تزايد الإصابة بسرطان الرئة في سحاب.. ما القصة؟

صنارة نيوز - 17/02/2025 - 12:58 pm

الصنارة نيوز/

دق تقييم محلي "ناقوس الخطر" نتيجة تزايد "معدلات الإصابة بسرطان الرئة" بين السكان والعاملين في الأحياء الغربية والشمالية والجنوبية، وحي سلبود في مدينة سحاب، نتيجة انتشار المدن الصناعية وورش قطع الحجارة الواسعة النطاق.


وكشفت مسودة ملف تقييم نقاط التأثر متعددة الأبعاد لمدينة سحاب، عن "تزايد معدلات ملوثات ثاني أكسيد النيتروجين والجسيمات العالقة في الهواء الناجمة عن انبعاثات المركبات، والأنشطة الصناعية، وورش قطع الأحجار والبناء، والعواصف الترابية، ومحطات الطاقة، وعمليات الاحتراق الصناعية".

وأشارت نتائج التقييم إلى "أن تلك الملوثات الى جانب نقص المساحات الخضراء في مناطق بلدية سحاب، لا يؤدي إلى تدهور جودة الهواء فحسب، بل يفرض أيضا مخاطر صحية طويلة الأجل، وخاصة بالنسبة للفئات السكانية الضعيفة مثل الأطفال وكبار السن، وأولئك الذين يعانون من حالات مرضية سابقة".
وتعد الأنشطة الصناعية سمة أخرى مميزة لمدينة سحاب، حيث تشغل 13 % من إجمالي الأراضي، في حين تشمل المناطق الصناعية الرئيسة مدينة عبد الله الثاني ابن الحسين الصناعية، ومنطقة الحرفية الواقعة في الجزء الجنوبي الشرقي من المدينة، في حين يعد تخصيص المدينة للمساحات الخضراء منخفضا للغاية، حيث تشغل المناطق السكنية الخضراء 2.3 % فقط من إجمالي الأراضي والحدائق، وتمثل 0.1 % فقط، وهذا النقص الكبير له آثار بيئية واجتماعية خطرة.
تركيز عال لجسيمات الهواء
أظهرت نتائج مسودة التقييم، الذي أعده برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (الموئل) في الأردن، بتمويل من الوكالة الإسبانية للتنمية والتعاون الدولي (AECID)، "أن التأثيرات الصحية طويلة المدى التي تسببها تلك الملوثات ترتبط بالإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، وسرطان الرئة، والوفيات المبكرة المرتبطة بتطور الربو، والأمراض التنفسية المزمنة، وزيادة معدلات الوفيات".
وتتعرض مناطق وسط مدينة سحاب، والأحياء الغربية والشمالية والجنوبية، وحي سلبود الى تركيزات عالية من تراكيز الجسيمات العالقة في الهواء والتي يقل قطرها عن أو يساوي 2.5 ميكرون، وكذلك تلك التي يقل قطر جزيئاتها، أو يساوي 10 ميكرون للحد المنصوص عليه في المواصفة الأردنية، علما أن تأثير الهباء الجوي، بما في ذلك PM2.5 وPM10، على الصحة العامة، يشكل مصدر قلق كبير، وخاصة في المناطق الحضرية.
والجسيمات الدقيقة العالقة، والتي يقل قطرها، أو يساوي 10 ميكرونات (PM10)، هي الدقائق العالقة القابلة للاستنشاق، وكلما كانت الجسيمات أصغر تزداد إمكانية وصولها إلى داخل الرئتين، وتنتشر هذه الجسيمات العالقة في الهواء، وتدخل إلى جسم الإنسان من خلال التنفس، وتؤثر إما مباشرة على الجسم أو من خلال الامتصاص في الدم.
