في حي وادي الجوز في وسط القدس الشرقية المحتلة، يتخوّف فتحي الكرد من أن تجبره السلطات الإسرائيلية على إخلاء مرآب تصليح المركبات الذي يشغله منذ 1966 لتنفيذ مشروع "وادي السيليكون" في المنطقة، فتقطع عليه وعلى كثيرين غيره، مصدر رزق عائلاتهم.
وأعلنت بلدية القدس مشروع "وادي السيليكون" في المنطقة الصناعية في القدس الشرقية في حي الجوز، وقالت إنه يمثل جزءاً من خطة لبناء مشاريع للتكنولوجيا الفائقة وأخرى تجارية وفندقية على مساحة 250 ألف متر مربع.
ولم يبلغ أصحاب الورش التي سيقام مكانها المشروع، بضرورة الإخلاء بعد، لكنهم يقولون إنه التنفيذ، يعني خسارة أكثر من مئتي ورشة تصليح مركبات، ومحل لمواد البناء، ومطاعم شعبية قوت العاملين فيها اليومي.
ويقع حي وادي الجوز على بعد مئات الأمتار إلى الشمال من البلدة القديمة في القدس الشرقية.
ويقول فتحي، الذي يعمل في المرآب مع اثنين من أبنائه: "ابني عنده أربعة أطفال. إذا توقف عن العمل أسبوعاً واحداً، يجوع هو وأطفاله".
ويضيف "لا نستطيع مواجهة هذه الحكومة، لكن نطالب بأن يقدموا لنا بديلاً على الأقل".
ويقول فتحي إن وضعه قانوني، مشيراً إلى عقد الإيجار الذي يشغل بموجبه المكان، وتراخيص العمل التي حصل عليها من بلدية القدس، ووزارة المواصلات الإسرائيلية، ودفعه المنتظم للضرائب.
ويقول ابنه مهند: "جاءنا في الصيف الماضي موظف من البلدية وأخبرنا بأن الإخلاء قادم لا محالة".
واحتلت إسرائيل الجزء الشرقي من المدينة بعد حرب 1967 وضمتها لاحقاً في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي.
ويعيش في القدس الشرقية نحو 200 ألف مستوطن، وأكثر من 300 ألف فلسطيني.
وأراضي المنطقة الصناعية هي أراض وقفية تملكها بعض العائلات الفلسطينية، بينها عائلة نايف الكسواني، الذي يقول إنه يملك ثلاثة دونمات.
ويجلس الكسواني في محله لبيع مواد البناء مرتدياً قميصاً أزرق، ويؤكد وجود مفاوضات مع البلدية الإسرائيلية على طبيعة المباني التي يمكن إقامتها.
ووفقاً للكسواني، فإن أصحاب الأراضي سيكونون بشكل أو بآخر شركاء في المشروع.
لكنه يرفض طلب البلدية حصر البناء في المشروع في الأعمال التجارية، كما يرفض طلبها إقامة فندق.
ويقول: "أريد تعويضي ماليا وإعطائي رخص لبناء محال تجارية ومكاتب وشقق سكنية".
لكن البلدية ترفض منح تراخيص بناء لشقق سكنية بما يزيد عن 20% من مساحة البناء، حسب الكسواني.
وليس أمام الكسواني خيارات كثيرة لتحقيق مطالبه. ويقول: "الوقوف في وجه الاحتلال لا يعطي نتيجة، المشروع قائم ورفضنا لن يغير شيئاً، لكن لا يجب أن خسر كلّ شيء".
ويشير إلى اجتماع سيعقد قريباً بين أصحاب الأراضي الفلسطينيين ونائب رئيس البلدية الإسرائيلي.
وستبلغ تكلفة المشروع حسب فيديو نشرته بلدية القدس، وتظهر فيه عمارات زجاجية شاهقة الارتفاع، نحو 2.1 مليار شيقل (حوالى 606 ملايين دولار).
ويعتبر المشروع، حسب بيان للبلدية، "جزءاً من خطة الحكومة الإسرائيلية الخمسية لتقليل الفجوات الاجتماعية والاقتصادية، وتوفير 10 آلاف وظيفة، وزيادة الثقة بين سكان المدينة الشرقية والبلدية والحكومة".
كما يهدف المشروع إلى "رفع نسبة توظيف النساء، وتعزيز مكانة المناهج الإسرائيلية أداة نحو التعليم العالي والتوظيف".
ويصف رئيس بلدية القدس موشيه ليؤون المشروع "بالتاريخي في القدس الشرقية".
لكن رئيس الغرفة التجارية الفلسطينية في القدس كمال عبيدات يرى أن أهداف الجانب الإسرائيلي المعلنة، مجرد "ادعاءات".
ويعتبر رئيس الغرفة التي يمنع عملها داخل حدود البلدية الإسرائيلية، أن المشروع يهدف إلى "تصفية الأسواق التاريخية وطمس معالم المدينة، وتهويدها".
ويؤكد عبيدات لفرانس برس أن القرار "فردي اتخذته بلدية الاحتلال في القدس"، التي تملك، حسب قوله "إمكانيات ضخمة" للتنفيذ.
أمام لافتة باللغتين العربية والعبرية عند مدخل ورشة كبيرة لدهان المركبات، يعتبر خليل الحواش الذي يعمل هناكمنذ أربعين عاما، أن هدف المشروع "تفريغ المدينة من الفلسطينيين".
ويرى الخبير الاقتصادي محمد قرش أن خسائر الورش الفلسطينية ستكون "كبيرة جداً ومدمرة"، مشيراً إلى أن إخلاء المنشآت يعني "البحث عن أماكن أخرى لاستئجارها وتكبد مبالغ مالية أكبر".
وينوي المتضررون من مشروع بلدية القدس تشكيل لجنة لمتابعة الملف.
وعبّر مسؤولون فلسطينيون عن معارضتهم للمشروع.
وقالت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حنان عشراوي، إن المشروع يمثل "جريمة حرب"، محذرة "الشركات من المشاركة في المشروع الذي سيعرضها للمساءلة القانونية والمالية".
واعتبرت حركة حماس على لسان المتحدث باسمها عبد اللطيف القانوع، أن المشروع "غطرسة صهيونية تأتي في إطار تفريغ مدينة القدس من مقدراتها الحيوية".