المحامي خضر ارشيدات اذ يبلغ الستين

صنارة نيوز - 2017-03-06 10:52:22

تعتبر المرافعات القانونية أحد أوجه الإبداع الأدبي والإنساني التي يدرك القلة من المهتمين أي نفائس لغوية وفكرية تشتمل عليها، وفقط بعض المحامين العرب استطاعوا أن يفرضوا أنفسهم على المشهد الفكري، ومنهم كان المحامي المصري الكبير أحمد نبيل الهلالي الذي استقطبت مرافعاته الشهيرة والجريئة المحامين والصحفيين والناشطين الذي وصفوه بقديس اليسار المصري لأن المبدأ القانوني كان يرتقي على أية اعتبارات أخرى، ويتقدم على ما هو شخصي أو سياسي، فترافع وبكل شجاعة عن الإسلاميين في قضاياهم معتبراً أن الحرية خبزاً يومياً لا يبيت دونه جائع.

في الأردن نماذج ترتقي لأن توضع في هذه المكانة، ومن بينها المحامي الأستاذ خضر ارشيدات ليس بوصفه صاحب وظيفة تتعلق بالقانون والعدالة، وإنما فارساً في ساحة العدالة التي يعتبرها حقيقته الأولى وانتماءه الأصيل.

فارشيدات من الأسماء التي استطاعت أن تشكل ظاهرة تستدعي الاهتمام في الأردن، وتشكل وحدها فصولاً من الأدب الوطني الذي لا يحظى بالذيوع الجماهيري المتعارف عليه، ولكنه يترك أثره في ممارسات المهنة وتقاليدها لانه في مقدمة المحامين الذين أعطوا هذه المهنة وقارها ورونقها في الأردن، وأحد خطوط الدفاع الصامدة التي تحافظ على هيبة المهنة ومكانتها الاجتماعية.

فعلى الرغم من اشتباكه الدائم مع أنشطته في مجالات المنازعات الحقوقية المختلفة، إلا أنه يستطيع أن ينتزع كل وقت من أجل أن يستثمره في عالم الفكر والأدب والثقافة سواء كان قارئاً أو مفكراً أو متأملاً أو باحثاً عن صحبة فكرية راقية تتيح له أن يحاور ويساجل ويحاور بكل هدوء وحكمة فلا ينزع إلى خفة أو تعصب.

وكأن ميزان العدالة الذي عادة ما يبقى منضبطاً بين فكرتي العدل والحقيقة ينتصب أمامه دائماً ويجعله بمثابة صوت الحكمة عندما تتعالى أصوات المثقفين ومدعي الثقافة في مناقشة أي أمر ومسألة. يمكن أن أستاذاً بخبرته وتاريخه يختصر من أوقات نومه وراحته من أجل أن يحافظ على لياقته الذهنية والفكرية، استطاع أن يتجدد دائماً وأن يتابع جميع تطورات الفكر والعمل القانوني في الأردن، وأن يضع نفسه بمثابة المرجعية في العديد من المواضيع والمسائل، فهو لا يبتغي شيئاً من الشهرة لأنه أساساً من المحامين المعروفين وسمعته العريضة وحدها توحي بالثقة والاقتدار.

كما أنه لا يطلب مالاً أو نفعاً مادياً في بعض القضايا لأنها بالنسبة له أحد الأوجه للعمل الوطني والنضال من أجل الارتقاء بالأردن على مستوى الإصلاح السياسي والاجتماعي، ولذلك يجعل من كل قضية تجربة مستقلة يعمل على إضافتها للثقافة القانونية والحقوقية في المملكة.

والمال ربما يأتي متأخراً ففي قضايا الحق والعدالة ما زال ارشيدات يحتفظ بروح المحامي المقاتل والمبدئي، أما معيشته فتتأتى من القضايا المتخصصة التي تتطلب عقلية قانونية مبدعة وروحاً مجتهدة ومخلصة لعملها الذي تعتبره مسيرة يجب أن تمضي باستقامة ونموذجية.

يبقى المحامي ارشيدات ظاهرة تستحق وقفة من أصدقائه المفكرين والكتاب الذين دائماً ما يجدونه السند حين يوغلون دون معرفة كافية أو بحماس زائد في بعض المناطق التي تجعلهم يجورون على الحقيقة أو يخلون بالعدالة.

ويأتي موقعه العائلي بانتمائه لواحدة من العائلات التي قدمت للأردن عشرات من الشخصيات الفاعلة والمؤثرة سواء في السياسة أو العمل العام ليجعله أميناً على هذه التقاليد المتجذرة لآل الرشيدات الذين اعتبروا من خرزات اربد وأعمدة المدينة التي شهدت حركة ثقافية نوعية جعلتها من أهم المنائر الفكرية في بلاد الشام.

خضر ارشيدات وهو يعبر عامه الستين ما زال متقداً ومتحمساً لمزيد من المنازلات والمعارك من أجل العدالة، ومن أجل قيادة التغيير في مجتمعه، فالقانون بالنسبة يتخطى مجرد القواعد المنظمة للعلاقات في المجتمع ليصبح أساساً وقاعدة لأي تطور وانجاز.

وارشيدات لا يرى أن القانون والعدالة يجب أن يكون مكانها الحصري قاعات المحاكم، وإنما يجب أن تمتد لجميع الممارسات والعادات والتقاليد.

والعدالة لدى الرشيدات تعني أيضاً الوقوف في وجه الأنانية والأغراض الشخصية تجاه مزيد من الإيثار والعطاء، ولذلك كان ابنه البكر الذي تربى في أركان بيت خضر متأثراً بشخصية أبيه ومبادئه يضرب المثل لأبناء جيله عندما تبرع بتكلفة حفل عرسه لمركز الحسين للسرطان في بادرة نوعية ربما ألهمت الكثيرين لمواجهة العادات القائمة المعبرة عن المجتمع الاستهلاكي وتقاليده.

لم يدفع خضر ارشيدات بأي من أبنائه لدراسة القانون، ولكن نموذجه الشخصي كان يلهمهم بأن يسعوا لنفس المسيرة التي بدأها الأب، وأن يحملوا رسالته في جيل جديد يمثلون من خلاله أفضل جوانبه وينهلون من خبراته الطويلة، كما مضت زوجته خلفه وكانت دائما الاقرب الى قلبه لتكون معينه في حياته العملية والاجتماعية.

ومع أنه يلامس الستين من عمره إلا أنه لا يفكر في التقاعد ولا يعتبره خياراً من الأساس، فهو ينتمي إلى جيل شارك في مرحلة البناء وكان وقتها شاباً طموحاً ومخلصاً وما زال ارشيدات يرى أن أمامه مسؤوليات جسيمة في قيادة الشباب المتحمس وتوجيههم ومنحهم خبرة سنوات كثيرة لتلقي بالضوء على كثير من المتشابهات التي يحفل بها العمل الوطني والعام،

“الإصلاح نيوز” تتوجه بالتحية والتقدير لأحد كتابها المتميزين المؤمنين بأن الإصلاح ليس مجرد أقوال أو شعارات أو نظريات ولكنه قبل ذلك قناعات تترجم نفسها في ممارسة متسقة مع ذاتها.

17

1111111




16
141312111

 1518