في بلد عدد عزابه 2.8 مليون.. لماذا يتزوجون؟!
صنارة نيوز - 18/04/2024 - 11:28 amعمان- في بلد تصل البطالة فيه لمستويات تفوق 20 %، وجلها بين شبابه، تواجه طبعا بابتعاد فكرة الزواج أو تأجيلها لأجل غير معلوم، يتردد كثيرون من الراغبين في الإقبال على الزواج، حيث تتعدد التكاليف والمتطلبات من قبل أهالي الفتيات، فلا مناص من تحميل الشباب كلفا باهظة يبتدعون في تسميتها وتنويعها.
كلف الزواج تتوزع بين المهر وإقامة حفلة الخطبة وأخرى للزفاف، مما يكبد الراغبين في الزواج من غير المقتدرين ممن لا يساعدهم آباؤهم، مبالغ لا يستطيعون تقديمها، وهذا ما يفسر، إلى حد بعيد، ورقة حقائق أصدرها المجلس الأعلى للسكان، تبين أن 28 % من حالات الطلاق التي سجلت في المحاكم الشرعية في الأردن خلال الأعوام الثمانية الماضية "كانت قبل الدخول أو الزفاف".
وتكشف الأرقام السنوية لدائرة قاضي القضاة المستقاة من المحاكم الشرعية، أنه في فترة جائحة كورونا العام 2021، بلغ عدد واقعات الزواج 76003 حالات مقابل 64446 حالة في العام 2022، لتتراجع بنسبة 15.2 %، ومرد ذلك أن ذلك العام قد شهد فترة إغلاقات ومنع الاحتفالات وإيقاف الحركة في المطارات، مما حال دون تكبد تكاليف للزواج، وشجع المقبلين على الزواج لإقامة حفلاتهم دون كلف (أشبه بالمجانية!)، علما بأن أعداد واقعات الزواج هي الأعلى منذ العام 2018، وقد تكون الأعلى في تاريخ المملكة.
كذلك، فإن الشباب حديثي التخرج، وهم يشكلون السواد الأعظم من هذه الفئة، في العادة تكون رواتبهم في حال توفر لهم العمل فور التخرج، تقل عن 500 دينار، وبعد التخرج تكون الأولوية لشراء سيارة للانتقال بها إلى العمل، وهذا يفسر ارتفاع أعداد السيارات في شوارع المملكة لأكثر من مليون ونصف المليون مركبة، وغالبا ما تكون بالاقتراض لتقتطع جزءا من دخله لعدد من السنوات.
وفي السياق، نجد جلّ الشباب الراغبين في الزواج يفضلون الفتاة العاملة، لأن البعد المالي المعيشي يكون حاضرا في مسألة التخطيط للمستقبل، خصوصا أن ذلك يرتب عليهما إيجار شقة كنفقات جارية لتغطيتها في المتوسط بين (250-350) دينارا.
وكذلك، فإن مسألة مواجهة عدد من الحقائق للتخطيط للزواج، قد تثبط عزيمة الراغبين به، وهذا ما قد يفسر ما خلصت إليه ورقة الحقائق حول الطلاق في الأردن (2015-2022)، بأنه "ليست جميع حالات الطلاق هي لمتزوجين فعلا في واقع الأمر؛ أي أنها لم تحصل بعد الزفاف وبعد أن بدأ الطرفان العيش معا وتكوين أسرة جديدة"، والتي تشكل أكثر من ربع حالات الطلاق (28 %) التي سجلت في المحاكم الشرعية في الأردن خلال الأعوام الثمانية الماضية.
لذلك، البحث في سبر هذه المسألة بغاية الأهمية، ومن الضروري إجراء دراسة لمعرفة المشكلة وعرضها حتى يتسنى إيجاد الحلول الملائمة.
