صندوق النقد.. مزاج مختلف

صنارة نيوز - 2015-03-15 13:33:49

جمانة غنيمات

يُتوقع أن يصدر اليوم التقرير النهائي لبعثة صندوق النقد الدولي إلى الأردن؛ متضمناً شهادة جديدة بما حققته المملكة خلال العام الماضي 2014، إضافة إلى توصيات بما يجب تنفيذه خلال العام الحالي 2015.
الاجتماعات الحكومية الأخيرة مع بعثة "الصندوق"، استمرت لما يزيد على عشرة أيام، بهدف إنهاء المراجعة السادسة من برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي شرع به الأردن بموجب اتفاق مع "الصندوق" في آب (أغسطس) 2012، على أن ينتهي منتصف العام الحالي. إلا أنه يُتوقع تمديد البرنامج لمدة جديدة، يبقى الأردن خلالها خاضعا لرقابة المؤسسة الدولية، لكن ليس استناداً إلى ما يسمى "برنامج الاستعداد الائتماني" المطبق حالياً، بل بموجب برنامج آخر للصندوق، لم تعلَن تفاصيله بعد.
ورغم عدم صدور تصريح رسمي بشأن مداولات ونتائج الاجتماعات الأخيرة، إلا أن الكثير الذي رشح عن كواليس هذه الاجتماعات، تطغى عليه هذه المرة، وفق ما ينقل عن متابعين لها، روح مختلفة. إذ يتجلى عنصر المناكفة -إن جاز التعبير- في مواجهة إدارة البعثة الدولية، ورفض الخضوع لشروطها. فقد شهدت الاجتماعات نقاشات مطولة بشأن قضايا ونقاط محددة كانت طلبتها رئيسة البعثة كريستينا كوستيال، من الوزارات والمؤسسات الحكومية.
أبرز هذه القضايا، لاسيما أنها تمس الناس مباشرة، تتعلق بقيمة الإجراءات الواجب اتخاذها لتحصيل إيرادات إضافية. إذ طلب "الصندوق" من وزارة المالية توفير 300 مليون دينار إضافية؛ الأمر الذي رفضته الوزارة بعد جدل طويل بين الطرفين.
وقد جاء طلب "الصندوق" بتوفير هذا المبلغ بحجة تراجع الإيراد المتوقع من قانون الضريبة الجديد، ومواصلة الحكومة الاعتماد على إيرادات غير متكررة، وتحديدا رخص الاتصالات التي وفّرت للخزينة نحو 200 مليون دينار العام الماضي. يضاف إلى ذلك توقع تراجع إيرادات الضريبة على المحروقات، في ظل تدني أسعار النفط عالميا.
بعد جدل، وأخذ ورد، يعكسان مزاجا جديدا في التفاوض مع "الصندوق"؛ تم تخفيض قيمة طلب الأخير إلى 52 مليون دينار فقط. وهو ما يعتقد مراقبون أنه لا يعني شيئاً، قياساً إلى إجمالي الموازنة العامة للعام الحالي، والبالغة قيمتها قرابة 8 مليارات دينار.
في القضية السابقة تحديدا، رفضت الحكومة المبدأ لأكثر من سبب؛ أهمها عدم اقتطاع أموال إضافية من جيوب الأردنيين في ظل الظرف السياسي الحساس؛ محلياً وإقليمياً. فكان أن ربط المفاوض الأردني، ولأول مرة ربما، السياسي بالاقتصادي، لدرجة توترت معها الأجواء بين الطرفين، ما دفع مسؤولا أردنياً رفيعاً إلى مغادرة قاعة الاجتماعات قبل نهاية إحدى الجلسات؛ لاسيما أن بعثة "الصندوق" أمعنت، في المقابل، في تجاهل وإسقاط المعطيات السياسية والأمنية المحلية والإقليمية من الحسبة، واختزال الأردن إلى مجموعة أرقام فحسب! وهو ما يذكّرنا برأي رئيس الوزراء د. عبدالله النسور، عندما اعتبر، قبل فترة ليست بالبعيدة، أن موظفي "البعثة" محاسبون لا غير.
وإذ تصاعد الجدل بشأن هذه المسألة، مع رفض المفاوضين الأردنيين التنازل عن موقفهم باعتباره يأخذ بعين الاعتبار عاملا حاسماً في ماهية القرارات التي يمكن اتخاذها، فقد أدركت البعثة الدولية هذا الجانب ومخاطره. ويُتوقع أن تفرد له جزءا من تقريرها الصادر اليوم، بشأن تقييم الفترة الماضية، ورسم حدود المرحلة المقبلة.
أياً يكن، فإن التغير أو حتى الانقلاب في مزاج وأسلوب المفاوض الأردني مع صندوق النقد الدولي، لا يعنيان أن المملكة ستتحرر قريباً من اشتراطاته أو توصياته "الملزمة" غالباً؛ بل هو سيبقى معنا لسنوات مقبلة، وذلك لسبب بسيط معروف، وهو أن حجم المشكلات ومستواها الخطير اللذين أوصلتنا إليهما الحكومات المتعاقبة، ما يزالان يفرضان عملاً طويلا لتجاوز الأخطار المحدقة، وتحديداً على صعيد ملف المديونية الثقيل، حجماً ومخاطر.