المرأة العربية.. أوقات صعبة..!

صنارة نيوز - 2015-03-08 10:27:45

علاء الدين ابو زينه

عد أربع سنوات تقريباً من المكوث في المنعطف العربي الحرج الذي بدأ بالأحلام وانتهى بالدم والحرائق، تبدو خيبة أمل المرأة العربية أكبر من خيبات الجميع. في مشاركات المرأة السابقة في ثورات الاستقلال والمشروعات الاجتماعية التقدمية، كانوا يغمطونها حقها في المكاسب: المشاركة المؤثرة في المؤسسات التمثيلية وصناعة القرار. أما هذه المرّة، فخسارتها متعددة الطبقات: لم تنتصر قوى الحرية والتغيير التي حملت للمرأة الوعود. وفي كثير من الأحيان، خسرت النساء اللواتي شاركن بقوة وفي طليعة الاحتجاجات كل شيء: الحلم الإنساني في التغيير، والحرية الشخصية، والحياة نفسها أحياناً. وفي الأماكن التي ابتليت بالحرب، فقدت نساء الزوج أو الابن أو الأخ أو كلهم جميعاً؛ بل وتشردن وخسرن الوطن والأمن والمعنى.
قبل "الربيع العربي"، وفي فترة من الهدوء الخادع على السطح، كانت مشكلات النساء والفتيات تمور في نظامنا الأبوي المركب. كانت الأخبار اليومية مليئة بعناوين لا تغيب: العنف ضد النساء؛ زواج القاصرات؛ الزواج بالإكراه أو المرتب؛ قتل الشرف؛ التحرش الجنسي؛ اللامساواة الجندرية في أماكن العمل؛ انخفاض نسبة مشاركة المرأة بشكل غير متناسب في النشاط الاقتصادي ومؤسسات الحكم. وبالإضافة إلى قضاياها الخاصة، تقاسمت النساء كل المظالم التي يعانيها الرجال والمجتمع ككل، من الفقر والبطالة والصعوبات المعيشية، والإحساس العام بالاختناق تحت ثقل السلطات وضيق الحيز الفردي. ودائماً دفعت المرأة الثمن الأثقل، حيث وجه الرجل المحبط سخطه إليها في كثير من الأحيان، في شكل العنف الجسدي واللفظي، أو تزويج الصغيرات من أجل المال، وعشرات المظالم الأخرى.
الجديد الذي جلبته السنوات الأخيرة على المرأة العربية مريع في أغلبه. وهو ليس جديداً بمعنى خروجه من اللامكان، وإنما بروز درامي لتجليات العقلية الأبوية التي كانت تعمل بهدوء كل الوقت، لكنها انفجرت وأفصحت عن نفسها مع فوضى الأحداث. ولأول مرة في خبرتنا الحديثة، أصبحنا نرى ونسمع ظاهرات وتسميات غريبة على معجمنا: النساء الإرهابيات؛ العرائس الجهاديات؛ النساء والفتيات السبايا، والمخطوفات –وغير ذلك من الأدوار والأوضاع النسائية المرعبة التي جلبتها ظاهرة العنف الأيديولوجي الفالت من كل عقال. وفي حين كنا نسمع عن هذه الأنماط من العدوان على النساء في أفغانستان والباكستان، أتت هذه التكوينات وأصبحت موجودة عندنا، وفي محيطنا وحيث وجد التطرف له موضع قدم.
في هذه البيئة الغارقة في الفوضى على نحو غير مسبوق، تُستخدم قضية المرأة لصالح كل طرف إلا المرأة. فعلى صعيد المنطقة، يجري إذلال كينونة المرأة بطرق فظيعة، عندما يختزل الأيدولوجيون المتطرفون مهمتها إلى مجرد إشباع غرائز العصابيين المبتلين بشهوة القتل والجنس. وبذلك تعاني المرأة اضطهاداً مزدوجاً. فبالإضافة إلى العقلية الذكورية التي تخصص للمرأة مكانة أدنى حتى من التبعية، تدفع معاناة المرأة التاريخية في بلداننا بعض الفتيات إلى التطوع لأداء هذه الأدوار التي يدعون لأدائها، فيعملن بلا وعي ضد أنفسهن وجنسهن ومجتمعاتهن. لم يكن متاحاً من قبل أن تأتي امرأة من أقصى الأرض إلى قلب العنف، ليعبث بها رجال وحشيون، وهي تظن أنها تخدم قضية شخصية أو إنسانية.
بالإضافة إلى المتاجرة المحلية بقضية المرأة، يضع الغرب هذه القضية نفسها في صدر مبرراته للتدخلات غير حسنة النية في منطقتنا. وفي أي حديث عنا، باعتبارنا النقيض الوحشي للغرب المتحضر، يذكرون معاناة النساء كسبب لإرسال الجيوش لتخليصها من قسوة الرجال العرب وعقيدتهم التمييزية المتعصبة – متقمصين المعتصم حين لبى نداء المرأة العربية الأسيرة: وامعتصماه! وفي الخطاب الانتهازي الذي يحترف نزع الظواهر من سياقاتها لتبرير الهيمنة، لا يذكر منظرو الإمبريالية كيف أن حرص مؤسستهم على تخلف عقل المنطقة وإمكاناتها، ودعم مستبديها، ونهب ثروات أهلها وإفقارهم وشل اقتصاداتها، هو أصل آلام المرأة العربية التي تتحمل أسوأ النتائج. والمنطقي أن المرأة لن تنال الحرية والمساواة في بيئة يكون فيها الرجل بلا حرية ولا تقدم ولا كرامة.
يتذكر معظمنا أوقاتاً سابقة أفضل للمرأة العربية، سواء في بساطة الأدوار، أو حرية المظهر والزي، أو المجالات التي أحرزت فيها تقدماً ملحوظاً؛ في التعليم والعمل والأدوار الاجتماعية. لكن العقود الأخيرة عكست وجهة معظم ذلك. وبالطبع، ستصلح قراءة أوضاع المرأة العربية وما استجد عليها أخيراً، لتقدير مدى رداءة وضعنا في هذه الآونة.