«البقشيش» .. الابتسامة هي الطريق الوحيد لدفع الزبون إلى منحه

صنارة نيوز - 2016-10-13 08:43:35

 في ابتسامة عريضة وكلمات معسولة وترحيب مبالغ فيه يحاول موظف الاستقبال بأحد المقاهي، لفت أنظار الزبائن من مرتادي المقهى .. فحين يشعر الزبون بالراحة والاهتمام كشخص مميز، حتماً سيعطيه (البقشيش) لحسن اهتمامه.
يدفع الكثيرون منا الـ»بقشيش» تعبيراً عن الامتنان والشكر والرضا عما يقدمه العامل في المطاعم والمقاهي أو الحمالون في الأسواق مقابل خدمات وأحياناً دون مقابل.

ورغم أن البقشيش الذي يُدفع للعمال لا يمثل رشوة بمفهومها القانوني، حيث لا يمثل جريمة إلا أنه يأخذ أحيانا شكل التسول أو الابتزاز لإجبار الزبون على الدفع وإلا تلقى خدمة سيئة رغم كونها مدفوعة الأجر مما يهدر حقوق المستهلكين في الحصول على خدمات متميزة دون دفع مبالغ إضافية.
وتأخذ ثقافة البقشيش نوعاً من المساعدة المادية للطبقات الفقيرة والعمالة البسيطة .. إلا أن آثارها السلبية دفعت الكثير من المجمعات التجارية لمنع الـ»بقشيش» نظراً لانعكاسه على سلوكيات العاملين الذين باتوا يسعون لبذل جهود مضاعفة لإرضاء الزبائن الذين يدفعون بقشيشاً مقابل تجاهلهم للزبائن الآخرين.
والبقشيش يُعرف أيضاً بالـ»بخشيش» ويسميه البعض إكرامية، وهو مبلغ يضاف إلى السعر الأساسي للسلع أو عند الخدمة، يطلبها في أغلب الأوقات عمال الخدمات مثل النُّدل وسائقو الأجرة.ويختلف مفهوم البقشيش حسب الدولة فيكون إلزامياً أحياناً، وفي بعض الدول يعتبر عيباً أو رشوة.تحدث الأخصائي النفسي محمدعامر  للدستور قائلا : قد يكون دفع البقشيش أحياناً ذوقاً وأحياناً إحراجاً وأحياناً أخرى إجباراً لكن لا يزال هذا المفهوم متبايناً في المجتمعات المختلفة بل وبين أفراد وفئات المجتمع نفسه إضافة إلى أن الإكرامية أوالبقشيش ظاهرة لم تعد محصورة بطبقة اجتماعية معينة، فانتشارها بات سلوكاً يومياً يمارس لأهداف تختلف تبعاً لدوافع كل شخص.
وبالرغم من أنها ظاهرة عالمية وصورة اجتماعية تأخذ شكل العرف في بعض الدول لا سيما المجتمعات العربية إلا أنه لا يزال مثار جدل في المجالس وبين الأصدقاء كونها ظاهرة ترتبط بجوانب اجتماعية واقتصادية مختلفة، فهنالك من يؤيده وبشدة بوصفه وسيلة تعبير جيدة للامتنان والرضا عن الخدمة المقدمة أو رغبة في الحصول على معاملة خاصة، وهنالك من يراه صورة من صور الوجاهة والاعتزاز، وعلى النقيض من ذلك تجد من يراه وسيلة للابتزاز بل وربما يرفضه كمبدأ.
وأضاف يبادر البعض الآخر إلى دفع البقشيش بدوافع عاطفية تجنبهم الإحساس بالإحراج فيدفعون البقشيش خجلاً من نظرات النادل في حال لم تضف له مبلغاً على الفاتورة، أو خوفاً من أنه إذا عاد إلى نفس المكان مرة أخرى لا يلقى الاهتمام والخدمة.

