إنقاذ الشركات المملوكة للدولة في الصين
صنارة نيوز - 2016-10-03 06:32:11بكينـ كان التباطؤ الاقتصادي في الصين موضوعا لحوارات، ومناقشات، ومقالات، وتحليلات لا حصر لها. وفي حين تتفاوت العلاجات المقترحة إلى حد كبير، فيبدو أن الإجماع قائم على أن المرض الذي يعاني منه الاقتصاد الصيني بنيوي. ولكن في حين تعمل المشاكل البنيوية، من تضاؤل العائد على رأس المال إلى ارتفاع تدابير الحماية منذ اندلاع الأزمة الاقتصادية العالمية، على إعاقة النمو بكل تأكيد، فهناك عامل آخر غير ملحوظ إلى حد كبير: دورة الأعمال.
على مدار عقود من الزمن، كان نمو الاقتصاد في الصين أعلى من 10 %، وبدا الأمر وكأن النمو منيع على دورات الأعمال. ولكنه لم يكن منيعا: فالواقع أن التباطؤ الذي دام لست سنوات في الصين بعد الأزمة المالية الآسيوية عام 1997 كان عَرَضا من أعراض هذه الدورة على وجه التحديد.
واليوم أدت دورة الأعمال في الصين إلى تراكم القروض غير العاملة في قطاع الشركات، تماما كما حدث في مطلع هذا القرن. وفي حين يظل معدل القروض غير العاملة، وفقا للبيانات الرسمية، أقل من 2 %، تشير تقديرات العديد من خبراء الاقتصاد إلى أنه في واقع الأمر أقرب إلى 3 % أو 5 %. وإذا كانوا على حق، فقد ترقى القروض غير العاملة إلى 6 % إلى 7 % من الناتج المحلي الإجمالي في الصين.
وأغلب هذا الدين مستحق على شركات مملوكة للدولة، والتي تمثل ثلث الناتج الصناعي، ولكنها تحصل برغم ذلك على نصف الائتمان الموزع من قِبَل البنوك الصينية. ورغم أن نسبة الدين إلى حقوق المساهمين في القطاع الصناعي ككل انحدرت على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية، فإن النسبة لدى الشركات المملوكة للدولة ارتفعت منذ الأزمة المالية العالمية إلى متوسط قدره 66 %. وهذا أعلى بخمس عشرة نقطة مئوية مقارنة بأنواع أخرى من الشركات.
لا شك أن الركود الذي يلوح في الأفق كان سببا في تحفيز تراكم الديون على هذا النحو، وربما بمساعدة من حزمة التحفيز الهائلة التي أقرها رئيس الوزراء السابق وِن جيا باو في العام 2009. ولكن تراخي الانضباط المالي هو الذي أدى إلى تمكين تراكم الدين. إذ تشعر البنوك بالأمان عندما تُقرِض الشركات المملوكة للدولة، مهما كانت مديونياتها، لأن الحكومة تضمن الديون بشكل ضمني. ونتيجة لهذا، لم يكن من المستغرب أن تتبنى الشركات المملوكة للدولة عادة النمو الممول بالاستدانة.
ولعل هذا لم يمثل مشكلة عندما كان اقتصاد الصين ينمو، ولكنه يمثل مجازفة اقتصادية بالغة الخطورة اليوم، ولهذا السبب اعتبرت الحكومة تقليص الديون واحدة من مهامها الرئيسية هذا العام. ولكن التنفيذ كان بطيئا، وهو ما يرجع جزئيا إلى فشل الصين في فرض قانون الإفلاس بشكل كامل.
ولأن البنوك التجارية غير مسموح لها بامتلاك أسهم في الشركات، فقد أدى هذا أيضا إلى إعاقة عملية تقليص الديون، حيث يمنع استخدام مبادلات الديون بالأسهم بشكل مباشر لخفض ديون الشركات المملوكة للدولة. ولابد أن يتغير هذا.
استخدمت الصين مبادلة الديون بالأسهم للحد من القروض غير العاملة في قطاع الدولة من قبل. ففي عام 1999، أنشأت أربع شركات لإدارة الأصول لشراء أضعف القروض من أكبر أربعة بنوك مملوكة للدولة، وبالتالي تحسين الاستقرار المالي لهذه البنوك. ونظرا لارتفاع معدلات النمو في الصين في الفترة 2003-2012، فقد حققت شركات إدارة الأصول أرباحا جيدة من تلك الأسهم.
