"أخطبوطية" بلير من غزة إلى صربيا
صنارة نيوز - 2015-03-18 09:59:36د.احمد جميل عزم
وسط أنباء متضاربة عن أنّ مبعوث "الرباعية الدولية" لعملية السلام في الشرق الأوسط قد لا يستمر في منصبه، فإنّ التدقيق في من هو توني بلير، وماذا يفعل هذه الأيّام، يستحق أن يكون فصلا في تاريخ السياسة والأيديولوجيا وفلسطين؛ فقوس علاقاته يبدأ بمهمة غامضة في غزة، وتصل صربيا، وتمر بدول الخليج العربية، مع إشارة إلى أنّ القيادي الفلسطيني محمد دحلان في المشهد، أو هكذا تزعم صحف عالمية.
توني بلير هو رئيس وزراء بريطانيا بين العامين 1997-2007. وهو ليس رئيس وزراء عاديا؛ فقد كان في حينه أصغر رئيس لحزب العمال البريطاني (هو مواليد 1953، وتولى رئاسة الحزب العام 1994). والأهم أنّه دشّن ما يعرف باسم فكرة "الطريق الثالث" الذي يقترب باليسار من اقتصاد السوق ومن الليبرالية، وبالتالي هو من معالم عصر تقهقر اليسار وضعف الأيديولوجيا، وإنهاء فكرة التخطيط المركزي للدول. بل الأكثر من ذلك أنّه حاول إعطاء حزب العمال صبغة مسيحية دينية، بل إنه تحول عندما خرج من رئاسة الحكومة إلى المذهب الكاثوليكي من الأنغليكانية. وفي الأصل هو تبنى أفكار أنتوني جيدنز؛ المدير السابق (1997-2003) لجامعة لندن للاقتصاد (LSE). وهذه الجامعة، على أهميتها وعراقتها، انتُقدت في السنوات الأخيرة بعد تكشف علاقتها مع نظام معمر القذافي، وحصولها على عقود عمل مع هذا النظام، كما تلقيها أموالا من مؤسسة سيف القذافي، الذي حصل على قبول لدراسة الدكتوراه في الجامعة العام 2003.
منذ العام 2007، عُين بلير مبعوثا للرباعية الدولية لعملية السلام. وها هو يستمر في موقعه طويلا رغم عدم فعاليته. وهو، شأنه شأن الرئاسة والبرلمان في السلطة الفلسطينية، لم يتغير رغم مرور السنوات، ورغم عدم نجاحه.
زار بلير غزة مؤخرا (منتصف الشهر الماضي؛ شباط (فبراير). وبينما قيل علنا إنّ الزيارة لنقاش عملية إعادة إعمار القطاع، فإنّ قادة حركة "حماس" قالوا إنّ بلير حمل أفكاراً سياسية، هي عملياً خطة لإدماج الحركة في المنظومة الإقليمية والوساطة معها. فكما قال موسى أبو مرزوق، عضو مكتب "حماس" السياسي، تضمنت الأفكار "القبول ببرنامج سياسي فلسطيني قاعدته دولة فلسطينية في حدود 67، والتأكيد على أن الحركة هي حركة فلسطينية لتحقيق أهداف فلسطينية، وليست جزءاً من حركة إسلامية ذات أبعاد إقليمية، والقبول بأن حل الدولتين نهائي للصراع وليس مؤقتاً".
قبل زيارة غزة، وبوقت طويل، كان الحديث يتزايد في الإعلام عن علاقات بلير الاقتصادية وخدماته السياسية والاستشارية لأكثر من دولة خليجية عربية، وتحقيقه أرباحا من علاقته معها، ما رآه البعض استغلالا لمهمته مبعوثا للرباعية الدولية؛ فكانت مصالحه التجارية على هامش لقاءاته السياسية. وثارت تساؤلات حول سلامة الإجراءات المالية في شركات تتبعه. وفي نفس وقت زيارة بلير لغزة، نشرت الصحافة العالمية تقارير عن عقد استشاري أبرمه مع صربيا. وكما ذكرت صحف، منها "الغارديان" البريطانية، فإنّ قيمة العقد الاستشاري ستمول من دولة خليجية عربية، ساعدت هي أيضاً جامعة لندن (LSE)، وترتبط معها بعقود تعاون. وصربيا ذاتها بخيوطها الخليجية، لديها خيوط مع محمد دحلان، القيادي السابق في حركة "فتح"، والذي توجد خصومة بينه وبين الرئيس الفلسطيني محمود عباس. وبحسب ما تقول "الغارديان"، فإنّ دحلان "لعب دورا حيويا في مفاوضات بمليارات اليوروات، تخص صربيا، عبر اتفاقيات حكومية. وكنتيجة، حصل هو وستة من أفراد عائلته وستة من مؤيديه السياسيين، على الجنسية الصربية في العامين 2013 و2014".
إذن، بلير رجل التغيير التاريخي في عالم الأيديولوجيا؛ في زمن كان العالم يكاد يؤمن (في التسعينيات) بأنّ العالم وصل نهاية التاريخ. وبلير رجل له انتماءات وتوجهات دينية غير معهودة؛ زار غزة مؤخرا في زيارة غامضة نسبياً، وتربط صحف عالمية (بغض النظر عن دقة ما فيها)، بينه وبين عقود خليجية وصربية، حيث يظهر محمد دحلان في الصورة. وبلير صديق مقرب من الإسرائيليين، ولم يلعب دورا إيجابيا في مسيرة التسوية؛ إذن، هناك أسباب كثيرة تدفع الرسميين الفلسطينيين للاستياء أو الخوف من دوره ومن استمراره في موقعه.