الى متى ستظل جيوب المواطنين ملاذا للحكومات؟

صنارة نيوز - 22/09/2024 - 12:55 pm

 

الصنارة نيوز / سعيد بهاء المصري

سأستغلّ مرحلة الصدمة التي يعيشها المواطن الأردني جراء ما قامت به الحكومة بما اصطلح شعبيا تسميته ( ضربة مقفي)!

فهذا الاجراء الذي قامت به الحكومة في لحظات وجودها الأخيرة في الدوار الرابع لم يكن أبدا  وليد الساعة مثلما لم تكن سهام اعاقة موجهه  للحكومة التالية او حتى مجلس النواب حديث التكوين.

انها  ببساطة ايها السادة طريقا بديلا انتهجته عدة حكومات عبر عقد  ونصف من الزمان يقضي بادارة ازمة عجز الموازنات في ملهاة الركون لجيب المواطن وجيب من اخذ قرار الاستثمار في الاردن ! 

ولتوضيح هذا الأمر سأذكر القاريء بأرقام  ارتفاع النفقات الجارية في الموازنات منذ العام ٢٠١٠ وحتى ٢٠٢٤ حيث كانت في العام ٢٠١٠ ٥،٥ مليار دينار لتقفز إلى ١٠،٦ مليار دينار !

وإذا ما علمنا ان الأصل ان يكون  المصدر  الرئيسي لتغطية هذه النفقات الجارية من نشاطات اقتصادية لاستثمارات بحجوم تتناسب مع الزيادة المضطردة للنفقات الجارية  عبر تلك السنوات ، ولكن ما حصل هو العكس تماما فلم تفلح الحكومات المتعاقبة حتى الان في رفع حجم الاستثمارات ليغطي النفقات  الجارية من الايرادات الضريبية ، فتم اللجوء إلى التوسع في الاقتراض لسد فجوة عجز الحكومات في جذب الاستثمارات كما أراها أنا ، مما رفع حجم المديونية إلى الأرقام التي كان نتيجتها قيام  الحكومات تحصيل اكبر قدر ممكن من نفس حجم الاقتصاد الذي كان ينمو بنسب لا تتجاوز ٢٪؜ في معظم السنوات الخمس عشر ، وحتى نكون منصفين فان جائحة كورونا ايضا أرخت بذيولها هي الأخرى بنمو سالب زاد الطين بلة.

فالدولة عمليا تقترض من الداخل مثلما تقترض من الخارج للمحافظة على قوة الدينار كجزء من السياسات النقدية، وان كان من سلبيات الاقتراض الداخلي مزاحمة القطاع الخاص على الاقتراض مما رفع من كلفة القروض وصعّب عملية الوصول لتمويل الاستثمارات المحلية.
وأخيرا تفتق رأي الحكومات إلى رفع الضرائب والرسوم على كافة النشاطات الاقتصادية للقطاع الخاص طالت حتى ضرائب على الصادرات الوطنية!

والنتيجة الحتمية لكل ذلك رفع كلف  الانتاج لكافة السلع والخدمات المنتجة محليا بحيث مسّت جدوى العملية الانتاجية وفي النهاية حجمت الاستثمارات القائمة وتلاها لجوء  بعضها الآخر لدول اخرى في الجوار! 

وللأسف ايضا افقدت هذه السياسات قدرة الدولة لجذب الاستثمارات الجديدة بسبب ارتفاع كلف الانتاج باعتراف كافة المستثمرين العاملين في بلدنا سواء اردنيين او عرب او اجانب.

لكل ما تقدم فإن المرحلة القادمة بما تحمل معها من رياح التغيير في نهج الحكومات تتطلب اعادة رسم مشهد الحوار بين طرفي المعادلة وهي الحكومة ممثلة بوزارتي المالية والاستثمار من جهة ، ومؤسسات القطاع الخاص المعنية مباشرة بهذا الأمر من جهة اخرى ، حيث كان ذلك الحوار حتى وقت قريب بمثابة حوار الطرشان: الحكومة لديها مبالغ  مطلقة معينة في ذهنها لتحصيلها من القطاعات الانتاجية 
ويقابل ذلك اصحاب الاستثمارات الذين فشلوا في ابراز لغة خطاب موحدة وبمطالب تمس مباشرة الميزة التنافسية للمنتج الأردني!

ورأيت ان اتطرق لبعض جوانب الحوار الذي يمكن بحثه بين  طرفي معادلة اطلاق النمو الاقتصادي ليتجاوز  معدل ال ٥٪؜ خلال سنوات خمس مثلا أوجزها بالآتي :-

١) على القطاع الخاص ان يكشف للدولة عن عناصر كلفته  الفعلية قبل الضريبة ( بحدّيها الادنى والأعلى حسب اقتصاديات الحجم).

