جلالة الملكة: نعم نستطيع
صنارة نيوز - 2016-09-10 07:30:43د. ذوقان عبيدات
يهمني في بداية الحديث عن برنامج جلالة الملكة رانيا العبدالله، وليس خطابها، لإصلاح التعليم، أن اضع بين يدي الجميع الملاحظات الآتية:
1 - بدأت الدعوة لإصلاح المناهج المدرسية وإنقاذها من الدعشنة منذ عام، حيث عقد مركز دراسات نيسان ندوة برعاية معروف البخيت ناقشت فيها افكارا داعشية تسللت إلى مناهجنا وكتب ابنائنا واحفادنا ذات ليل معتم. ثم برزت حملة - غير منظمة- ولكن قوية قادتها جريدة "الغد" ساهم في هذه الحملة عدد من الخبراء والمفكرين والكتاب والمهتمين، ابرزوا جميعا ما يتعلمه ابناؤنا من خطاب الإلغاء والكراهية والجهل.
وظن بعض ان هذه الكتب نتاج جهالة اوغلت في إفساد العقول والقلوب، مع أنها كانت نتاج فكر تقليدي استبد بوزارة التربية والتعليم فترة طويلة من الزمن.
نجحت الحملة في محاصرة الفكر الداعشي في المناهج والكتب المدرسية وحددت أمام المجتمع النصوص والافكار الداعشية واسماء الكتب وأرقام الصفحات بما لا يقبل أي تشكيك.
وبطبيعة الحال، رفضت وزارة التربية هذا النقد، وانكرت وجود أي فكر داعشي، وقادت حملة مجتمعية مفادها: ان الحملة تستهدف الإسلام وليس المناهج، بل وما زال أحد منظري كتب التربية الوطنية يقول: انتم ضد الإسلام. هذا ما أعلنه في برنامج نبض البلد 5/9.
واتهمت وزارة التربية من قادوا الحملة بأنهم هواة يتسلّون.. ثم هددت بتحويلهم إلى القضاء. وبعد ذلك قامت بإلغاء أبرز كتاب داعشي معاصر: كتاب الثقافة العامة للصفوف الثانوية. ثم انتهت بالقيام بعمليات تجميلية مهمة جدا مع بداية العام الدراسي 2016 - 2017 حيث اصدرت كتبا مدرسية جديدة تكاد تخلو - لولا بعض الزوايا المعتمة من الفكر الضال والاقصائي. حيث استحقت الشكر حقا.
2 - استطاعت حملة تحرير المناهج، أن تشكل رأيا عاما محليا ورأيا عاما عالميا قويا. فالمناهج والكتب المدرسية صارت حديثا يوميا للمجتمع والإعلام الاجنبي، وتمثل هذا الاهتمام بما يأتي:
3 - هرعت التلفزيونات الاجنبية والعربية وبعض المحلية لعرض تقارير وصور للنصوص الداعشية في الكتب، ويمكن القول ان جميع التلفزيونات المحلية - عدا تلفزيوننا الوطني - ركزت على أهمية هذه الاحداث، بينما اتهمنا التلفزيون الوطني بالمبالغة. وهاجمنا بالاسم. كما شاركت الصحافة الاجنبية والغربية بإجراء التحقيقات حول هذا الموضوع.
- تم عقد ندوات اسبوعية تقريبا، لمناقشة المناهج والكتب المدرسية، مع تفاعل قوي، وما بين مصدق وشاك حتى يروا بأنفسهم كتبا ونصوصا عجيبة. ويمكن القول ان الآلاف من شبابنا شاركوا في هذه الندوات، مقابل مؤسسات معينة هاجمت هذه الندوات رابطة بين الدين والحملة لتحرير المناهج.
4 - وكان برنامج الملكة ايضا لا خطابها، نقطة تحول، حدد خلاله بعض المتفرجين موقفهم داعمين حملة إصلاح التعليم بقيادة الملكة بعد ان كانوا محايدين لا علاقة لهم بما يحدث.
لقد خلق خطاب الملكة جوا جديدا وبيئة جديدة إلى الدرجة التي برزت فيه عملية إصلاح التعليم اولوية وطنية، وأولوية رسمية، بعد ان كانت حلما عابرا لولا البرنامج الخطاب الملكي، وستعقد يوم السبت 10/2 أول ندوة مجتمعية لتحليل برنامج الملكة لإصلاح التعليم. وقد تعقد الندوة قبل نشر هذا المقال.
