13عاما على آخر شركة ادرجت.. على الحكومة التفكير بكيفية استعادة دور سوق عمان المالي

صنارة نيوز - 05/10/2024 - 2:48 pm

الصنارة نيوز/ خاص- سامح محاريق

متى تأسست آخر شركة مساهمة عامة في الأردن؟ لم يعد الأمر يهم شخصًا يعمل في ‏الاقتصاد لأن هذه المعلومة أصبحت من تخصص المؤرخين، ولكن ربما مرت 13 سنة ‏كاملة على آخر شركة تدرج في سوق عمان المالي. بطبيعة الحال، لا يمكن لأحد أن يعتبر ‏إدراج شركة بورصة عمان في بورصة عمان بوصفه يعني أي شيء سوى إجراء تنظيمي ‏بحت يتطلع إلى تحسين أداء البورصة من أجل القيام بدورها المأمول، وهو للأسف ما لم ‏يحدث، ولا تظهر أمامه فرصة للتحقق في المدى القريب على الأقل طالما بقيت البورصة ‏بعيدةً عن الأردنيين‎.‎

من أين نبدأ الحكاية؟

من الطبيعي أن تتواصل عمليات احتيال مالي واسعة مثل البورصات الوهمية في بلد يفتقر ‏إلى بورصة يمكن أن توفر الخيار الأول والأفضل لصغار المستثمرين، ولهذا يتولد السؤال ‏حول بقاء سوق عمان المالي مكانًا منعزلًا عن الأردنيين، حتى مع انتقاله إلى مبانٍ باذخة ‏قرب واحد من أكثر مناطق العاصمة ازدحامًا، فهل البورصة مفتوحة فقط لطبقة معينة من ‏الأردنيين؟ وهل يعني ذلك فشلًا في سياسات تحقيق الإدماج المالي بمعناها الاجتماعي ‏والاقتصادي، بوصفها النقيض لفكرة الاستبعاد المالي؟ وهل على الأردني أن يبقى دائمًا ‏بعيدًا في الظل تجاه المعلومات التي يُفترض أن يتحصل عليها لضمان الفرص المتساوية ‏والعادلة؟

في ظل هذه الحالة يبدو  أننا سنبقى نستمع دائمًا لقصة الشخص الذي تمكن من شراء أرض ‏بقيمة متدنية لأنه كان يمتلك معلومة مؤكدة حول نوايا الحكومة أن تفتح طريقًا أو تؤسس ‏لأحد المرافق بالقرب منها، ليعود لبيعها بأضعاف ثمنها، فيما يُعتبر واحدًا من أوجه الفساد ‏الأكثر تعقيدًا في رصده وتتبعه. بطبيعة الحال، لا يحتمل الحديث أي تلميح حول كفاءة ‏الإفصاحات ومنظومة الشفافية في سوق عمان المالي، ولكنه يستدعي سؤالًا حول مداها. ‏فهي معلومات متوفرة للقلة وحدهم، وكل ما تفعله هو مركزة حركة الاستثمار المالي لدى ‏مجموعة من المستثمرين، الذين يوجد بينهم مستثمرون كثيرون من غير الأردنيين‎.‎

وصفت الأردن طويلًا بأنها الدولة الريعية، مع أن أحدًا لا يمكن أن يقدم تصورًا علميًا لهذه ‏التسمية التي تبدو أنيقة ولكنها غير حقيقية. فالأردن بلد سعى لأن يكون دولة رفاه اجتماعي ‏حتى التسعينيات من القرن الماضي، وكان يمول ذلك من خلال وجود توجه عالمي لدعم ‏نموذج دولة الرفاه بوصفه خط مواجهة متقدم مع النموذج الشيوعي، ولوجود الأردن على خط ‏المواجهة مع كيان العدو، وهو ما كان يجعل دعمه يمثل مصلحة عربية مشتركة. ومع تراجع ‏أهمية العاملين بصورة متزامنة في التسعينيات، وجد الأردن نفسه مطالبًا بأن يتحول إلى دولة ‏إنتاج تعتمد على إمكانياتها القائمة وعلى مواردها البشرية لتحقيق تجربتها التنموية‎.‎

