عندما تدخل إيران على خط المفاوضات!
صنارة نيوز - 26/08/2024 - 1:53 pm / الكاتب - نادية سعدالدينلا يمر التصريح الأخير لوزير الخارجية الإيراني، «عباس عراقجي»، بسلام، بل يحمل في طياته أبعاداً سياسية وأمنية خطيرة، تُعيد للأذهان محاولات طهران الدؤوبة للدخول من بوابة إسناد المقاومة الفلسطينية لإيجاد موطئ قدم مريح لها في غزة، حتى تكون على مشارف الحدود مع مصر، خصمها التقليدي، من ناحية، وبالقرب من تخوم الأردن، العقبة الكؤود أمام إحياء مشروع «الهلال الشيعي»، جغرافياً وليس دينياً، من ناحية أخرى.
عندما يقول «عراقجي» إن مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة تتم «دون الأخذ بالاعتبار رغبات الشعب الفلسطيني ومواقف إيران»، وإن وزارته بصدد إعداد خطة للتحرك، «فكما يعترف العالم كله بدور إيران في الميدان، عليه أيضاً أن يعترف بوجودنا ودورنا السياسي»، فهو قرار إيراني بالدخول على خط المفاوضات، ليس فقط لتعزيز موقف المقاومة ولعب دور مركزي في القضية الفلسطينية، وإنما، أيضاً، توطئة لخطوتها الطموحة القادمة.
لم تنكر فصائل المقاومة الفلسطينية يوماً، لاسيما حركتا «الجهاد الإسلامي» و»حماس»، الموقف الإيراني المساند والداعم لها، في مواجهة العدو الصهيوني، في وقت تخلى عنها غالبية ما كانت تعتقده ظهيراً استراتيجياً عربياً وإسلامياً.
وقد تجلت مظاهر الدعم الإيراني في الكثير من المفاصل التاريخية المهمة التي أسهمت في رفد المقاومة الفلسطينية بمعاول، تسليحية ولوجستية، وازنة لصد عدوان الاحتلال المتواصل بحق الشعب الفلسطيني، كما نراه اليوم ماثلاً في حرب الإبادة الصهيونية بقطاع غزة.
غير أن حدود الدعم الإيرانية كانت تتوقف هنا، بينما ظل قرار «حماس» و»الجهاد» مستقلاً ومرهوناً بأهدافهما الأساسية للدفاع عن الشعب والوطن والقضية الفلسطينية، حتى دحر الاحتلال والتحرر وتقرير المصير، بعيداً عن التجاذبات السياسية في المشهد العربي الإقليمي المضطرب. وقد كانت هذه المعادلة واضحة لكلا الطرفين.
غير أن محاولة إيران خرقها لن يكون قراراً محموداً، فهي بذلك تبتعد عن الهدف المشترك الذي يغلف تحرك «محور المقاومة»، صوب السعي لحصد ثمار دعمها بمكسب سياسي، تستطيع من خلاله التغلغل في غزة ومنها للضفة الغربية، وجعلهما ساحة أخرى خاضعة لهيمنتها أو موالية لها بالمنطقة، وبالتالي تصبح أكثر قرباً من مصر، منافستها اللدود على تبوؤ موقع «الدولة المركز» في الإقليم، ومن الأردن، في ظل المحاولات الإيرانية لاختراق ساحة المملكة وإضعافها، ورغم فشلها ولكنها ما تزال قائمة ولن تهدأ.
لطالما شكل المشروع الإيراني التوسعي الإقليمي مبعث قلق وازن لدى الدول العربية، إزاء مساعي طهران لتغذية نفوذها في الساحات العربية، لاسيما سورية والعراق واليمن، عبر جماعة الحوثي، وإثارة النزاعات الحدودية والإقليمية مع جيرانها العرب، وتهديدها المتواتر لأمن الملاحة البحرية في مياه الخليج العربي باستهداف ناقلات النفط العابرة له، وتوعدها الدائم بإغلاق مضيق هرمز الإستراتيجي، ومحاولة السيطرة على مضيق باب المندب، ما يعني، في المحصلة، السير بالمنطقة نحو مزيد من انعدام الاستقرار.
إن هناك خطاً باهتاً يفصل بين الدعم والاسناد وبين التدخل والارتهان، وعلى المقاومة الفلسطينية إدراكه جيداً حتى تظل البوصلة دوماً مُوجهة نحو العدو الصهيوني.