رابط إلكتروني للإبلاغ عن التسرب المدرسي.. هل يكفي لمواجهة الظاهرة؟

صنارة نيوز - 13/08/2024 - 9:00 am

الصنارة نيوز-

ما تزال قضية التسرب المدرسي أو الانقطاع عن التعليم تؤرق المعنيين بوضع السياسيات التعليمية في العالم، وإذا وجدت تشريعات أو إجراءات تحد من هذه الظاهرة، فإنها تظل تراوح مكانها غالبا، وهو ما دفع كثيرين إلى التنبيه إلى ما تحمله من تبعات ثقيلة على مسيرة المجتمعات، وتنميتها.


وإذ يعتبر التعليم أساسا لتنمية الدول والمجتمعات والارتقاء بها، فإن ظاهرة التسرب والانقطاع، تؤرق راسمي السياسات التعليمية والتنموية، ما يدفعهم للبحث عن حلول لمكافحتها، أو الحد منها، بيد أن لكل ظاهرة أسبابها التي تتطلب معالجة من أساساتها، ومنع نموها في أي مجتمع ثانية.

في الأردن، قد لا يبدو أمر هذه الظاهرة غير مؤرق على نحو واسع، لكنه في النهاية يحمل في ثناياه ما يجعل منه ظاهرة، يجب التصدي لها، وهو ما ذهبت إليه وزارة التربية والتعليم، حين خصصت رابطا ألكترونيا على موقعها، للتبليغ عن التسرب المدرسي في نطاق النظام الوطني الإلكتروني لمكافحة عمل الأطفال، الذي أفصح خبراء في التربية، بأن مثل هذه الخطوة، إيجابي، ويدعم مكافحة الظاهرة.
لكنهم نبهوا في أحاديث منفصلة لـ"الغد"، أن الرابط وحده غير كاف للقضاء عليها، ويجب أن يجري تجفيف جذورها، ولن يتم ذلك إلا بتكاتف جهود المؤسسات المعنية في هذا الجانب، وإطلاق مبادرات وإجراءات وبرامج، تسهم بدفع الطلبة إلى الإقبال على التعلم، وعدم تسربهم، تحت أي ذرائع، تبدأ بتنظيم برامج تعليم حرفي وتقني لهم، وتعليم مهارات أساسية كالقراءة والكتابة والحساب، بطرائق جاذبة تكون خلال الفترات المسائية.
كما لفتوا إلى وجوب البحث عمليا عن أسباب هذه الظاهرة لمعالجتها، ولعل السبب الاقتصادي المعيشي والاجتماعي، هما الأساسان المركزيان لها، إذ يلجأ بعض الطلبة إلى العمل بدل الدراسة، وهو ما دجعل المهمة شاقة في هذا الجانب، إذ تتطلب خلق مساحة نقاش حيوية، تتوجه لمعالجة جذرية للأسباب، ومن ثم معالجة السياق التربوي، من حيث خلق بيئات مدرسية جاذبة وحيوية، وتأهيل المعلمين لأن يخاطبوا الطلبة ذوي الأداء المتدني، بلغة تحضهم على التعلم، وما إلى ذلك من إجراءت ومهام، تحقق خفضا للظاهرة، وهو ما دفع الخبراء إلى أن يدعو الأهل وأرباب العمل للتواصل مع رابط الوزارة، ليسهموا بتحمل مسؤوليتهم في التبليغ عن تسرب أبنائهم من المدارس، وليساعدوا الوزارة بوقف هذه الظاهرة.
وكان التقرير السنوي الـ20 الذي أطلقه المركز الوطني لحقوق الإنسان، كشف مؤخرا عن انخفاض أعداد المتسربين من المدارس في مرحلة التعليم الأساسي للعام الدراسي 2023/2022، إذ وصل عددهم إلى 9560 متسربا في المرحلة الأساسية، أي بنسبة 0.0052 مقارنة بـ11689 من المرحلة الأساسية في سابقة، أي بنسبة 0.0064 من مجموع طلبة المرحلة الأساسية.
وبين التقرير، أن ذلك يستدعي من الوزارة، إعادة النظر في برامج وخطط وجهود الجهات المعنية كافة، لافتا إلى أنها شكلت العام الماضي لجنة تنسيقية بمشاركة أعضاء من الوزارات والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية، لإعداد دليل وطني لإجراءات الحد من الظاهرة.