برستيج

يقول عمر ( مدير في قسم الطعام والشراب في أحد الفنادق): انتشرت ظاهرة طلب البقشيش في بلدنا بعد أن استوردها البعض من بلدان العالم الأخرى وبخاصة السياحية منها». ويوضح أنه سرعان ما تفاعل معها شبابنا، وأصبح موضة لديهم. أنا اليوم أشاهد دفع البقشيش أمام عيني كل يوم من بعض الشباب، ظنا منهم أنه مكمل للـ (برستيج) الذي يدعونه ويقول: الغريب أيضاً أن بعضاً منهم يقول أنه من العيب أن يأخذ باقي المبلغ الزهيد البخس أمام أصدقائه.
ويضيف: للأسف هذا ما أشاهده كلما ذهبت لأحد المقاهي المتخصصة في الكوفي. ويذكر أن «البقشيش يراه البعض إجبارياً، لكي يحصل على ما يريد قبل الآخرين، ويراه البعض اختيارياً. ويوضح: أنا لا أؤيد هذه الظاهرة ولا أحبذها. ويتوقع أن يأخذ البقشيش أبعاداً كبيرة حتى يصبح أشبه بالرشوة.أما محمد يقول : في مرة كنت خارج مع خطيبتي إلى أحد المقاهي وعندما دفعت الفاتورة وأخذت الباقي, صفنت وأخبرت عائلتها أنني بخيل !! والمبلغ جيد يدفع لنا أجرة وقوف السيارة.

رشوة أم إكرامية

تعرف سحر البقشيش بكونه نوعاً من أنواع بدل الخدمة الاختيارية التي يدفعها الزبون لقاء الخدمات الممنوحة إليه ويرتبط مفهومه بمدى قوة اقتصاد البلد وقوة الأنظمة والقوانين فيه ومدى احترامها من قبل السكان، وهي ثقافة تختلف مبادئها من مجتمع إلى آخر، وتتفاوت الدول بدرجات مختلفة حول مسألة قبوله أو رفضه، فهو غير قانوني في بعض الدول ويأخذ صفة الرشوة لضمان انجاز عمل ويعتبر إهانة في دول أخرى لأنه يأخذ صفة التمايز الطبقي فيما تنتشر هذه الظاهرة بكل مفاهيمها في معظم البلدان العربية بمعنى الرشوة أو بمعنى الاكرامية او بالمعنيين معا أو يفهم وكأنه حق وواجب مما يفتح المجال للمتطفلين من الذين لا يقدمون الخدمات الا بعد دفعه .
ترى سارة وليد طالبة جامعية أن البقشيش شيء جيد إذا كان على سبيل المساعدة أو الصدقة إلا إذا تحول إلى نوع من الرشوة التي لها عواقب على الفرد والمجتمع حيث إننا مجتمع مسلم ونتحلى بالصفات الحميدة والذي يدفع مالا مقابل أمر ما أو للحصول على أمر ما ليس من حقه الحصول على هذا الأمر لأنه لم يتعب به.
وأشارت إلى تحول الظاهرة إلى نوع من تشجيع التسول وعدم العمل بجد يعني تدمير الأخلاق وفقدان الثقة في الحصول على خدمة جيدة في الفنادق مثلا دون مقابل غير قانوني.
وأوضحت أنها تعرضت لموقف عندما كانت في الجامعة فعند ذهابها لشراء بعض الملازم فوجئت بملزمة مسربة وبها جميع ما تحتاج ورفض البائع إعطاءها الملزمة بنفس السعر المرفق على الملزمة بل طالب بمبلغ كبير لحصولها عليها ولأهميتها قامت بشرائها وهذا يعتبر نوعاً من الابتزاز.
أوضح الشيخ أبوعكرمة أن الأكرمية توضح معنى الكرم والعطاء دون مقابل وتعطى للشخص المحتاج وتكون نابعة من ذاته وتقدم بطريقة إنسانية راقية لمن يحتاجها وهي من الأمور المحببة في الإسلام.
وأكد أن السائحين يعانون من مشكلة البقشيش مع سائقي الأجرة والعاملين في الفنادق لافتاً إلى أن البقشيش ليس واجباً علينا بل يعطى من باب الكرم أما في حال تم طلبه دون طيب خاطر في الأماكن العامة مثل المطارات وفرضت عليه لدفع ودون رضا فهي حرام وتقع في باب الاستفزاز وعندما تعطي من طيب نفس وخاطر فيكون المال حلالاً ولا حرج من ذلك.ودلل بذلك: عن أبي هريرة‏ (‏رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال اليد العليا خير من اليد السفلي وابدأ بمن تعول‏،‏ وخير الصدقة ما كان عن ظهر غنى ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله ‏(‏رواه البخاري).

