إسرائيل تعاني من مشكلة العنف الجنسي
صنارة نيوز - 13/03/2024 - 9:23 pm
رغم أن مزاعم إسرائيل بشأن ارتكاب أعمال عنف جنسي في 7 تشرين الأول/أكتوبر تصدّرت العناوين الرئيسية باستمرار، حظيت تقارير عن أعمال عنف جنسي جماعي ارتُكبت ضد الفلسطينيين باهتمام أقل بكثير. مع ذلك، فإن قضايا العنف الجنسي والاغتصاب لم تبدأ في 7 أكتوبر، بل إن هناك سياقًا لفهم بيئة الانتهاكات الحالية.
وفيما تواصل الحكومة الإسرائيلية والصحافة الغربية تسليط الضوء على مزاعم لا أساس لها حول العنف الجنسي المسلح في 7 أكتوبر، وتتجاهل حالات الاغتصاب الموثّقة ضد نساء فلسطينيات، سُجّلت منذ ذلك الحين أيضًا، حالات متعدّدة من الاعتداء الجنسي من إسرائيليين على إسرائيليين. ووفقًا للبيانات المتوافرة، يبدو أن إسرائيل تحتل المرتبة الأولى في غرب آسيا من حيث حالات الاغتصاب الموثّقة، وهذا تحدّ مستمر تسبب في ضجة مجتمعية متكررة.
مشكلة صادمة في إسرائيل
في 8 شباط/فبراير، كشفت صحيفة "هآرتس" عن وجود 116 ملفًا يتعلّق باعتداءات جنسية وعنف منزلي ضد نساء وقاصرين من الإسرائيليين الذين نزحوا من المستوطنات الشمالية والجنوبية بسبب الحرب المستمرة. تم الكشف عن هذه الحالات خلال جلسة للجنة خاصة في الكنيست حول وضع المرأة والمساواة بين الجنسين، "ووبّخت رئيسة اللجنة، عضو الكنيست بنينا تامانو شاتا (حزب الوحدة الوطنية)، ممثلي الشرطة لفشلهم في جمع بيانات دقيقة من كل فندق (حيث يقيم النازحون) في ما يتعلّق بالعنف والاعتداءات الجنسية". ورغم الخلاف حول نقص البيانات الكاملة، تم تسليط الضوء على قضية اعتداء جنسي على الأطفال تورّط فيها شاب يبلغ 23 عامًا من العمر، أقام "علاقة مع فتاة في الـ 13 من عمرها، وكلاهما يقيمان في الفندق نفسه"، وقضية اغتصاب ارتكبها رجل لاحق امرأة إلى غرفتها. وإلى ذلك، لوحظ أن المصاعد كانت أماكن متاحة بشكل خاص للاعتداء الجنسي والعنف.
لم تقتصر حالات الاعتداء الجنسي على المدنيين الإسرائيليين بين حوالى 200 ألف نازح من المستوطنين. إذ كانت هناك ادعاءات موثوقة من جندية بأنها تعرّضت للاغتصاب على يد زميل لها خلال الحرب المستمرة على غزة. علمًا أن التحرّش الجنسي والعنف ليسا أمرين جديدين على الجيش الإسرائيلي أيضًا، فوفقًا لتقرير "هآرتس" حوالى "ثلث المجندات في الجيش تعرضن للتحرّش الجنسي مرة واحدة على الأقل في العام 2022". وأشار التقرير إلى أن معظم الضحايا يتجنّبن الإبلاغ عما حدث لهن، وأن "70 في المئة من الشابات اللواتي أبلغن عما حدث لهن ذكرن أن بلاغهن لم يتم التعامل معه على الإطلاق، أو لم يتم التعامل معه بشكل كافٍ".
عام 2020، تم الاعتراف بالمشكلة بعد تقديم 31 لائحة اتهام فقط في عام واحد رغم تقديم 1542 شكوى اعتداء جنسي في الجيش الإسرائيلي. وقد أثارت هذه الإحصائيات الخوف، مع ارتفاع واضح في عدد الشكاوى المقدّمة مقارنة بعام 2019 (1,239 شكوى) وعام 2012 (514 شكوى). وفي العام نفسه، أفادت التقارير أن 92% من تحقيقات الاغتصاب أغلقت من دون توجيه اتهامات. وفي 2020 أيضًا، اندلعت احتجاجات في أنحاء إسرائيل بعدما اغتصب 30 رجلًا بشكل جماعي فتاة تبلغ من العمر 16 عامًا، كانت في حالة سكر. وشاركت إيلانا وايزمان، من مجموعة حقوق المرأة الإسرائيلية، منشورًا جاء فيه أن "واحدة من كل خمس نساء إسرائيليات تعرضت للاغتصاب خلال حياتها، مع الابلاغ عن 260 حالة يوميًا".
