الأسباب الحقيقية لوقف إطلاق النار.. بلينكن فضح الحكاية!
صنارة نيوز - 20/01/2025 - 8:33 pmإيهاب سلامة
يخطئ كثيرًا من يعتقد أن حكومة الحرب الصهيونية رضخت لضغوط الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترمب، للتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار مع حركة حماس، قبيل موعد تنصيبه رئيسًا للبيت الأبيض.
على العكس تمامًا، فلم تروّج الدعاية الإعلامية الأمريكية لهذا الأمر، إلا لتوفير ذريعة لنتنياهو لوقف إطلاق النار، بعد أن أصبحت كلفة استمرار الحرب على جيشه وكيانه، أكبر من كلفة وقفها!
تعالوا نحسبها بالقلم والورقة:
فرغم مضي 470 يومًا من أعتى حرب في التاريخ، استنفد فيها الكيان الصهيوني ترسانته الحربية، واستنزف إمكاناته العسكرية والاستخباراتية والاقتصادية و”سمعته الدولية”، دون تمكنه من القضاء على المقاومة، أو إجبارها على الاستسلام، وفشله في إرضاخها لشروطه لوقف إطلاق النار، وعجزه عن تحرير أسراه. لم يبق أمامه سوى مواصلة قصف المدنيين الفلسطينيين وهدم منازلهم، علمًا بأنه ما ظل أمامه من منازل لهدمها. وفرغت جعبته العسكرية والاستخبارية تمامًا.
لقد استنفدت حكومة الحرب الدموية بنك أهدافها كله منذ شهور، دون أن تتمكن من الوفاء بتعهدها بالقضاء أو تحقيق النصر على المقاومة، ولا تحرير أسراها. وعلى العكس من ذلك أيضًا، فقد شاهدنا بأم أعيننا كيف ارتفعت وتيرة المقاومة في أسابيع الحرب الأخيرة أكثر من بداياتها، وأصبحت تكبّد جنوده وآلياته خسائر فادحة بشكل أكثر وأضخم. وفقدت جدوى استمرار القتال. وحينما تنضُب الجدوى، تتحول مواصلة الحرب إلى استنزاف وخسائر. وهنا، أصبح لزامًا على الاحتلال وقف نزيفه، والبحث عن مخرج. والمخرج بحاجة إلى مُخرِج، فجاء السيد ترامب ليقدّم “ذريعة الضغط” لوقف إطلاق النار، وألقى لنتنياهو وكيانه طوق نجاة للخلاص من مستنقع غزة!
الدليل على ذلك، سقط من لسان وزير الخارجية الأمريكي توني بلينكن سهوًا، وربما قصدًا، خلال زيارته لتركيا قبل أيام، حينما فضح نتنياهو وترامب معًا، إذ اعترف عقب لقائه بالرئيس التركي أردوغان أنه طلب منه الضغط على حماس و”إقناعها” بالتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار!
بغباء بلينكن أو بدهائه، فإن طلبه من تركيا استخدام نفوذها لدى حماس “لحملها” على الموافقة على الاتفاق، يؤشر على المتألم أكثر من الآخر، في لعبة العض على الأصابع!
هذا التصريح، الذي مر مرور الكرام على وسائل الإعلام العربية، يؤكد أمرين في غاية الأهمية:
أولًا، أن بلينكن الصهيوني باعترافه، والذي يعد سفيرًا فخريًّا وناطقًا غير رسمي باسم كيان الاحتلال، أقرّ بأن بلاده والكيان الإسرائيلي هما من يلهثان وراء وقف إطلاق النار، وليست حركة حماس. وهذا أمر يجب التوقف عنده واستنباط دلالاته!
ثانيًا، تصريح بلينكن نسف رواية “ضغط ترمب” على الكيان الإسرائيلي من جذورها، وأكد ما قلناه بأن الكيان الإسرائيلي الذي تعرّض لخسائر استراتيجية فادحة، فقد زخم القتال، وأصبحت كلفة استمرار الحرب تستنزفه. وصار وقفها أجدى له من استمرارها. والدليل القاطع أن اتفاقية وقف إطلاق النار التي وافق عليها نتنياهو اليوم، هي ذاتها نسخة الاتفاقية التي سبق أن رفضها بشدة في ٢٧ مايو الماضي!
هذه الحقائق مجتمعة، تكشف حجم الورطة التي يعاني منها الكيان، والتي دفعت حكومته الدموية لقبول اتفاقية سبق أن رفضتها. فيما ظلّت حركة حماس مصرّة على موقفها، ولم تتراجع قيد حرف. وهذا أمر له دلالات عميقة، وربما يحسم جدلية الغلبة!
فالذي يرضخ سياسيًا، هو المتضرر الأكثر عسكريًا. ومن تُملى عليه الشروط السياسية التي سبق أن رفضها، هو الخاسر الأول في ساحة المعركة!
الهزيمة الاستراتيجية الكبرى للكيان الصهيوني، الذي روّج لأسطورية جيشه الذي لا يقهر لعقود من الزمان، تحققت بفشله الذريع في حسم معركة مع “فصيل مقاوم” لا يمتلك جيشًا نظاميًا، ولا دبابات وطائرات، أو صواريخ وبوارج، ولا أقمارًا صناعية للتجسس.
من المؤكد أيضًا، أن المقاومة لم تحسم الصراع مع كيان الاحتلال، بعد، لكن المؤكد أنها لقّنت الكيان المتغطرس درسًا تاريخيًا لن ينساه، وكبّدته خسائر بشرية واقتصادية وسياسية استراتيجية فادحة، وكسرت هيبته، وفتحت بوابة التحرير والعبور لفلسطين، بعد أن أثبتت أن هذا الكيان السرطاني المارق، من السهل جدًا على أمة تمتد من مشارق الدنيا إلى مغاربها هزيمته، واستئصاله، إذا توفرت لديها السيادة والإرادة.
ما حققته غزة في هذه الحرب، لم يكن مجرد صمودٍ عابر، بل تحول استراتيجي جذري، رسخ معادلة جديدة للمواجهة، ليست بالسلاح فقط، بل في اختبار الإرادات، والإيمان، ومعركة للوعي، حطمت السردية الصهيونية بالتفوق والحسم والسيطرة، وأظهرت عكسها تمامًا: كيان هش، أضعف من أن يستمر أمام مشروع تحرري، وشعوب تزداد إيمانًا، بقدرتها على التحرر والتحرير والعودة!
كاتب اردني / رأي اليوم