ولفت إلى أن الدليل، يتطلع لوضع تعريف إجرائي للتسرب والانقطاع والتغيب المدرسي، وخطوات متابعة المتغيب، وإجراءات تنفيـذ الأنشـطة الوقائيـة والعلاجية، للحـد مـن التغيب والانقطاع والتسرب، ورسم سياسات للتنسـيق بيـن وزارتي التربية والداخلية والجهات المعنية، لاتخاذ إجراءات الحد من الظاهرة، داعيا لإنجاز الدليل، وتعميمـه علـى المدارس كافـة، لتطبيق مـا جاء بـه للحد مـن الظاهرة.


وفي هذا النطاق، قال مدير إدارة التعليم بوزارة التربية د. أحمد المساعفة في تصريح لـ"الغد"، إن نسبة التسرب المدرسي في الأردن، هي الأقل بين دول المنطقة ولا تتعدى الـ3/ 1000 طالب.
وأضاف المساعفة، أن الوزارة تتعامل ضمن خطتها على الحد من التسرب المدرسي بأسلوبين: وقائي ويتضمن تدابير وإجراءات وقائية، وعلاجي يهدف للحد من التسرب، بتنفيذ برامج تعليم غير نظامي.
ويتضمن الأسلوب الوقائي محورين: إجرائي، أي متابعة مديري المدارس ومربي الصفوف والمرشدين التربويين لحضور وغياب الطلبة، وتوثيق دوامهم يوميا، وتهيئته لمتابعة ورصد حضور وغياب الطلبة وحالات التسرب وتعبئة البيانات المتعلقة بالدوام اليومي لهم عبر المعلمين ومربي الصفوف، والتواصل مع أولياء أمور الغائبين، ومخاطبة مدير التربية للسير بإجراءات مخاطبة الحاكم الإداري، وجعل بيئة التعليم جاذبة، بتنفيذ أنشطة لاصفية ومسابقات.
وأضاف، أما الإجراء الثاني، فيتعلق بعلاج التسرب عبر تنفيذ الوزارة برنامجا لتعزيز الثقافة للمتسربين، بهدف إعداد وتأهيل من تتراوح أعمارهم بين 13 إلى 18 من الذكور، وبين 12 و20 من الإناث، بتزويدهم بالمعارف والخبرات، وإكسابهم مهارات واتجاهات، تمكنهم من بناء ذواتهم والإسهام بنهضة مجتمعهم.
وبين المساعفة أن مدة الدراسة تبلغ في البرنامج عامين، ويتكون من 3 حلقات تعليمية، مدة الواحدة 8 أشهر، ويستطيع الدارس بعد تخرجه الحصول على وثيقة تخرج، تمكنه من التسجيل في مؤسسة التدريب المهني، أو إكمال دراسته كدارس غير نظامي (دراسة منزلية).
وأشار إلى أن الرابط، يعتبر وسيلة يضمن عبرها التحاق من هم في سن التعليم بالمدارس، مبينا أن الرابط، أنجز بجهود مشتركة بين وزارات العمل والتربية والتعليم والتنمية الاجتماعية.
الخبير التربوي محمود المساد، قال إن الوزارة تحرص على تنفيذ قانون التربية والتعليم ساري المفعول، بشأن مرحلة التعليم الأساسي الإلزامية والمجانية، وتعليماتها وإجراءاتها، بخاصة فيما يتصل منها بالتسرب المدرسي، وما يترتب عليها من عمالة أطفال، تتعارض على نحو صارخ مع حقوق الطفل عموما بخاصة حقه في التعليم.
وأكد المساد، أن التسرب يختلف عن عدم الالتحاق بالمدرسة، ففي الأولى يترك الطالب/ الطالبة المدرسة لأسباب طاردة، تتعلق ببيئة المدرسة أساسا، وفي الثانية لا يلتحق بالمدرسة جراء ظروف أسرية، وهذه من العوامل الذي تمس غالبا من هم دون الـ16 من العمر، وتلقي بهم إلى سوق العمل، وهذا يعتبر من الصور البشعة في الحياة الاجتماعية للدول، ما يُعظّم من أهمية مكافحة التسرب، واعتباره بالإضافة إلى عدم الالتحاق المدرسي، تحديا رئيسا يواجه النظام التعليمي، ومؤشرا على قصوره.
