مشكلة الزراعة في العالم الثالث

صنارة نيوز - 19/10/2024 - 1:03 pm  /  الكاتب -  عمر سعد سلمان

مع مطلع العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين برزت الحاجة الى زيادة الإنتاج الزراعي بطريقة عمودية تركز على رفع إنتاجية الأرض وليس التوسع الافقي كما كان سابقاً نظراً لتقلص المساحات الصالحة للزراعة غير المستثمرة، فاليابان والصين كوريا كانت تربتها من أفقر أنواع الترب في العالم ولكن استخدام الأسمدة جعلتها من كبرى الدول الزراعية بالإنتاج والتصدير.  
من العوامل التي أدت الى تدهور الزراعة والإنتاج الغذائي في العالم الثالث هو الاتجاه المتسرع نحو الصناعة دون ان تستند حركة التصنيع على أسس علمية مدروسة، ولا مقومات ولا مرتكزات سليمة وثابتة. وقد تبين بأن معظم الخطط الصناعية في الدول النامية كانت نتيجة دوافع سياسية وتطلعات وآمال غير مبنية على أسس اقتصادية. فالزعماء السياسيون في الدول النامية تطلعوا الى تحقيق اماني شعوبهم الراغبة في التحرر من التبعية الاقتصادية والاعتماد على المنتجات الصناعية الغربية، وكان هناك عقدة مزمنة قبل 100 سنة في الدول النامية، وهي ان الاستعمار حاول ان يبقي تلك البلدان متخصصة في الإنتاج الزراعي لتمد مصانعه بما يلزمها من المواد الأولية والغذائية، وفي نفس الوقت تظل هذه البلاد سوقاً لمنتجاته الصناعية. ولذلك حاول الزعماء السياسيون في البلدان النامية تحطيم هذه العقدة عن طريق الاتجاه الفوري نحو التصنيع. ولكن التجربة لم تحقق هدفها لان التصنيع لا يمكن تحقيقه الا إذا توفرت مقوماته ومرتكزاته وبناء عليه فشلت حركة التصنيع في العديد من الدول النامية، وترتب على ذلك استنزاف رؤوس الأموال والمدخرات دون طائل ولم يتبقى منها اي شيء يذكر لعملية الانماء الزراعي، فأصيبت الزراعة بأضرار بالغة، واضطر كثير من الفلاحيين وسكان الأرياف الى ترك مزارعهم وقراهم وهاجروا الى المدن للبحث عن فرص العمل. ونجم عن هذا نتائج اجتماعية واقتصادية خطرة منها الهجرة المستمرة جعلت الريف يخسر كثيراً من قواه العاملة مما أدى الى تدهور الزراعة وتخلف الريف واكتظاظ المدن، وزيادة العبء على الخدمات وتدني مستواها، وتفشي الكثير من الامراض وحدوث الكثير من الانحرافات السلوكية. 
وعلى الرغم من انني أؤمن بأهمية الصناعة ودورها البارز في الاقتصاد الا انها يجب ان لا تتم على حساب الزراعة، بل على العكس من ذلك يجب ان يكون تكامل بين هذين النشاطين. والتصنيع لا ينجح الا إذا استطعنا تعزيز الزراعة ودعمها ونهضنا بمستواها. فالزراعة تزود الصناعة بالمواد الخام اللازمة لها. كما تزود العمال بحاجتهم من الطعام. فاذا لم يتوفر الطعام لا بد من استيراده من الخارج مما يرفع من الكلفة الصناعية، كما ان النهوض بالزراعة معناه رفع دخل المزارعين الذين يصبح بمقدورهم شراء منتجات المصنع المزمع اقامته، فلا جدوى من قيام صناعة لا تتوفر أسواق لتصريف منتجاتها. 
ان مشكلة انتاج الغذاء ينبغي ان تحظى بأكبر قدر من الاهتمام عالمياً لأنها أخطر ما يواجه البشرية من مشكلات، فالطعام ضروري لحياة الانسان ولا يمكن الاستغناء عنه، وقد آن الأوان من اجل بذل الجهود وتنسيق الخطر، والعمل على حل هذه المشكلة او التخفيف من حدتها على الأقل. ولا شك ان في هذا الكون موارد وإمكانات لم تستغل بعد على الوجه الاكمل. فالبحار والمحيطات تشكل 72% من مساحة الأرض والتي لا تساهم في انتاج الأغذية الا بنسبة بسيطة، وبالإمكان رفع انتاج الأغذية البحرية، كما ان مكافحة ذبابة تسي تسي في افريقيا توفر مساحات ضخمة من الأراضي الزراعية الصالحة للإنتاج، كما ان تنظيم الزراعة يرفع إنتاجية الدونم الى الضعف في العديد من بلدان العالم الثالث. 
ولو استطاع الانسان زراعة جميع الأراضي بالعالم بنفس كفاءة المزارع الأوروبي فان كوكب الأرض يستطيع اطعام 67 مليار انسان في الوقت الحاضر.