والـPM 2.5 هي جسيمات مجهرية يصل عرضها إلى 2.5 ميكرون، ويقل قطرها 30 مرة عن قطر شعرة الإنسان، وعندما ترتفع مستوياتها، تشكل هذه الجسيمات ضبابا في الجو، وتدخل إلى الجهاز التنفسي للإنسان وتنفذ إلى رئتيه، ويطلق عليها القاتل الصامت، بحسب تعريفات البنك الدولي. 
ووجدت الدراسات أن التعرض طويل الأمد لهذه الجسيمات، والتي تولدها إلى حد كبير الأنشطة الصناعية، وقطع الأحجار والانبعاثات المرتبطة بالمرور، يمكن أن يسبب مجموعة من المشاكل الصحية، مثل تلف الرئة، وسرطان الرئة، ومشاكل القلب، وزيادة خطر الإصابة بالسكتات الدماغية والنوبات القلبية.
وجاء في النتائج أن "ارتفاع معدلات ثاني أكسيد النيتروجين يرتبط ارتباطا وثيقا بالتهاب الجهاز التنفسي ومشاكل الصحة المزمنة، وهذا الأمر يسلط الضوء على الحاجة إلى تدابير فعالة لمكافحة التلوث للتخفيف من تأثيرها على صحة الإنسان والبيئة".
كما تتعرض جودة البيئة في بلدية سحاب إلى ضغوط كبيرة من الأنشطة الصناعية والحضرية المختلفة، والتي تشمل مدينة الملك عبد الله الثاني الصناعية، ومدينة التجمعات الصناعية، وورش مناشير الحجر الواسعة النطاق، ومناطق وقوف الشاحنات، والطريق الرئيسي ذا الحركة المرورية الذي يمر عبر بلدية سحاب.
ويؤثر وجود تلك الأنشطة بصورة سلبية على جودة الهواء والماء والتربة، بل وتزيد من معدلات التلوث الضوضائي، الذي يعد أمرا مثيرا للقلق، حيث إن عمليات التصنيع السريع، وسوء إدارة النفايات، والأنشطة غير المنظمة، تؤثر سلبا على صحة البيئة والسكان المحليين كذلك، تبعا للتقييم.
ويشكل تلوث التربة قضية ملحة بشكل خاص في مدينة سحاب، وينجم في المقام الأول عن تصريف المخلفات الصناعية، والتوسع الحضري، وأنشطة قطع الأحجار، وسوء إدارة مناطق وقوف الشاحنات. 
الملوثات تتسرب للتربة
وكشفت نتائج التقييم عن إطلاق المناطق الصناعية، مثل مدينة الملك عبد الله الثاني الصناعية، مياه الصرف الصحي غير معالجة، أو معالجة جزئيا، والتي تحتوي على مواد خطرة، بما في ذلك المعادن الثقيلة، والنترات، والأمونيا، والملوثات العضوية.
وأظهرت النتائج أن تلك الملوثات تتسرب إلى التربة، ما يقلل من خصوبتها ويتراكم بمرور الوقت، ويتفاقم الأمر بسبب المستويات العالية من المواد الصلبة الذائبة الكلية، والمواد الصلبة العالقة الكلية، والطلب على الأكسجين الكيميائي، والطلب على الأكسجين البيولوجي.
ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل أدى التوسع الحضري السريع في سحاب إلى انسداد التربة، حيث تمنع الأسطح غير المنفذة الامتصاص الطبيعي للمياه والمغذيات، ما يؤدي إلى تدهور جودة التربة.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن البناء الحضري يُدخل الملوثات مثل الحطام والزيوت، والمواد الكيميائية إلى التربة، في حين تنتج ورش قطع الحجارة كميات كبيرة من بقايا الجبس المعروفة محليا باسم "الكمخة"، والتي تختلط بمياه الصرف الصحي وتنتشر على مساحات واسعة، ما يخلق قشرة تشبه الطباشير والتي تغير التركيب الكيميائي للتربة، وتقلل من خصوبتها وتعيق تسرب المياه، وفق التقييم.