يكثر المسؤولون من استدعاء نموذج سنغافورة، ومع أنه ليس مناسبًا للسياق الأردني، إلا ‏أنهم يتجاهلون بعضًا من معطياته المهمة وفي مقدمتها الدور الذي لعبته بورصة سنغافورة ‏في تعزيز البنية التحتية للقطاع المالي، استطاعت لاحقًا استقطاب الاستثمارات التي وجدت ‏ظروفًا مواتية مثل القوانين الطموحة والمرونة الكافية لاستيعاب متطلبات الاستثمار من ‏خلال الأطر التنظيمية المواتية، من غير الإخلال بالشفافية والنزاهة‎.‎

يصدر منتدى الاستراتيجيات الأردني مؤخرًا تقريرًا غاية في الأهمية في تموز من العام ‏الجاري بعنوان "دور الائتمان المصرفي وبورصة عمان في تعزيز النمو الاقتصادي وتحفيز ‏الاستثمار". علم الاقتصاد لا يحتاج سوى الوقوف على شاطئه من غير غرور أو صلف ‏ليدرك أي شخص أن الائتمان كان حجر الزاوية في زيادة إنتاجية المجتمعات تجاه تحقيق ‏التنمية، وأن السوق المالي كان أداة مهمة في تمكين المجتمع من تحسين عملية توزيع ‏المكتسبات الاقتصادية. اقتصاديون معاصرون من أصحاب الشعبية والكلمة المسموعة مثل ‏يانيس فاروفاكيس، وزير المالية اليوناني في مواجهة تبعات الأزمة المالية العالمية، لا ‏ينكرون هذه الحقائق، وخاصة ما يتعلق بالائتمان، وإن كانوا يدعون لمقاربات أخرى تتناسب ‏مع العصر ومتطلباته وطبيعة الأزمات الراهنة‎.‎

لكن التقرير يكشف بوضوح عن الفجوة الكبيرة في الأردن، والتي يُعد سوق عمان المالي ‏تحديدًا جزءًا من أسبابها وحلولها في الوقت نفسه. من خلال الرسوم البيانية الثرية التي ‏شملها التقرير، نجد ذلك النمو الكبير في إجمالي موجودات البنوك المرخصة مقارنة بالناتج ‏المحلي الإجمالي، لتصل في نهاية سنة 2023 إلى 191.6%، وهي نسبة تتجاوز بكثير ‏المعدلات العالمية التي بلغت 71% بنهاية سنة 2021. فما الذي يجعل الأردن يصل إلى ‏هذه المرحلة؟ وقبل الحديث عن تفسيرات مثل حجم الاقتصاد الصغير نسبيًا، النسبة تبقى ‏مرتفعة وغير صحية، ولا يمكن تفسيرها كما هو الحال مع قطر، التي تعتمد على ثروات ‏الغاز. فقطر هي الدولة الريعية، وليست الأردن‎.‎

من خلال اقتران بسيط بين ارتفاع نسبة الموجودات المصرفية إلى الناتج المحلي الإجمالي ‏وأزمات البورصات الوهمية، نصل إلى نتيجة مفادها أن الأردنيين يحتاجون لاستثمار أموالهم ‏بطريقة أو بأخرى، وأنهم غير معجبين بفكرة الأموال المجمدة في قطع أراضٍ أو مشغولات ‏ذهبية. الأردنيون يريدون أصولًا تولد دخلًا مع الوقت، مع المحافظة على قيمة الاستثمار. ‏لكن القصة لا تنتهي هنا، فالقيمة السوقية للبورصة تبدو وكأنها تسير إلى الماضي. بمقارنة ‏القيمة السوقية للشركات المدرجة بالناتج المحلي الإجمالي، نجد أنها وصلت في نهاية ‏‏2023 إلى 48.8% بعد أن كانت 298.8% في نهاية سنة 2005، وهي نسبة قريبة مما ‏كانت عليه في 1990‏‎!‎