اليوم أيضا قد تكون مبادلات الديون بالأسهم الحل الوحيد القابل للتطبيق لمشكلة القروض غير العاملة. ولكن لا تحتاج الحكومة إلى الاعتماد على الكيانات المملوكة للدولة لتولي هذه الديون. بل ينبغي لها بدلا من ذلك أن تسمح لصناديق الأسهم الخاصة، التي كدست مبالغ ضخمة من المدخرات وهي تنتظر فرص استثمارية جيدة، بالعمل كشركات لإدارة الأصول، فتسعى إلى الحصول على القروض غير العاملة بسعر مخفض.
الواقع أن هذا النهج لن يعالج مشكلة القروض غير العاملة فحسب؛ فمن خلال منح القطاع الخاص حصة في الشركات المملوكة للدولة يساعد أيضا في تحفيز الإصلاحات المعززة للأداء. فبرغم أدائها المالي الرديء، تتمتع الشركات المملوكة للدولة في الصين بمزايا عديدة، بما في ذلك المعدات الحديثة، وهيئة العاملين من الطراز الأول، والمنتجات القادرة على المنافسة. وتتلخص المشاكل التي تعيبها في سوء الحوكمة وسوء الإدارة ـ وهي المشكلة التي يمكن حلها من خلال مشاركة القطاع الخاص، كما أدرك كبارة قادة الصين العام 2013.
بطبيعة الحال، هناك بعض العقبات التي تحول دون تقديم مبادلات الديون بالأسهم بين القطاعين العام والخاص، بدءا بالتخوفات حول خسارة أصول الدولة. ونظرا لجسامة مشكلة ديون الشركات المملوكة للدولة ـ تتحمل الشركة الوطنية للسكك الحديدية وحدها ديونا تبلغ 3 تريليون يوان (أكثر من 40 مليار دولار أميركي) ـ تصبح الخصومات حتمية عندما يجري تحويل ديون الشركات المملوكة للدولة إلى شركات إدارة الأصول الخاصة. ومن الممكن أن يدفع هذا بعض الناس إلى التأكيد على أن الشركات الخاصة تحصل على مكاسب غير عادلة.
وللتغلب على هذه العقبة، يتعين على الصين أن تنخرط في تجارب محلية ـ النهج المجرب والمختبر الذي أرشد لفترة طويلة جهود الإصلاح في العديد من دول العالم ـ بدءا بالمناطق؛ حيث تكون مشاكل ديون الشركات المملوكة للدولة هي الأكثر حِدة. وسوف يساعد تنشيط الشركات المملوكة للدولة نتيجة لهذا أيضا في قمع أي شكوك حول مبادلات الديون بالأسهم مع القطاع الخاص.
تتمثل عقبة أخرى في الخوف من أن تشكل مبادلات الديون بالأسهم من خلال السماح للشركات المملوكة للدولة، مرة أخرى، بالتهرب من انضباط السوق، سابقة بالغة الخطورة. ولكن التحسن الطارئ على إدارة الشركات نتيجة لتقديم المساهمين من القطاع الخاص من شأنه أن يقلل بشكل كبير من احتمالات استمرار الشركات المملوكة للدولة في إساءة استخدام النظام المالي. وعلاوة على ذلك، تمثل قروضها غير العاملة تكاليف غارقة؛ ومبادلات الديون بالأسهم هي إلى حد كبير الطريقة الوحيدة لاسترجاع أي شيء على الإطلاق. من خلال السماح بمشاركة القطاع الخاص في مبادلات الديون بالأسهم، تستطيع الصين أن تصيب ثلاثة عصافير بحجر واحد: دفع عملية تقليص ديون الشركات المملوكة للدولة، وتعزيز إدارة الشركات في قطاع الدولة، وتحسين الكفاءة الاقتصادية. ومع التجريب المحلي، يصبح بوسع السلطات الصينية تحديد المسار الأكثر فعالية.
*مدير مركز الصين للبحوث الاقتصادية، وعميد في المدرسة الوطنية للتنمية في جامعة بكين.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت