بسام بدارين
قد لا يجد أمين العاصمة الأردنية النشيط والمحنك عقل بلتاجي من يستمع للتصريح التوضيحي الذي قدمته الأمانة بشأن «شائعة» تتحدث عن اختلاس 176 مليون دولار تصدرت الأخبار والأنباء طوال اليومين الماضيين في الأردن.
كانت مفاجأة من العيار الثقيل تداولها الجميع خلال ساعتين مساء الخميس وأهم ما فيها أن صحيفة الحكومة الأولى «الرأي» هي التي نشرت النبأ، «مؤسسة التعاون الفرنسية منزعجة بسبب اختلاس المبلغ الكبير المخصص لدعم مشروع الباص السريع».
يفترض حسب خبر الرأي الذي تداوله الجميع وتصدر الوسائط أن الحديث عن هذا الاختلاس الضخم ورد على لسان البلتاجي نفسه خلال نقاش في مؤتمر تستضيفه عمان.
ساعتان فقط وبعد انتشار الخبر كالنار في الهشيم خصوصاً وأنه ورد في صحيفة الحكومة المغرقة في الانضباط صدر عن أمانة البلدية ما يفيد بحصول خطأ في النقل لأن البلتاجي كان يقصد شائعة تحدثت عن اختلاس مبلغ كبير خصصه الفرنسيون لدعم المشروع وساهمت في تأخر المشروع لولا تدخل «جلالة الملك».
لافت جداً أن النبأ الجديد انطلق بصرف النظر عن «خطأ مفترض» في النقل عبر صحيفة الحكومة ومن يتابع وسائط التواصل الاجتماعي حتى في اليوم الثاني يتصور بأن الرأي العام التقط الخبر السيئ ولن يتعامل او يتفاعل مع أي شروحات او توضيحات.
بدا ان وراء القصة ما وراءها خصوصاً وان صحيفة «الرأي» لم توضح او تعتذر او تسحب روايتها المنقولة وإن كان من الصعب تورط شخصية حكيمة وبارزة من وزن البلتاجي في تصريح من هذا النوع لأن رئيس بلدية العاصمة الذي يستعد بكل الأحوال لإخلاء موقعه بهدوء قريباً حسب مقربين منه سيرسل ملف القضية للتحقيق فوراً وبدون تردد لو كان صحيحاً.
رغم ذلك بدأ الناس يتداولون ويؤسسون شائعات على الشائعة المركزية ويسألون: أين تبخرت تلك الملايين؟… الإعلامي الأردني المقيم في الإمارات عبدالله بني عيسى نحت عبارة هادفة وعميقة وهو يتحدث عن مشروع «الباص الصريع» بدلاً من «السريع».
بلتاجي وهو أحد كبار المسؤولين وسبق ان تقلد مواقع وزارية عدة أعلن بأعصاب باردة خلال مؤتمر تقني مساء الخميس أن جهود الملك عبد الله الثاني هي التي أعادت وكالة التعاون الفرنسية لدعم مشروع الباص السريع في الاردن. التوضيح اللاحق للبلدية يوحي بأن مؤسسة التعاون الفرنسية سحبت المشروع بسبب شائعات محلية .
لكن الرأي العام لا يبدو مقتنعاً بالأمر حيث ان مشروع الباص السريع أثار أصلاً الكثير من الجدل بسبب تأخره الشديد فهو متجمد بسبب مشكلات في «التمويل» كما شرح البلتاجي في وقت سابق لـ»القدس العربي».
أمين العاصمة عمان شخص مخضرم ومن المستبعد أن يدلي بتصريح من هذا النوع عن سرقة مبلغ كبير من هذا الحجم قدم لبلاد كمساعدة دون ترتيبات مسبقة مع المؤسسات الرسمية في البلاد ودون ضوء أخضر وعبر الإعلام ومؤتمر علني .
لكن المسألة تسلط الضوء مجدداً على مشروع الباص السريع المتعطل لأن المبلغ كبير ويفسر للرأي العام تأجيل مشروع الباص السريع للعام الرابع على التوالي رغم تجهيز المرحلة الأولى منه بدون تشغيله فعلاً مما تسبب بازدحام شديد طوال هذه السنوات في قلب الشوارع التي حفرت من أجل باص سريع مدعوم من فرنسا لم يصل بعد.
بكل الأحوال وبمفارقة واضحة المعالم لم تختف الجزئية المتعلقة بالاختلاس عن المشهد العام بالرغم من الإعلان عن انها مجرد «شائعة» قيلت بصورة عرضية خصوصاً وسط رأي عام يصدق بأن الفساد المالي والإداري من مسببات الأزمة الاقتصادية التي تتحدث عنها الحكومة عموماً.
سيحتاج البلتاجي إلى وقت طويل حتى يعالج الهفوة التي حصلت لكن تأخير إطلاق المشروع لا زال علامة فارقة في قلب العاصمة عمان ويتفاعل معها كل عابر او مار في شوارعها، الأمر الذي يعني أن الشائعات يمكن ان تتحول إلى «انطباعات» تتفوق على «الحقيقة» كما يحصل عادةً في الأردن.