هل ذهب هدوء الأردنيين؟
صنارة نيوز - 2016-06-11 09:42:33
كتب : عواد الخلايلة - لم تكد تمضي أيام قليلة من شهر رمضان حتى انشغل وصُدم الاردنيون بحوادث قتل نتيجة مشاجرات وقعت في مناطق مختلفة من المملكة.
هدوء الاردنيين أصابه الكثير، وهو يصبح ضجيجاً عاماً بعد آخر، فيما القلوب تغيرت وتبدلت حتى بين العائلة الواحدة فما بالك بالجيران بعضهم بعضاً.
نعرف أن الشياطين تصفد في رمضان، ولكن ما الذي ينفجر بآثاره السلبية في هذا الشهر الفضيل ما يجعله أكثر شراسة من غيره؟!
بين الناس، تجد جواباً واحداً لذلك، هو الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعانيها أغلب الأسر الأردنية.
وبغض النظر عن الظروف الأخرى، نجد أن الاوضاع المعيشية المتغيّرة والمتزايدة الأعباء والكلف والمخاطر، تقف قاسماً مشتركاً وسبباً رئيساً لكثير من مشاجراتنا ومشاكلنا وتغيّر النفوس.
وفي الواقع، لا شيء تغير؛ فشهر رمضان يهلّ على المواطن الأردني وهو يعاني من نفس ما عاناه في رمضان الماضي.
ورغم ان دخل أغلب الأردنيين لم يتغير؛ فإن العجز بين هذا الدخل والنفقات بارتفاع، والاسعار كما في كل رمضان الشغل الشاغل للمواطن والاسرة، فيما التراجع التراكمي في مستوى المعيشة يتحول أثقالاً اضافية على كاهل الجميع، وهو ما يجد له تعبيراً في ضعف القدرة على التكيّف مع اوضاع معيشية صعبة.
ما يعاني منه الفرد والاسرة ليس وليد رمضان، بل هو نتيجة البرامج والسياسات والقرارات التي اتّخذتها الحكومات، وتغاضيها عن الهدر والفساد، وإنفاقها غير المنتج، وهي تعبير عن المأزق الذي يعيشه الجميع، والذي ينفجر بآثاره السلبية في رمضان كونه شهر الإنفاق الاول؛ الذي يعلم المواطن انه سيتحمل فيه الكثير من الاعباء دون ان يتمكن من ادخار ولو جزء بسيط من دخله لمواجهة اعباء ومتطلبات الشهر.
لقد تحول شهر رمضان من شهر للخير والتكافل والتضامن وبفعل سيادة الروح الاستهلاكية؛ وتغيّر القيم والعادات، إلى شهر يحاول الكثيرون تمضيته باقل الخسائر الممكنة، باختصار الدعوات للافطار الرمضاني، او الاعتذار عن الافطار عند الغير حتى لا يضطروا لدعوتهم للافطار لديهم، وهو ما أثّر بشكل واضح على العلاقات الاجتماعيّة والعائليّة، وفق ما يرى المحلل الاقتصادي حسام عايش.
ولعل تزايد معدل الفقر الذي تجاوز 14% بكل تأكيد، وارتفاع معدل البطالة إلى ما يزيد على 14% لاول مرة، واكتظاظ الاردن بالقادمين اليه من سوريا، والوافدين من العمالة، ما رفع عدد السكان بحوالي 3 ملايين انسان جديد على الاقل، قد ساهم هو الآخر في الحالة المعيشيّة الصعبة للاردني ولغيره، وأدى من بين امور اخرى الى مشكلات تتعلق بالضغط على الموارد القليلة، وفاقم من مديونية الدولة التي ناهزت 35 مليار دولار، وراكم من عجز الحكومة عن القيام بخطوات او مبادرات نحو تحسين رواتب الموظفين، وهي ترزح تحت الالتزام بدفع فوائد المديونية التي تزيد عن 920 مليون دينار سنويا.
وفق هذه المعطيات، يقول عايش، يحل شهر رمضان الذي يتطلب قدرات استثنائيّة من المواطنين للتكيّف مع تكاليفه فيما الحكومة تفاوض صندوق النقد الدولي للتكيف مع برنامج جديد للاصلاح الاقتصادي يتطلب من بين امور اخرى زيادة الاسعار، والحصول على مزيد من الايرادات أي فرض ضرائب ورسوم جديدة، وهي كلها على اهميتها وصفات للمزيد من الضغط على الناس لزحلقة من بقي منهم صامدا كاحد افراد الطبقة الوسطى نحو الطبقة الفقيرة التي تنمو بسرعة قياسية بعد ان تخطت كونها جيوباً؛ لتتحول إلى ظاهرة عامة تعمّ الأرجاء.
الاوضاع في رمضان هي نفسها اليوم وامس، وهو ما يجعل الترحم على الزمن الرمضاني الجميل حال الكثيرين؛ عندما كانت احوالهم اقل تعقيدا، ومعيشتهم اكثر بساطة، وعلاقاتهم افضل حالاً، وخزينة الدولة جيوب مواطنيها فعلاً، أما اليوم فلا جيوب للمواطن ولذلك فالعجز يضرب خزينة الحكومة.
'لو كان الفقر رجلاً لقتلته'، أو 'لأطعمته' تكمن معادلة الأردن وهدوئه، وهنا على الحكومات النظر إلى هذه المعادلة دون غيرها، لأن 'الجوع كافر'.