرير مع الذكريات والألم.

وأضاف أبو صفية أن الأسرى في سجون الاحتلال يحاولون تزيين أعيادهم، رغم القيود المفروضة عليهم، عبر تحضير الحلويات، وترديد تكبيرات العيد التي تهز جدران السجن، بالإضافة إلى تبادل التهاني والأمل بالحرية، إلا أن مع نهاية اليوم، تغزوالذكريات الأليمة عقولهم، ليتحول العيد إلى يوم من المعاناة والحنين، بعد أن يغطى العديد منهم رؤوسهم بحجة النوم، لكنهم لا يستطيعون إيقاف دموعهم التي تغرق فراشهم.

وتابع قائلاً: “العيد في السجن ليس كالعيد في الخارج، حيث يعجز الأسير عن تقبيل يد أمه أو رأس زوجته، أو ملاعبة أطفاله، وكل أسير يحمل في قلبه قصته الخاصة التي تتجدد في كل عيد.”

وأشار أبو صفية إلى إحدى تجاربه في عيد سجن سابق، حيث بعد مكالمة خاطفة مع زوجته، شعر بثقل في قلبه وروحه، تغرقه مشاعر العجز والوحدة.

وأضاف أن عيد عام 2024، الذي مر بعد الحرب، كان أصعب مما يمكن للعقل تصوره، حيث عاش الأسرى حالة من الحرمان والجوع والإرهاق، مع العمليات القمعية والنقل القسري، والضرب والإهانة.

وذكر أبو صفية أن في ذلك العيد، لم يكن الأسرى يعرفون مصير عائلاتهم، وكانوا يعيشون في حالة من العزلة التامة عن العالم الخارجي، لم تكن هناك تكبيرات للعيد ولا تهليلات، ولا حتى قدرة على أداء صلاة العيد بسبب خوفهم من العقوبات. وتابع: “في اليوم الثالث بعد العيد، جرت عمليات تنكيل للأسرى، وتم ضربنا وإهانتنا، وتوزيعنا على الزنازين من جديد.”

كما تحدث عن معاناة زوجته، الأسيرة إخلاص صوالحة، التي كانت تقبع في سجن الدامون المخصص للنساء، مشيرًا إلى أنه كان يخشى عليها أكثر، لكن كان يواسي نفسه بقوتها في مواجهة ظروف السجن.

وأعرب أبو صفية عن شعوره بالفرح بعد أن منّ الله عليه بالحرية، معتبرًا أن هذا العيد مختلف تمامًا، إذ أصبح الآن بين أهله وأحبته دون قيود، لكنه لم يخفِ حزنه على حال أهل غزة، الذين لا يزالون يعانون من ويلات الحرب.

وأضاف قائلاً: “اليوم، لم يعد للعيد المعنى نفسه كما كان في الماضي، العيد بالنسبة لي هو شعيرة دينية، لا أكثر، في ظل الواقع الصعب الذي نعيشه في فلسطين.”

 

بأيّ حال عُدْتَ يا عيد؟

قال الأسير المحرر ضياء زكريا الأغا، عميد أسرى قطاع غزة، في حديثه مع “بركة نيوز”: “لا يوجد عيد في السجون، حيث يفضل الاحتلال استخدام إمكانياته للتفتيش والتنكيل بالأسرى في يوم العيد، كما يمنعنا من تحضير حلويات العيد أو شرائها من المقصف.”

وأضاف الأغا: “نأسف للمعاناة التي يعيشها الأسرى في سجون الاحتلال، وللظروف الصعبة التي يمر بها الشعب الفلسطيني بشكل عام.”

وتابع قائلاً: “أي عيد سيكون للأسير بعيدًا عن أحبته وعائلته؟ وأي عيد ونحن مكبلون داخل وطننا كالغرباء؟”

وأكد الأغا: “لم تكن ليلة العيد بالنسبة لنا سوى مجموعة من الذكريات عن الأعياد التي عشناها قبل الاعتقال، ذكريات تمزج بين الفرح والألم”.

يبقى العيد في سجون الاحتلال ذكرى حزينة، محفوفة بالألم والمشاعر المختلطة بين الفرح بالشعائر الدينية  وبين الحزن على الأسر والفراق.
ورغم قسوة الظرف، يبقى الأسرى متمسكين بالأمل في أن يأتي يوم يتحقق فيه حلم الحرية ، ويحتفلون بالعيد بحرية تامة، بفرحة تنتظرها فلسطين كلها.