وعلاوة على ذلك، فإن التخلص غير السليم من زيوت المحركات ومنتجات البترول من مناطق وقوف الشاحنات، يؤدي إلى التلوث بالمواد الهيدروكربونية، وتاليا تدهور جودة التربة والتأثير على قدرتها على دعم الأنشطة الزراعية والحياة النباتية.
كما أن مخاطر تلوث التربة هذه لها آثار خطرة على جودة المياه في مدينة سحاب، فقد تتسرب المخلفات الصناعية، والجريان السطحي في المناطق الحضرية، والمواد الملوثة من قطع الأحجار ومناطق وقوف الشاحنات إلى المياه الجوفية، أو يمكن أن تنتقل إلى مصادر المياه السطحية، ما يؤدي إلى تدهور جودة المياه، كما ورد في التقييم ذاته.
ويشكل هذا التلوث تهديدا لكل من إمدادات مياه الشرب والري الزراعي، ما يزيد من المخاطر على الصحة العامة والنظام البيئي المحلي، وبدون إستراتيجيات فعّالة لإدارة التربة والمياه، ستستمر هذه التحديات البيئية في المساس بجودة حياة سكان مدينة سحاب.
بالإضافة إلى تلوث التربة والمياه، فإن تلوث الضوضاء يشكل مصدر قلق متزايد في سحاب، وخاصة بالقرب من المدن الصناعية، وورش قطع الأحجار، وعلى طول الطريق الرئيسي، العائد إلى التشغيل المستمر للآلات الثقيلة، ما يؤثر على كل من العمال، والمجتمعات المجاورة في الوقت ذاته.
وأظهر التقييم أن الازدحام المروري الناجم عن الشاحنات على طول الطريق الرئيسي، وفي مناطق وقوف السيارات في مدينة سحاب، يسهم في ارتفاع مستويات الضوضاء.
وحذرت النتائج من أن التعرض المطول لهذه الضوضاء يمكن أن يؤدي إلى مشاكل صحية خطرة، بما في ذلك ضعف السمع والتوتر، واضطرابات النوم لكل من السكان والعمال.
وبصرف النظر عن التأثيرات الصحية، فإن تلوث الضوضاء المستمر يقلل من جودة الحياة في مدينة سحاب، ويجعل المنطقة أقل جاذبية للتطوير المستقبلي، أو التوسع السكني.
تدابير احترازية
ووضع التقييم بعض التدابير الرئيسة للتخفيف من الآثار البيئية للأنشطة الصناعية في مدينة سحاب، من بينها إنشاء مناطق عازلة وانتقالية، بحيث تعمل هذه المناطق كحواجز وقائية بين المناطق الصناعية والسكنية، أو المناطق الحساسة بيئيا، ما يقلل من الآثار الضارة للملوثات على المجتمعات والنظم البيئية القريبة.
وعلى سبيل المثال، تم فرض منطقة عازلة بطول 200 متر حول ورش قطع الأحجار وغيرها من المواقع الصناعية المتوسطة، للحد من انتشار ملوثات الهواء والمياه والضوضاء والغبار إلى المستوطنات البشرية المحيطة.
ومع ذلك، في كثير من الحالات، لا يتم تطبيق هذا التنظيم، حيث تعمل المرافق الصناعية وورش العمل غالبا بالقرب من المناطق السكنية وبشكل أكثر مما هو مسموح به.
وشددت النتائج على "أن الفشل في الالتزام بمتطلبات المنطقة العازلة يؤدي إلى تفاقم التدهور البيئي بشكل كبير، ما يعرض السكان للملوثات الضارة، ويزيد من تدهور جودة الهواء والماء والتربة".
إن فرض هذه المناطق العازلة والانتقالية أمر ضروري لحماية الصحة العامة، وتحسين الظروف البيئية وضمان النمو الحضري المستدام في مدينة سحاب.

الغد