وأشار إلى أن رابط الوزارة، إجراء مهم للإسهام بوضع حد لظاهرة مزمنة، كانت تؤرقها في كيفية الوصول للمتسربين، ومن لم يلتحقوا بمدارسهم. مبينا أنها عبر الرابط تدعو الهيئات التدريسية، لتعبئة البيانات الخاصة بالمتسربين لتحويلهم إلى وزارة التنمية الاجتماعية، لمتابعة أوضاع عائلاتهم، وحتى تتمكن إدارة التعليم من متابعتهم.
ولفت المساد إلى أن الإشارة إلى وزارة التنمية، له دلالته بحل المشكلة من جذورها، عبر ما يعرف بدراسة الحالة، والوقوف على الأسباب الحقيقية التي حالت دون التحاق الطفل بالمدرسة، أو دفعته لتركها، مؤكدا أنه من المفيد فتح الرابط على المجتمع، ليتحمل الأهل وأرباب العمل مسؤولية التبليغ عن المتسربين، ومساعدة وزارة التربية في هذه المهمة.
ودعا لمضاعفة جهود وزارة التربية بتوعية أرباب العمل بمسؤوليتهم الأخلاقية، إذ يتطلب منهم التعامل مع الرابط والتبليغ عن الحالة، واستمرار الجهات المعنية بمتابعاتها الميدانية بغرض توعية أرباب العمل، والبحث عن المتسربين.
وبين أنه إلى جانب ما تقوم به وزارة التربية من إجراءات، بحكم المسؤولية القانونية والأخلاقية، فإن الأمر يتطلب مبادرات وإجراءات وبرامج، تتابع واقع المتسربين، فأماكن انتشارهم معروفة، إذ إن غالبيتهم يعملون في المدن الصناعية وورش الأعمال وإصلاح السيارات وفي الأسواق والمزارع والمراعي، ما يجعل من هذه المناطق نقاطا ساخنة، تتطلب إجراءات سريعة بإقامة برامج تعليم حرفي وتقني، ومهارات أساسية كالقراءة والكتابة والحساب بطرق جاذبة في الفترات المسائية، تتمكن من جذبهم، ولا تتعدى على أوقات عملهم ضمن مسار التعليم الموازي غير النظامي، وفتح المجال لمن يرغب منهم بالعودة للتعليم النظامي، والتشريع للتعلم عن بعد أو المرن في مثل هذه الحالات.
مدير إدارة التخطيط والبحث التربوي بوزارة التربية سابقا د. محمد أبو غزلة، قال إن إطلاق الوزارة للرابط، خطوة إيجابية، كونها تدعم تحقيق الأهداف الوطنية الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية لمكافحة هذه الظاهرة، برغم تدني نسب التسرب في المرحلة الأساسية، مقارنة بدول أخرى، لكنها مرتفعة جدا في المرحلة الثانوية كون التعليم غير إلزامي.
وأضاف أبو غزلة، أن التسرب من الظواهر التي تعاني منها الأنظمة التعليمية في الدول كافة، وتتفاوت نسب التسرب وترك المدارس بين دولة واخرى تبعا لعوامل سياسية واقتصادية واجتماعية وتعليمية، أو جراء النزاعات والحروب، وأيضا هناك عوامل تشريعية بخاصة في دول ليس لديها في تشريعاتها التعليمية، نصوص تؤكد على إلزامية التعليم في المرحلة الأساسية.
وأشار إلى أن دولا لديها تعليم ثانوي، إلزامي لكن بدون تشريع ينص على ذلك، مبينا أن التسرب ينحصر وفق بعض الدول بعوامل اقتصادية خارجة عن إرادة المتسرب، كتردي الأوضاع الاقتصادية وارتفاع كلفة التعليم الجيد، وانتشار البطالة والفقر، وتردي أوضاع الخريجين جراء ما يواجهونه من مصاعب في الحصول على وظائف لائقة، ما أصبح يدفع بأولياء الأمور إلى تغيير نظرتهم للدراسة والتعليم والاستثمار فيه.
ورأى أبو غزلة، أن الانقطاع عن الذهاب للمدرسة أو التسرب منها، بخاصة لمن هم في الصفوف العليا، له أسباب أخرى، تتعلق بالمدرسة نفسها، من حيث نظامها وإجراءاتها الإدارية في التعامل مع الطلبة، والالتزام بالحضور والسلوك الطلابي، بالإضافة لغياب دور المدرسة والمرشدين التربويين والنفسيين في عملية التوعية ورعاية الطلبة وتوجيههم.