استغلال وطمع

ويرى خليل أن ظاهرة البقشيش موجودة في مجتمعاتنا. ويوضح أنها من أهم القضايا التي جعلت العمالة الأجنبية تطمع في جيوب المواطنين. ويضيف: للأسف نحن من أوجد هذه الظاهرة، ونحن من عود العمالة هذا الاستغلال الخطير، الذي إن قبِله شخص فسيرفضه أشخاص كثيرون. ويذكر أن الفئة التي تملك المال هي من تؤيد هذه الظاهرة، وتساعد في انتشارها.

اقرأ الفاتورة

تجدر الإشارة إلى أنه من المهم جداً تفحص الفاتورة، فبعض المطاعم تضمن الفاتورة ثمن الخدمة الإضافية Service Charge، وهنا يمكنك التغاضي عن دفع البقشيش أو الالتزام بنسبة معينة، لكن عندما لا تتضمن الفاتورة قيمة الخدمة، هنا يجب عليك دفع البقشيش، وإذا كنت تفضل الدفع بواسطة البطاقة الائتمانية، يستحسن أن تسأل النادل فيما إذا كان سيحصل على البقشيش من إدارة المطعم, وإلا فيكون من الأفضل دفع البقشيش نقداً بطريقة منفصلة عن الفاتورة.

البقشيش ليس مقبولاً ولا مرفوضاً   

أوضحت سعاد أن البقشيش ليس مرفوضاً على الإطلاق أو مقبولاً على الإطلاق، بل يمكن أن نتعايش معه. وأضافت، أن ذلك يتم اعتماداً على توفر ظروف معينة، منها طبيعة الخدمة المقدمة لنا، وهل هي خدمة عادية ضمن التكلفة المحددة للخدمة، أم أن هناك خدمة مضافة تكون قد طلبها مستقبل الخدمة، من مقدم الخدمة؟.
وقالت سعاد: البقشيش في هذه الحالة يقوم بتحديده متلقي الخدمة حسب رؤيته وإمكاناته. وذكرت، أنه إذا كانت الخدمة المقدمة من النوع العادي فلا أرى أسباباً كافية لتقديمه، إلا في حالات نادرة، مثل طبيعة ونوع العلاقة التي تربط مقدم الخدمة بمتلقيها. وأوضحت،أن البقشيش تقدره رؤية متلقي الخدمة لطبيعة وظروف الخدمة المقدمة ومن يقدمها ومكان تقديمها وهل هي فعلاً تحتاج إلى التحسين المقدم من دون إلزام.
وأشارت سعاد إلى أن هناك دوافع نفسية لمقدمي الخدمات المختلفة في المجالات المختلفة، حيث هناك شعور لدى مقدمي الخدمات بأن من حقهم تلقي البقشيش، وعند عدم تلقيهم البقشيش تكون النتيجة إظهار الامتعاض والسخط من متلقي الخدمة، أو عدم تقديمها في المرات المقبلة للزبون نفسه. وأضافت أن هذا يضطر الزبون إلى الخضوع أحياناً بضرورة تقديم البقشيش كمحفز لتلقي خدمة مميزة في كل مرة. وقالت: لا يمكن تحديد قانون يلزم كلاً من مقدمي الخدمة بعدم تلقي البقشيش أو ضرورة تقديمه أو منع متلقي الخدمة من تقديم البقشيش مثل عبارة (ممنوع إعطاء البقشيش) مثلاً.    