اذن خلق البرنامج الخطاب الملكي ربيعا وطنيا اصيلا هذه المرة، هذا الربيع اتسم بما يأتي:
أولا: لدينا قيادة حساسة جدا لضمير الوطن.
ثانيا: ان كسر التابوهات في الأردن امر متاح.
ثالثا: القيادة مستعدة مع المواطن لحماية براعم الربيع.
رابعا: بمشاركة التربويين داخل الوطن يمكن استمرار الربيع حتى الثمار.
خامسا: يجب قطع الطريق على الانتهازيين لقطف الثمار وتحويل الربيع إلى برد شديد دون مطر وغيث.
سادسا: للتعليم اولوية. ولن نتراجع.
سابعا: نعم نستطيع، وليكن هذا شعار المرحلة.
برنامج الملكة لإصلاح التعليم
طرحت الملكة برنامجا لإصلاح التعليم، وفي رأيي ان هذا البرنامج اتسم بما يأتي:
1 - انه مبادرة وليس استجابة، فقد بادرت الملكة بالتصدي لأخطر مشكلات تواجه المجتمع الأردني، وقد ارتكزت مبادرتها على المبادئ الآتية:
أ- تحليل علمي نظامي لمشكلات التعليم، فلم تتناول جانبا جزئيا على حساب جانب آخر. فكان البرنامج تحليلا نظاميا تناول مدخلات التعليم من أطفال ومعلمين وقوانين وإمكانات مادية واجهزة، وعمليات التعليم من تدريس وتدريب للمعلمين، وإعداد للمناهج والكتب، وللأنشطة التربوية اللازمة لتحويل المدخلات إلى مخرجات، كما تناولت مخرجات التعليم من نتائج لطلابنا في الاختبارات المحلية والعالمية، ونسب النجاح والترسيب - وليس الرسوب- في امتحان التوجيهي، اذن نحن أول تفكير نظامي Systemical Approach يحلل المدخلات والعمليات والمخرجات ويهتم في بيئة النظام "المجتمع" وفي الانظمة التي تزوده بالمدخلات والانظمة التي تستمد منه المدخلات خاصة التعليم العالي وسوق العمل والمجتمع.
ب- اخذت بالاعتبار واقع المشكلة، وما كتب عنها، ولذلك جاءت الخطة مبنية على مصادر موثوقة من دراسات وتحليلات وافكار وآراء، ونقاشات، عبر ندوات ومقالات واجتماعات ساهم فيها الآلاف من ابناء الشعب.
ومع انني اثق في أن برنامج الملكة كان مبادرا الا انه لبّى حاجات المجتمع، وربما صرخات عديدة طالبت بوضع حد لما سمي بالتلوث التربوي، المتمثل بترسيب الطلاب لا رسوبهم واضطرار الآلاف إلى الهرب إلى عمق تركيا والسودان تحت شعار ضبط التوجيهي، وإلى قرارات ذات صلة بالتعليم المهني أو المناهج وغيرها.
فالخطاب -البرنامج الملكي، جاء منسجما مع حاجات تربوية حقيقية.
2 - انه مستقبلي وليس مجرد تصحيح لماض أو حاضر. فالمستقبل من وجهة نظر الملكة هو الاحفاد والابناء، هو وجوه أطفال الروضة وأطفال ما قبل الروضة سنة 2025 أو ربما ابعد من ذلك، فالسؤال هو: ماذا سنقدم لهم؟ هل نقدّم شكوى مريرة من ضعف التعليم أم أملا باسما في بيئة تعلم سعيدة.
ان بيئة التعلم السعيدة والمستقبلية تتضمن:
أ- منهجا علميا حداثيا يأخذ القيم الإنسانية جنبا إلى جنب مع تكنولوجيا المستقبل، وتأخذ ايضا قدرتنا على الاسهام في حضارة الانسانية، بعيدا عن اوهام الماضي، ومهما كان الماضي مشرقا، فإن أي أمة لم تنهض باعتمادها على تراثها فقط، وحتى الحضارة الإسلامية قامت على علوم العصر، والثقافة اليونانية، والفلسفة، والفن ولم تقم على تراث العرب قبل الإسلام.
فالنهضة العربية الإسلامية الأولى، قامت على الحداثة وحتى النهضة الثانية - نهضة مصر- قامت على حداثة نابليون ومحمد علي وعلوم العصر، فهل هذا كاف لوضع حد للجدل حول الرجوع إلى الماضي؟
إن المستقبل يعني كما قالت جلالتها احفادنا وابناءنا وان مسؤولية جيلنا هي أن نترك لهم عالما نظيفا صادقا، حرا، غنيا، تطبيقا للقول: هذا العالم ليس ملكا لنا ورثناه عن اجدادنا وآبائنا، بل دين علينا استلفناه من ابنائنا واحفادنا، وعلينا ان نرده لهم بأحسن ما نستطيع، هذا ما فهمته من الخطاب البرنامج.