كما أشار إلى أن هناك أسبابا تتعلق بالممارسات التدريسية، وبطبيعة المناهج والكتب المدرسية، وأساليب التقويم والامتحانات وكيفية تعامل المعلمين مع الطلبة، بخاصة ذوي الأداء المتدني، ناهيك عن البيئات التعليمية المادية والمعنوية الطاردة، التي تؤدي بالطالب لعدم تحقيق النجاح، وبالتالي الإخفاق في تحقيق ما يصبو إليه، ومن هنا أعتقد بأن العوامل الداخلية في المدرسة، من أكثر العوامل الطاردة للطلبة والتي تجبرهم على ترك المدارس والتسرب منها.
واعتبر أبو غزلة، وجود رابط ضمن النظام الوطني الإلكتروني لمكافحة عمل الأطفال غير كاف لمكافحة هذه الظاهرة، برغم أهميته، لأن  مشكلة كهذه، يجب أن يجري التعامل معها جذريا وبجهود وطنية بين مختلف المؤسسات المعنية، لأن معالجتها تشكل عائدا كبيرا في مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية، باعتبار أن الاستثمار في التعليم، محرك أساس للتنمية في أي دولة.
وبين أن حل المشكلة، يجب أن يبدأ بتوفير التعليم الجيد والعادل للجميع، وإيجاد بيئات تعلم جاذبة وعادلة، توفر للطلبة الحماية والصحة النفسية والجسدية، مع أهمية توعيتهم ومتابعتهم عبر كفاءات تعليمية إدارية قادرة على التعامل معهم، ووجود سياسات وإستراتيجيات وخطط، وأدوات ومنصات وروابط تقنية، لمتابعة تعلمهم والتزامهم.
وأكد أبو غزلة، أهمية مراجعة خطط تطوير التعليم، لتركز على الطلبة وتعلمهم مدى الحياة، مع أهمية  توفير بدائل ومسارات تعلم، وفق قدراتهم، ووضع خطط مشاركة مع كل مؤسسات المجتمع الرسمية والأهلية، بخاصة الإعلامية منها، للتركيز وإبراز هذه المشكلة والتوعية بها، لحشد الجهود لمكافحتها، والتركيز على تطوير التشريعات المتعلقة بالدوام المدرسي وتفعيلها مع أولياء الأمور، بخاصة في مرحلة التعليم الإلزامي، وكذلك توفير مناهج محفزة على التعلم، واستخدام أساليب تدريس وتقويم جاذبة، وتوفير بيئات تعليمية، بالاضافة لمتابعة الإدارات المدرسية، وتوفير خطط علاجية فردية للطلبة من ذوي الأداء المتدني، ومتابعة المعلمين والكوادر وآليات تقويمهم، وتحسين أوضاع العاملين في التعليم، وتوفير فرص عمل للخريجين الجدد، ما يعطي دافعا للطلبة وذويهم للاهتمام بالعلم والدراسة، وبالتالي وقف الحد من التسرب الذي يقود مستقبلا لمشاكل أكبر للطلبة، اجتماعيا واقتصاديا ونفسيا.  
وشاركهم الرأي الخبير التربوي عايش النوايسة، الذي عرف التسرب المدرسي بأنه الانقطاع المتواصل للطلبة عن التعلم والمدرسة، ولمدة عام أو أكثر، مشيرا إلى أن النسب الأخيرة له في الأردن، تعد منخفضة جدا، إذ تشكل لـ3/ ألف طالب، وهي نسبة قليلة مقارنة بالمستويين العالمي والإقليمي.
وأوضح النوايسة، أن هناك نمطين من المتابعة للتسرب المدرسي؛ الأول في المدرسة يتمثل بالإرشاد التربوي وبدور المرشد ومدير المدرسة ومساعده ومربي الصف، في التواصل مع أولياء الأمور وإبلاغهم بتصرف أبنائهم.
أما الثاني، فيكون على مستوى الوزارة عبر الرابط الذي يمكن عن طريقه التبليغ عن حالات التسرب، ليصار لمتابعتها، مؤكدا أن التعليم في المرحلة الأساسية في الأردن، إلزامي ومجاني، ولا يجوز أن يتسرب الطالب من المدرسة، وإن حدث ذلك فعلى المدرسة إبلاغ ولي الأمر والمديرية، وإذا لم يتسجب، فعلى المديرية تبليغ الحاكم الإداري عن المتغيب عن المدرسة، ليخاطب ولي أمر الطالب، ومن ثم اتخاذ إجراءات قانونية، تعيده لمقعده.