٢) وأن تحترم الحكومة  بدورها سلم الكلف قبل الضريبة  لكافة السلع والخدمات ، ثم تبدأ  حواراً بناء مع ممثلي القطاعات الاقتصادية التي تشكل في مجموعها محركات النمو الاقتصادي، بحيث يكون  استدامة تنافسية المنتج هدفا  للتفاوض ويتم بموجبها التوصل لنسب الضرائب وكافة الرسوم ( دخل ومبيعات ورسوم اخرى ) والمفروضة على المنتج المحلي التي تضمن عائدا مجديا على الاستثمار في كل قطاع حسب حجم الاستثمار فيه ، وهنا يتوجب ان توضع حلول لتحديات استقرار التشريعات خاصة تلك التي تمس جدوى الاستثمار المباشر في الأردن، فالقانون الذي تدخل بموجبه استثمارات عبر السنين يمثل هذا القانون العقد الملزم لطرفي المعادلة خلال مدة الاستثمار في البلد ، بحيث لا يتأثر المستثمر بتغييرات في التشريعات تطيح بجدوى مشروعه.

٣) ان تقوم  وزارتي المالية والاستثمار باعادة تقييم كافة بنود  القوانين والأنظمة المتعلقة بجذب الاستثمارات للبلاد والذي يكفل بيئة حقيقية لاستقرار الاستثمارات ونموها المضطرد . ان الهدف من اعادة هيكلة الضرائب والرسوم وكذلك تحسين البيئة الاستثمارية هو تمكين الحكومات من تحقيق جذب الاستثمارات بحجوم تهدف لتحقيق ايرادات  لتغطية النفقات الجارية من خلال توسيع قاعدة المكلفين ويفضي بالنتيجة إلى  تحسن  في الاجواء الاقتصادية للاستثمار ومواتية اكثر مما هي عليه الان .

٤) ما ذكر آنفا من اجراءات، سيرتب بالتأكيد عجزا اضافيا على المالية العامة نتيجة اعادة هيكلة للضرائب والرسوم مما سيضطر الحكومة للتوسع في الاقتراض، وهنا فإنني اجرؤ على اقتراح ضرورة ان يكون هذا الاقتراض الاضافي من الخارج وليس من داخل المملكة والسبب ان هذا العجز سيتم سداده من زيادة الإيرادات من الاستثمارات الجديدة التي ستدخل المملكة بعد اجراء الاصلاحات الهيكلية في الضرائب وغيرها ، حيث يمكن اعتبار الاقتراض في هذه الحالة ضمن النفقات الرأسمالية!

٥) من المهم في هذه المرحلة التشبيك مع الخطة التنفيذية الواردة في رؤية التحديث الاقتصادي واجراء المقتضى من تعديل وتحديث  بنودها حسب واقع الحال لتكون مؤشراتها بعد ذلك مرجعية للدولة والقطاع الخاص وأخص بالذكر حجم الاستثمارات المتدفقة للمملكة ورصد اثر ذلك على النمو الاقتصادي السنوي للناتج المحلي الإجمالي وكذلك رصد مديونية الأردن واثر التحسن بفعل النمو الاقتصادي على هذه المديونية.

٦) اركز بشكل عام على اهمية الاستثمار المختلط بين القطاعين العام والخاص وتوظيف اموال الصناديق الاستثمارية مثل الضمان وغيرها في الاستثمار في مشاريع البنية التحتية الكبرى بقدر الامكان لما لذلك من منافع عدم ركون الحكومة إلى  الاقتراض .

٧) ادرك ان العديد من الاحزاب التي دخلت حيز مجلس النواب تمتلك رؤى اقتصادية هي الأخرى وترغب ان تدلوا بدلوها لما يتوجب عليه عمله في الشق الاقتصادي، ولكن من المهم ان اشير ان آلية طرح الحلول يتوجب اولا توحيدها على مستوى المجلس الجديد قبل طرحها فرادى على الحكومة التي هي تمتلك رؤيا خاصة بها كما يعلم الجميع.

٨) يجب العودة لمبدأ لجان  دائمة مستقلة للمتابعة والتقييم كنهج لمحاسبة الحكومات على على مدى السنوات القادمة.

اختم بالقول ان تحسين الجانب المعيشي للناس يستوجب ضخ اموال استثمارات جديدة كما ذكر أعلاه لاستحداث وظائف جديدة وتنشيط الاسواق المحلية للاستهلاك وهو ما يساهم هو الآخر في دفع عجلة النمو لمستويات جديدة ، فالكساد الماثل امامنا الان مرده اربحية سالبة يحققها معظم القطاعات الاقتصادية، أدت إلى توقف وخروج الكثير من النشاطات الاقتصادية القائمة وهذا يستوجب المعالجة الفورية برأيي.