كلف الزواج تختلف تقديراتها ومستوياتها، لكن البعض منها يتراوح بين (15-20) ألف دينار، شاملة المهر وتجهيز المنزل وكلف الحفلات، وجمع مثل ذلك المبلغ، عند عدم إسهام الأهل، يعقد الوضع المالي على الشباب فيما بعد، لأنه سيرتب عليهم كلف أقساط قروض مصرفية، لكن الحقيقة تبين أن غالبية الأهالي عاجزن عن مساعدة أبنائهم، خصوصا أن الظروف المعيشية لا تسمح لهم بذلك.
لذلك، نجد أن الغالبية العظمى من حفلات الزواج ابتعدت عن العادات القديمة بتقديم ولائم الغداء وكلفها الباهظة التي وحدها ستحمل المقدمين عليها آلاف الدنانير.
وتشير الإحصاءات العالمية إلى أن الأردن احتل المرتبة 58 عالمياً في معدلات الطلاق الخام العام 2023، مما يستوجب ضرورة البحث في عرض إيجاد الحلول؛ لأن المعلومات التي توفرها دائرة قاضي القضاة والمستوحاة من واقع المحاكم الشرعية، فيها كثير من المعلومات التي تعد بحاجة لدراسات وافية.
ومعدل الطلاق الخام هو العدد السنوي لحالات الطلاق لكل 1000 من السكان، وفق لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (إسكوا).
تدخل الأهل من الطرفين لا يرحم من اشتعال النيران في المؤسسة الزوجية ليجعلها "هشيما تذروه الرياح".
ولعل العادات السيئة باستخدام أدوات التسوق الإلكتروني، جعلت من زيادة المصاريف أمرا طبيعيا لعدم اعتماد الأسر على الوجبات المنزلية بخلاف العادات السابقة.
إلى ذلك، تبدو هذه الظاهرة.. ارتفاع كلف الزواج في ظل تراجع معيشي واضح، مرتبطة ارتباطا وثيقا ومقلقا بظاهرة اتساع العنوسة بين الشباب والشابات، فنسب العنوسة في تزايد عاما بعد آخر، وباطراد يتناسب مع تردي الأوضاع الاقتصادية واتساع ظاهرة البطالة وانخفاض الأجور والرواتب.
هذه الظاهرة لا تقف عند بعدها النفسي السلبي، بل تتعداه إلى التسبب بظواهر ومشاكل اجتماعية وأمنية سلبية تؤثر على المجتمع كله وليس فقط على الأسر أو الأفراد، وتطرح العديد من التحديات أمام المجتمع والدولة.
يحاول المجتمع، عبر بعض المبادرات؛ كتنظيم احتفالات الزواج الجماعية، الاشتباك إيجابيا مع مشكلة ارتفاع نسب العنوسة وكلف الزواج، لكنها تبقى مبادرات محصورة تفشل أحيانا كثيرة في اختراق العادات الاجتماعية المترسخة تجاه القناعات المشوهة بضرورة إقامة الاحتفالات الفردية المكلفة.
ووفقا للأرقام الرسمية، فإن 2.8 مليون نسمة من سكان المملكة عازبون أو عازبات، منهم 1.3 مليون شاب و1.1 مليون فتاة؛ حيث تضاعفت أعداد الفتيات اللواتي تجاوزن 30 دون أن يسبق لهن الزواج.
كما تبدو محاولات التوعية والتثقيف والحث الديني على مراعاة ظروف الشباب وتخفيف الأعباء عنهم في الزواج غير مؤثرة كثيرا عند التجربة، لكن ذلك لا يمنع من الدعوة إلى أن يهب المجتمع، بمؤسساته ورابطاته، إلى وضع هذه المشكلة الواسعة على الطاولة لتشريحها وتقييم أبعادها الخطيرة على المجتمع والأفراد والبحث عن حلول جماعية حقيقية تحد من خطر توسعها واستمرارها.. على الأقل حتى لا يبدو السؤال الاستنكاري الذي بات يتردد عند كثيرين مشروعا: "لماذا يتزوجون؟!".
يوسف محمد ضمرة
الغد