لتوضيح الأمر أكثر، إذا كان القطاع المصرفي هو المنصة التي يجب لأي اقتصاد أن يقف ‏عليها لتحقيق قفزة اقتصادية، فالبورصة أو السوق المالي هي عملية القفز نفسها. في الحالة ‏الأولى، نجد أن الائتمان المصرفي لا يعبر عن سوق نشط كما يُفترض. الأموال موجودة في ‏البنوك وليست في الأعمال المنتجة، ومن يدفع تكلفة الفوائد هي الدولة بشكل أو بآخر. أما ‏العائد المتحقق من الاقتراض، بمعنى المشاركة بين المستثمر السلبي (المودع) والمستثمر ‏الذي يعمل في السوق فعليًا، فهو عائد غير كافٍ لتحقيق التنمية‎.‎

في الحالة الثانية، الشركات تتآكل قيمتها. وهذا التآكل غير مرتبط في كثير من الأحيان ‏بأدائها، فكيف يمكن تفسير تحولات سعر سهم البنك العربي، مع أن الأداء الكلي للشركة ‏مبهر؟ وكيف تكون قيمة التداول في أسهم هذه الشركة في حدود 65 مليون دينار فقط، وهي ‏الأعلى في السوق كله؟ مما يزيد الأمر تعقيدًا أن جزءًا كبيرًا من القيمة السوقية مملوك لغير ‏أردنيين، وبالتالي فإن الأرباح المتحققة والمحتمل تحققها لن تكون في المدى البعيد جزءًا من ‏رحلتنا مع التنمية الاقتصادية‎.‎

هنا نصل إلى السؤال الأهم: هل تدرك الحكومة أهمية استعادة دور سوق عمان المالي ‏بوصفه جزءًا من الميدان الاقتصادي الحقيقي الذي يتطلب العمل الميداني الفعلي؟ وهل ترى ‏الحكومة أن السوق المالي جزء أساسي من رؤيتها لتحقيق التنمية المستدامة؟ الدعم الموجه ‏للبورصة ليس رفاهية؛ بل هو دعم يخدم جميع الأردنيين من خلال تهيئة البيئة المالية لدفع ‏عجلة النمو. وفي المقابل، زيارة رئيس الحكومة لجمعية صغيرة في بلدة نائية قد تحقق أثرًا ‏محدودًا ومؤقتًا على مجموعة صغيرة من الأشخاص لا تتجاوز عشرات أو مئات الأفراد‎.‎

لكن، التحدي الحقيقي يكمن في معالجة القضايا الكبرى التي تؤثر على شرائح أوسع من ‏المجتمع، مثل السوق المالي. إذا كانت الحكومة ملتزمة بتحقيق الإدماج المالي والاجتماعي ‏والاقتصادي لجميع الأردنيين، فهل يمكنها أن تركز على هذه الزيارات السريعة والتغطيات ‏الإعلامية، بينما تتجاهل الميدان الأكبر الذي يشمل ملفات حيوية مثل السوق المالي؟

ما يحدث على أرض الواقع هو أن الحكومات المتعاقبة تنشغل بقصص النجاح السريعة ‏والسهلة، تلك التي يمكن عرضها في الأخبار أو على مواقع التواصل الاجتماعي، لكنها ‏تتجنب الاشتباك مع الملفات الكبيرة والمعقدة، والتي تحمل الأهمية الكبرى لتنمية الاقتصاد ‏الوطني. سوق عمان المالي هو أحد هذه الملفات، وهو الساحة التي يجب أن تُخاض فيها ‏المعركة إذا كانت الحكومة جادة في تحسين الوضع الاقتصادي وتحقيق التغيير المنشود‎.‎