مواقف غريبة

تشير السيدة ديانا إلى تعرضها لموقف عندما كانت ذاهبة لأحد المراكز التجميلية لعلاج حبوب الشباب بالليزر وعند انتهائها من الجلسة لم تدفع للعاملة بقشيشاً وفي الجلسة الثانية دفعت لها مبلغاً من المال فغيرت أسلوبها وأصبحت ودودة واجتهدت لإرضائها بل أصبحت تتصل بها للتأكيد على الموعد وحضورها وتمنحها وقتا أكثر في الجلسة.
وأضافت: أنزعج عندما يكون من المفترض أن تقدم لي نفس الخدمات دون مقابل لأن الأسلوب يعكس استمراري مع هذه الجهة سواء مركز أو محلا أو أي شيء يعرض خدمات حيث إن الإنسان مسؤول أمام الله في تأدية عمله دون بقشيش أو شيء آخر بل يجب أن يكتفي بالشكر ومن واجبنا أن نؤدي الأمانة على الوجه الأكمل لننال رضا الله تعالى.
ويقول لؤي : تعرضت  لموقف محرج بسبب نسياني تقديم البقشيش لحامل الحقائب في أحد الفنادق في دبي, ففي مرة من المرات رافقني أحد العاملين في الفندق إلى الغرفة لمساعدتي في توصيل حقيبتي، فشكرته، لكنه بقي واقفاً في مكانه وكأنه ينتظر مني جواباً، ولكنه لم يسألني حتى أجيبه  وبقي واقفاً فشكرته من جديد، عندها لمح لي بأنه بانتظار البقشيش، فتسمرت في مكاني عندما تذكرت بأنني كنت على عجلة من أمري ولم أقدم له أي مبلغ من المال، فاعتذرت منه وقدمت له البقشيش لشكره على مساعدتي .

تقدير لنا

ويقول علي (عامل في مقهى): المال الذي يدفعه الزبون لنا هو تقدير لأعمالنا التي نقوم بها. ويوضح: دائماً نجد الزبائن يتخلون عن باقي حساباتهم لدينا، لثقتهم بما نقدمه لهم من خدمة. ويضيف: «أعلى ما حصلت عليه هو مبلغ 10 دنانير من أحد الزبائن، عندما وفرت له احدى الجلسات الخاصة في المقهى، لمشاهدة احدى مباريات فريقه المفضل.

صندوق الإكراميات

من جهته، اعتبر مدير مسؤول في أحد الفنادق عودة، أن الخدمة الجيدة حق للزبون، مؤكداً ضرورة ألا تتأثر بالبقشيش الذي يحصل عليه الموظف من الزبون ويقول: إنها إكرامية من الزبون لقاء ما يراه ويلمسه من تعامل وخدمة مميزة تنال إعجابه وأكد أنه لهذا الغرض تم وضع نظام صندوق الإكراميات، حيث تجمع فيه كل الاكراميات لتوزع بعدالة على الموظفين، ويؤكد أن الأصل فيها أن تكون منظمة ومضبوطة من قبل ادارة المحل لتجنيب الوقوع في الاهتمام بزبائن من دون آخرين .
وأشار مروان إلى قيمة الإكرامية تتفاوت من شخص إلى آخر، مؤكداً أن الأولوية في العمل هي إرضاء الزبون وجعله سعيداً ليعود مرة أخرى وليس تركيزنا في كيفية الحصول على البقشيش مستدركاً بالقول إن الزبون الذي يعطي البقشيش يحصل على معاملة مميزة .
يقول أحمد: انتشر مفهوم البقشيش بشكل كبير في المجتمعات العربية والخليجية كنوع من الكرم وتعدّدت معانيه فالبعض يعتبرها إكراماً للشخص وتقديراً والبعض يعتبرها رشوة لتحقيق أمر ما، فالرشوة مرفوضة في مجتمعنا وتعتبر حراماً لأن الشخص لا يستحقها بينما البقشيش يعتبر تقديراً للشخص.وأشار إلى أن كثيراً من الناس لا يؤدون عملهم بالشكل الصحيح إلا عند أخذ مبلغ من المال أو هدية ما على سبيل البقشيش، فمنذ فتره تعرّض صديقي لموقف ما عندما ذهب إلى الحلاق ولم يجد موقفاً وكان الموقف محجوزاً لصيدلية وعندما أكرم الرجل الذي يحجز الموقف بمبلغ من المال فتح له المجال ليقف بهذا الموقف ولكن إن لم يعطه لم يسمح له بالوقوف بحجة أنه محجوز.