في قضايا الاغتصاب والاعتداء الجنسي البارزة، يتحرّك النظام القضائي الإسرائيلي بالفعل، كما لدى إدانة الرئيس الإسرائيلي السابق موشيه كاتساف عام 2010 باغتصاب إحدى مساعداته والتحرش الجنسي بامرأتين أخريين. مع ذلك، أثير جدل حول إطلاق السراح المبكر لمرتكبي الجرائم الجنسية، بعد إطلاق كاتساف الذي قضى 5 سنوات فقط من محكوميته البالغة 7 سنوات. وفي عام 2022، أفادت جمعية مراكز أزمات الاغتصاب في إسرائيل (APCCI) أن 75% من مرتكبي الجرائم الجنسية في إسرائيل أُطلقوا قبل انتهاء مدة عقوبتهم.
بعد تقارير عدة عن حالات اغتصاب جماعي ضد قاصرين في آذار/مارس 2021، من بينهم طفلة في العاشرة، عادت قضية الاعتداء الجنسي لتحظى باهتمام الجمهور الإسرائيلي مجددًا. ووصفت (APCCI) آنذاك جرائم العنف الجنسي في إسرائيل بـ "الوباء"، مشيرة إلى أن معدل هذه الجرائم أعلى بنسبة 10% منه في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وخلص تقرير للكنيست في ذلك العام إلى أن نحو نصف حالات الاعتداء الجنسي بين عامي 2019 و2020 استهدفت فتيات قاصرات.
عام 2016، حذّر ناشطون من منظمة مراقبة المجتمع اليهودي من أن إسرائيل أصبحت "ملاذًا آمنًا للمتحرشين بالأطفال"، مع استغلال مرتكبي الجرائم الجنسية قانون العودة الإسرائيلي، الذي يسمح لأي يهودي بالمطالبة بالجنسية والعيش في فلسطين المحتلة، مما وفّر ملاذًا للمفترسين الجنسيين. بعد سنوات، عام 2020، بثّت شبكة "سي بي إس" الإخبارية الأميركية تقريرًا بعنوان "كيف يختبئ الأميركيون اليهود المتحرشون بالأطفال من العدالة في إسرائيل"، أظهر بوضوح أن هؤلاء المطلوبين يعيشون طلقاء في إسرائيل.
سلاح العنف الجنسي ضد الفلسطينيين
منذ بدء التطهير العرقي في فلسطين، أو بعبارة أخرى منذ تأسيس إسرائيل، تم توثيق عدد كبير من جرائم الاغتصاب كسلاح في الحرب ضد الفلسطينيين. وفي وثائقي صدر عام 2022، يحمل اسم المجزرة التي وقعت في قرية طنطورة، تم للمرة الأولى توثيق اعترافات بالفيديو لعمليات اغتصاب ارتكبتها كتيبة إسكندروني. كما سُجلت آنذاك العديد من حالات الاغتصاب الأخرى، منها على سبيل المثال، ما زُعم عن ثلاث حالات اغتصاب على الأقل لفتاة فلسطينية تبلغ من العمر 14 عامًا، خلال مذبحة الصفصاف في تشرين الأول/أكتوبر عام 1948.
لكن، مع صعوبة إثبات الاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي بشكل قاطع، من المهم أن نفهم أن الصهاينة استخدموا التهديد بالعنف الجنسي أيضًا كسلاح، كما في الظروف التي أحاطت بمذبحة دير ياسين عام 1948. ووثّق المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابي، في كتابه "التطهير العرقي في فلسطين"، تعمّد نشر قصص حول ارتكاب فظائع جنسية لدفع سكان القرى المجاورة الى الفرار. وفي مقابلات أجريتها مؤخرًا مع اثنين من الناجين من النكبة، قال كلاهما إنهما فرا من قريتيهما بسبب جرائم الاغتصاب في قرية دير ياسين.
خلال الغزو البري الحالي لقطاع غزة، نشر الجنود الإسرائيليون عددًا لا يحصى من الأفلام التي تم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي. وتظهر جنودًا ذكورًا يفحصون الملابس الداخلية للنساء الفلسطينيات، أو يرتدون ملابسهن الداخلية بشكل ساخر. وإلى جانب ما أشار إليه فريق خبراء تابع للأمم المتحدة مؤخرًا عن "ادعاءات موثوقة" بارتكاب جنود إسرائيليين في غزة اعتداءات جنسية ضد النساء الفلسطينيات، يشير ذلك إلى نمط واضح من العنف القائم على النوع الاجتماعي الذي يحدث خلال الحرب. كما تم تسجيل حالتي اغتصاب على الأقل، وحالات عدة من الإذلال الجنسي والتهديد بالاغتصاب. وأشارت ريم السالم، المقرّرة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالعنف ضد النساء والفتيات، إلى "أننا قد لا نعرف لفترة طويلة العدد الفعلي للضحايا". ورجحت أن يكون عدد الحالات أعلى من ذلك بكثير.
عام 2002، خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية، سيطر جنود الاحتلال الإسرائيلي على شبكات التلفزيون الفلسطينية في مدينة رام الله في الضفة الغربية، وبثوا مواد إباحية على عدد من القنوات. ومن الواضح أن ذلك تم بقصد الإذلال أخذًا في الاعتبار أن المجتمع الفلسطيني مجتمع محافظ.
واحدة من أبرز حالات الإذلال الجنسي حدثت العام الماضي بالقرب من مدينة الخليل في الضفة الغربية، وتطرّق الى تفاصيلها تقرير مشترك بين "هآرتس" و"بتسيلم" (المركز الإسرائيلي للمعلومات عن حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة). ففي 10 تموز/يوليو، اقتحم بين 25 و30 جنديًا إسرائيليًا منزل عائلة العجلوني، وأجبروا خمس نساء فلسطينيات على التعري، أثناء احتجازهن تحت تهديد السلاح وتحت التهديد بإطلاق الكلاب عليهن. إحدى النساء، تدعى أمل، أُمرت بالدخول إلى غرفة أخرى مع أطفالها وأُجبرت على خلع ملابسها. وذكر التقرير أن "الأطفال أُجبروا على رؤية والدتهم العارية تؤمر بالاستدارة وهي تبكي بسبب الإذلال. وبعد حوالى 10 دقائق تم إخراجها مع الأطفال من الغرفة شاحبين ومرتجفين".
وفيما لا يمكن تسجيل كل حالات العنف الجنسي التي ترتكبها القوات الإسرائيلية ضد النساء الفلسطينيات، إلا أنه من الموثّق جيدًا أن الأسيرات الفلسطينيات تعرّضن لبعض من أسوأ أشكال هذا العنف. خلال الانتفاضة الثانية، كانت هناك ادعاءات لا حصر لها بممارسة العنف الجنسي ضد النساء والفتيات في المعتقلات العسكرية الإسرائيلية، وهو اتجاه أفادت "بتسيلم" أنه عاد يشهد تصاعدًا. وأفادت المنظمة الحقوقية أن النساء اللواتي أُفرج عنهن مؤخرًا في صفقة تبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل، تعرّضن "للتهديد بالاغتصاب" و"للتفتيش بشكل مهين عدة مرات" أثناء اعتقالهن بشكل عنيف.
في ما يلي جزء من إفادة لمى الفاخوري (47 عامًا)، سجلتها "بتسيلم" بعد إطلاق سراحها من المعتقل: "جاء محقق وسألني بالإنكليزية عن رأيي في ما فعلته حماس. شتمني ووصفني بالعاهرة". قال إن هناك 20 جنديًا في الغرفة وإنهم سيغتصبونني كما اغتصبت حماس وداعش النساء اليهوديات في جنوب إسرائيل. وواصل شتمي وإطلاق التهديدات لي ولعائلتي. بعدها، أخذتني مجنّدة إلى غرفة أخرى كانت فيها مجندات أخريات، وقالت لي: "مرحبًا بك في الجحيم". أجلسوني على كرسي وبدأوا يسخرون مني وينادونني بـ "العاهرة مرارًا وتكرارًا".
وبعد إطلاق سراحها من السجون الإسرائيلية أواخر العام الماضي، تحدّثت براء أبو رموز إلى الصحافة عن الظروف "الكارثية" التي تواجهها الأسيرات الفلسطينيات. وقالت "إنهن تتعرّضن للضرب باستمرار. يتعرّضن للاعتداء الجنسي. يتم اغتصابهن. أنا لا أبالغ. السجينات تتعرّضن للاغتصاب".
عام 2022، أسقط جهاز الشاباك الإسرائيلي قضية اعتداء جنسي ضد امرأة فلسطينية، اعتقلت عام 2015، بسبب ما وُصف بنقص الأدلة، رغم اعتراف طبيب ومجنّدات بلمس الأعضاء التناسلية للمرأة بشكل غير لائق، واعتراف قائد السرية بإصدار الأوامر بذلك. وقد أُشِّر على الشكاوى المقدّمة من النساء أنه "لا جدال في ارتكاب أفعال تشكل اغتصابًا وممارسات شاذة".
ووفقًا للمسؤول الأميركي السابق جوش بول، فقد تلقى هو وزملاؤه أدلة موثوقة على أن القوات الإسرائيلية اغتصبت صبيًا فلسطينيًا يبلغ من العمر 14 عامًا في سجن المسكوبية في القدس. وكان الرد الإسرائيلي مداهمة مكاتب جماعة حقوق الإنسان التي نقلت المعلومات إلى وزارة الخارجية، قبل أن تصنّفها منظمة إرهابية.
وفيما يستحيل تفصيل كل حالة على حدة، من الواضح أن الجيش الإسرائيلي استخدم العنف الجنسي كسلاح ضد النساء الفلسطينيات، وبالتالي ضد بقية السكان أيضًا، وهذا ليس تطورًا جديدًا بأي حال. لكن الجديد هو أن الرواية الإسرائيلية حول ما حدث في 7 أكتوبر أثّرت بشكل واضح على الضباط الإسرائيليين في مناصب السلطة، وأدّت على ما يبدو إلى انتهاكات تسعى إلى تكرار ما زُعم أنه ارتُكب ضد النساء الإسرائيليات في ذلك اليوم.
ادعاءات الاغتصاب في 7 أكتوبر
وبينما تروّج الحكومة الإسرائيلية للرواية القائلة بأن حماس نفّذت حملة اغتصاب منظمة خُطط لها مسبقًا في 7 أكتوبر، وهو ادعاء لم يُجرَ تحقيق مستقل فيه ولم تُقدّم أدلة عليه، يتم تجاوز وتجاهل قضايا أوسع متعلقة بالعنف الجنسي. أبلغ دليل على ذلك أن منظمة "زاكا" الإسرائيلية للإنقاذ، التي اعتُمِد عليها إلى حد كبير في الحصول على شهادات الاغتصاب في 7 أكتوبر، تأسّست هي نفسها على يد مغتصب متسلسل هو يهودا ميشي زهاف، الملقب بـ "جيفري إبستين الحريدي". يشير ذلك إلى استخفاف قاس عند النظر إلى حالات العنف الجنسي من جانب الحكومة الإسرائيلية ووسائل الإعلام الغربية، في وقت لا تزال مجموعة مثل "زاكا" تؤخذ على محمل الجد بعدما ثبت كذبها المتسلسل وأن مؤسسها هو نفسه مرتكب للعنف الجنسي الجماعي.
مؤخرًا، أصدر مكتب ممثل الأمين العام للأمم المتحدة المعني بالعنف الجنسي في حالات النزاع، تقريرًا بعد زيارة ممثلته الخاصة، براميلا باتن، إسرائيل لمدة 8 أيام بناء على طلب الحكومة الإسرائيلية. أعدّ التقرير حول العنف الجنسي المزعوم فريق من 9 خبراء من الأمم المتحدة لم تكن لديهم صلاحيات استقصائية. وتصدّرت بعض استنتاجات التقرير حول هذه الادعاءات عناوين الصحف في وسائل الإعلام الغربية بأن الأمم المتحدة أكّدت رواية إسرائيل، وهو ما لا يدعمه التقرير بأي حال من الأحوال.
