بين معركتي "تكريت" و"الموصل"

صنارة نيوز - 2015-03-09 12:39:17

محمد أبو رمان

لا تبدو الصورة واضحة تماماً عن سير المعارك بين الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي بقيادة مباشرة من زعيم فيلق "القدس" بالحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، وبين تنظيم "داعش" ومعه عدد من التنظيمات الإسلامية الأخرى حول تكريت.
بعد أخبار وتقارير تتحدث عن تقدم القوات العراقية في الأيام الماضية، بدأ "سقف التوقعات" بالتراجع مرّة أخرى؛ عندما تمّ الإعلان عن "توقف تكتيكي" للمعارك في هذه المنطقة. وتُمثّل قوات الحشد الشعبي، المكوّنة من مليشيات شيعية، قرابة ثلثي القوة الهجومية الحالية، ما يدفع إلى القلق من تعزيز الانطباعات المرتبطة بالظروف الحالية، بأن تأخذ هذه المعركة الصيغة الطائفية السافرة. وهو ما تبدو عليه إلى الآن، بخاصة مع الدور الإيراني المباشر والفعّال في قيادة هذه القوات ودعمها، والمشاركة في معركة "تكريت" الراهنة، بقيادة الجنرال سليماني الذي لم يعد يشعر بالحاجة إلى إخفاء دوره أو الاختباء وراء الكواليس، مع هذا الإعجاب الإعلامي الغربي الشديد به، وتحويله إلى "أسطورة" في طهران.
هذا الدور الإيراني المتزايد المتلبّس بصيغة طائفية، في معارك تكريت والجنوب السوري، لا يساعد أبداً في حلّ معضلة "داعش" الأساسية، وهي علاقتها بالمجتمع السُنّي؛ بل إن من يرصد تعليقات ومواقف السياسيين العراقيين السُنّة -مثل طارق الهاشمي- الذين يعادون "داعش" تماماً، يجد أنّ رؤيتهم لمعركة تكريت الراهنة تتباين تماماً عن السياسة العربية الرسمية التي تحشرها في خانة "الحرب على الإرهاب"؛ إذ يضعونها في سياق طائفي وصراع وجودي. ولا يختلف موقف النخبة العلمانية السورية من الاستراتيجيات الغربية الراهنة هناك!
بينما يبدو الموقف الأميركي غامضاً تماماً تجاه "معركة تكريت"، التي تُركت للقيادة الإيرانية، يكتفي الأميركيون بالإعداد لـ"معركة الموصل"، في لحظة تعاون غير مسبوقة على هذا النحو الكبير، بين "الشيطان الأكبر" و"حكومة الملالي"، ضد العدو المشترك لدى الطرفين معاً، وهو تنظيم "داعش" الذي خالف توقعات سطحية سادت في البداية لدى محللين غربيين، فلم يتخلّ عن وجوده في المناطق السُنّية في العراق، وينسحب إلى سورية. بل تشير تصريحات لمسؤولين عسكريين عراقيين إلى أنّ التنظيم عزّز تواجده في العراق، وقام بإرسال آلاف العناصر من سورية إلى المدن التي يسيطر عليها. ما يعني أنّ الحرب الحاسمة ستكون مع التنظيم في العراق، وليس في سورية.
في ضوء ما يجري من تطورات، وتدخل إيراني مباشر في العراق وسورية، تبدو معضلة الموقف العربي أكثر وضوحاً وسفوراً من أيّ وقت مضى. فمن الواضح أنّ انقلاب السياسة العربية تجاه ما يحدث في العراق وسورية، بعد سيطرة "داعش" على الموصل العام الماضي، لم يؤدِّ إلى تحول في الموقف الإيراني أو صفقة بين الطرفين، بل بعد أحداث اليمن تزداد الأمور سوءاً، ويزداد الشعور السعودي، تحديداً، في المعسكر المحافظ العربي، بالقلق والتهديد من هذا النفوذ الإقليمي الإيراني المتزايد.
القلق ليس فقط مما سيسفر عنه المشهد الراهن، في حال نجح سيناريو القضاء على "داعش"، من تكريس للنفوذ الإيراني الإقليمي، بل أكبر من ذلك بكثير هو من الموقف الأميركي نفسه، ومن نجاح المفاوضات الإيرانية-الأميركية الراهنة بخصوص الصفقة النووية، وما سينجم عنها، إقليمياً، من تفاهمات بين الطرفين، تعطي إيران النفوذ الواسع والكبير في كل من العراق وسورية ولبنان واليمن.
ربما هذا وذاك ما يفسّر التقارب السعودي-التركي الجديد، وإن كان متأخراً كثيراً؛ والتراجع في "حميمية" العلاقة بين الرياض والقاهرة. فما يحدث الآن من معارك في العراق وسورية سيحدد مستقبل الشرق الأوسط، وخريطة النفوذ والمصالح، والقوى الرابحة والخاسرة!