ب- وغني عن القول، ان المستقبل بدأ منذ مدة، وعلينا أن نركض للحاق به، لا أن نجلس لانتظاره، فقد جاء المستقبل من زمان:
انه مستقبل سوف يأتي حتما،
ومستقبل نرغب في أن يأتي،
ومستقبل يجب أن نمنع قدومه،
والخطاب البرنامج انحاز إلى مستقبل نرغب في أن يأتي، وهذا من وجهة نظر الملكة يتطلب ان نستعد له، ومعنى ان نستعد له:
- ان نرسم صورة مواطننا في المستقبل.
- ان نوفر بيئة تعلم مناسبة لمواطننا طفلا أم راشدا.
- ان نوفر ادوات بنائه ومتطلبات هذا البناء.
اذن مطلوب منا، فلسفة تعليم مستقبلية لا مجرد كتب ومعلمين وامتحانات.
جـ - والمستقبل يعني أن نعد أطفالنا على مهارات واتجاهات مستقبلية، منها:
- مهارة التقدير ومهارة القياس.
- مهارة التوقع ومهارة التنبؤ.
- مهارة التخطيط والتأثير في الاحداث.
- مهارة الشك بدلا من مهارة اليقين
- مهارة وضع الفروض.
د- والمستقبل يعني، حلما، يجب ان نهيئ له فرص التحقق، فلا وقت لإجراءات روتينية، ولا مقدمات انشائية، فالمستقبل كما ذكرت أكثر سرعة مما نتوقع، وتحقيق المستقبل يتطلب روادا مستقبليين لا أشخاصا مشدودين إلى لا اتجاه!!
هـ - ولا نستطيع التحدث عن المستقبل دون معلم المستقبل، والمعلم كما رسمه الخطاب البرنامج معلم راغب مدفوع محفّز (سأتحدث عنه في مقالة قادمة للأهمية) اختار المهنة ولم تفرض عليه. وملامحه هي معلم يتحدث خمس دقائق فقط، تنظيما وتوجيها، ويترك باقي الوقت تعلما ونشاطا وممارسة طلابية، انه معلم الدقائق الخمس، حيث لا وعظ ولا تلقين ولا تسميع ولا....
3 - والخطاب البرنامج الملكي: خطاب اللحظة. وخطاب اللحظة يعني أن هناك شبابيك للعمل والتعلم، ولحظات خارقة لو امكن التقاطها لسرنا في الطريق الصحيح، فلكل تعلم وقت، ولكل حدث وقت.
اذن التقط الخطاب البرنامج اللحظة المناسبة، حيث المجتمع الأردني في قمة "التوتر التربوي". وهذا يعني انه سيدعم لحظة التغيير، طبعا التغيير على سرعته قد يتطلب وقتا ومدة، ولكن إحداث التغيير في اللحظة المناسبة يسهل كثيرا نجاح التغيير.
وانا اقول التقطت الملكة "اللحظة العبقرية" التي تصلح للبداية الناجحة، والاستمرار الناجح وعدم التوقف، فالتغيير رحلة دائمة.
وكي لا تفوتنا هذه اللحظة العبقرية - لحظة الابداع، فإننا مطالبون جميعا بالوقوف مع هذه اللحظة، وإقناع المترددين او المشككين!!
4 - والخطاب الملكي البرنامج، خطاب مشاركة وشراكة فلا مجال للعمل الفردي، ولا الفئوي. ولن يحدث التغيير دون شراكة ومشاركة.
فالطالب شريك، والمعلم شريك، والأهل شركاء، فلكل دوره، والتغيير يصنع ولا يفرض، والصناعة عمل جمعي.
اننا بحاجة إلى حملة لكسب اعداء التغيير.
5 - إن الخطاب البرنامج الملكي إلى جانب استراتيجية تنمية الموارد البشرية خلقا بيئة تربوية فكرة محفزة، وستكون الاستراتيجية موضوعا لمقالة قادمة.
تحية إلى ملكة شجاعة جريئة، مثابرة، متابعة، ومنقذة، وهذا هو دور الرائدات.
وأخيرا، جلالة الملكة: نعم نستطيع!!