في حالة الادعاءات حول العنف الجنسي في كيبوتس بئيري، حيث ظهرت غالبية هذه المزاعم، لم يُعثر على أي دليل يؤكدها. وفي حالتين محددتين، كشف فريق الأمم المتحدة زيف الادعاءات المقدّمة باعتبارها "غير صحيحة"، خصوصًا في ما يتعلّق بحالة تم تداولها على نطاق واسع بالعثور على جثة امرأة نُزعت ملابسها الداخلية كدليل على الاغتصاب. إذ أكّد فريق الأمم المتحدة أن "مسرح الجريمة قد تم تغييره بعد نقل الجثث". وفي ضربة كبيرة أخرى للمزاعم الإسرائيلية، أشار التقرير أيضًا إلى أن تحقيقات وكالات الاستخبارات الإسرائيلية مع مشاركين مزعومين في هجوم 7 أكتوبر، لا تعتبر دليلًا يعتدّ به.
وفي كيبوتس كفار عزة، خلص التقرير إلى أن "النمط المتكرّر للضحايا الإناث اللواتي عُثر عليهن عاريات، ومقيدات، وقد أُطلقت النار عليهن - يشير إلى احتمال حدوث عنف جنسي، بما في ذلك احتمال تعرّضهن للتعذيب الجنسي، أو المعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة"، وأشار إلى أن "التحقق من العنف الجنسي ضد هؤلاء الضحايا لم يكن ممكنًا في هذه المرحلة". ورغم أن هذه الملاحظة التي أُخرجت من سياقها يمكن أن تكون بمثابة دليل معقول، إلا أنه بعدما وجد فريق الأمم المتحدة أن الإسرائيليين عبثوا بمسرح الجريمة في أماكن أخرى، فإن هناك حاجة إلى إجراء تحقيق مستقل للتأكّد من أن مسرح الجريمة هذا لم يتم العبث به أيضًا.
تجدر الإشارة أيضًا إلى أن الفضيحة الأخيرة التي ارتكبتها "نيويورك تايمز" - حيث اعترض بعض أفراد عائلة إحدى الضحايا التي زعم التحقيق أنها تعرّضت للاغتصاب ما قوّض مصداقية التحقيق حول استخدام حماس العنف الجنسي - كانت بمثابة ضربة قوية لمصداقية الرواية الإسرائيلية حول حملة اغتصاب جماعية جرت في 7 أكتوبر.
في المؤتمر الصحافي الذي عقدته بريميلا باتن، حول نتائج بعثتها للأمم المتحدة، اعترفت بأن أعضاء الفريق لم يجروا مقابلات مع أي ضحايا ولم يؤكدوا وجود حملة منهجية للعنف الجنسي. ولم تتمكن باتن وفريقها من نسب العنف الجنسي إلى أي جماعة فلسطينية مسلّحة محدّدة أيضًا، مما يشير إلى أنه حتى في الحالات التي اعتبروها كمؤشر على العنف الجنسي، لم تكن هناك أي أدلة موثوقة حول الجناة المحتملين.
وزاد الأمور سوءًا ما نشره مؤخرًا حساب بعنوان zei_squirrel على منصة X بأن رئيس المركز الوطني الإسرائيلي للأدلة الجنائية، تشن كوجيل، كان هو نفسه مسؤولًا عن نشر الدعاية المزيفة حول الاعتداءات، مثل كذبة الأطفال المقطوعي الرؤوس. وكان مركز كوجل مسؤولًا عن التعاطي مع مسألة الجثث في 7 أكتوبر، واعتُبر مصدرًا حاسمًا للأدلة على ادعاءات إسرائيل بشأن ما حدث للقتلى.
وفي حين أن هذه الادعاءات التي لا أساس لها، ولم يتم التحقيق فيها بشكل مستقل، تسرق العناوين الرئيسية بشكل متكرر، هناك حجة قوية للقول إن هذه الادعاءات كانت ولا تزال تحفّز على ارتكاب أعمال عنف جنسي جماعي ضد الفلسطينيين العاجزين. إسرائيل نفسها دولة مبتلاة بـ "وباء" الاعتداء الجنسي داخليًا، وقد استخدمت تاريخيًا العنف القائم على النوع الاجتماعي كسلاح ضد الفلسطينيين تحت حكمها العسكري، كما أن عدم الاهتمام بفظائع العنف الجنسي المستمرة التي ترتكبها القوة المحتلة يعكس بوضوح المعايير المزدوجة التي تعتمدها وسائل الإعلام الغربية في مقاربتها لهذه القضايا.