عزمي حجرات يكتب: الثورة العربية الكبرى ودورها في ترسيخ حقوق الانسان

صنارة نيوز - 2016-05-30 11:51:34

 

بقلم الدكتور عزمي عارف حجرات:

ان الثورة العربية الكبرى ثورة نهضوية ورسالة قومية عربية حققت آمال الآمة وتطلعاتها في الاستقلال والحرية والحياة الكريمة. فالاحتفال بمئوية الثورة هو احتفال بالمنجزات التي تحققت في الأردن بفضل القيادة الهاشمية في شتى المجالات.

أثبتت المصادر التاريخية أن بنو هاشم تحملوا مسؤولية قيادة الأمة منذ فجر التاريخ العربي، ولم يأت هذا الدور القيادي محض صدفة، إنما كان نتيجة تطورات وتجارب تاريخية أثبتت كفاءتهم القيادية، وتميزهم على كافة المستويات مما مكنهم من نيل احترام العرب وتقديرهم قبل الإسلام. وجاءت الإرادة الإلهية بظهور الدعوة الإسلامية لتعزيز مكانة بني هاشم، ليس بين العرب فحسب بل بين الناس جميعاً، ومنحتهم ميزات إضافية في أمور السيادة والقيادة. والمتتبع للتاريخ الإسلامي يجد أن الهاشميين منذ فجر الإسلام حملوا مسؤولية الدفاع عن وحدة الأمة وكرامتها، وشكلوا المظلة التي احتوت البعدين العربي والإسلامي، ووازنت بينهما، بحيث لا يطغي أحدهما على الآخر، ونقطة الارتكاز التي تلتقي حولها كافة الاتجاهات الإسلامية.

ومن هذا المنطلق، شكل دورهم في تحقيق وحدة الأمة ونهضتها في العصر الحديث، استمراراً طبيعياً لدورهم الذي مارسوه على مر العصور على المستوى العربي والإسلامي؛ لذلك يمكن القول إن رؤية القيادة الهاشمية الوحدوية تستند إلى جذور تاريخية طويلة مرت بها الأمة العربية، وتغذيها مبادئ الإسلام الحنيف، والثورة العربية الكبرى، وإرادة الأمة وطموحاتها وآمالها.

طلاق أعلن الشريف الحسين الثورة العربية الكبرى في 10 حزيران 1916م، وأطلق بنفسه في ذلك اليوم أول رصاصة على قلعة الأتراك في مكة، إيذاناً بإعلان الثورة وتولى أبناؤه الأربعة: علي، وعبدالله، وفيصل، وزيد قيادة قوات الثورة التي انطلقت من مكة المكرمة لتحرير الأقطار العربية، وتمكنت هذه القوات من تحرير الحجاز وفرض الحصار على المدينة المنورة، وتمكنت قوات الأمير فيصل من نسف سكة حديد الحجاز، واحتلت ينبع والعقبة، وخاضت معارك عديدة ضد القوات التركية في معان، والطفيلة، وتقدمت شمالاً حتى بلغت الأزرق. وتقدمت قوات منها نحو دمشق فدخلتها في 30/9/1918م، ودخلها الأمير فيصل في 3/10/1918م، واستمرت قواته في ملاحقة القوات التركية المنسحبة إلى ما وراء حلب حتى توقف القتال بإبرام الهدنة في 30/10/1918م، وأعلن الأمير فيصل في 5 تشرين الأول 1918م عن تشكيل حكومة عربية بدمشق، معلناً بذلك بداية عهد جديد في تاريخ بلاد الشام.

لقد كانت الثورة العربية الكبرى ضربة قاصمة للاستعباد، والاضطهاد العثماني في الأقطار العربية، ولم تكن ثورة على الخليفة والإسلام، ولكنها كانت ثورة من أجل الخليفة الذي جرده الاتحاديون من سلطاته، ومن أجل الإسلام الذي شوهه وعطله الاتحاديون، فهي ثورة عربية إسلامية، وكما جاء في منشور الشريف الحسين لأهل فلسطين قوله: نحن نحارب من أجل غايتين شريفتين: حفظ الدين، وحرية العرب عامة

أن الثورة العربية الكبرى في فكرها وأهدافها تتقاطع مع فكر وأهداف الربيع العربي في الثورة على الأنظمة الاستبدادية وإشاعة العدالة والمساواة والحرية بين الأفراد، فالثورة كانت ثورة عربية إسلامية ذات جذرين قومي وديني، ولم تكن ثورة ضد الدولة العثمانية الاسلامية بل كانت ضد التتريك الذي انتهجه حزب الاتحاد والترقي في ذلك الوقت، قادة الثورة باعتبارها الجامعة للعرب على هدف واحد وهو الحرية ونهضة العرب، لذلك كانت هذه الثورة هي "ثورة الذات العربية والكينونة العربية.

رسخت الثورة العربية الكبرى مفهوم العالم العربي كوحدة سياسية متكاملة، وساهمت في إحياء ونهضة اللغة العربية عبر حركة أدبية مبدعة، مرتبطة بالشعور القومي العربي، فمواقف الأردن القومية وتضحيات الهاشميين إزاء قضية فلسطين والقدس واللاجئين السورين تترجم إرث مبادئ الثورة العربية الكبرى والنهضة العربية، وهي مستمرة عبر مختلف الأجيال.

من أهم المبادئ التي حققتها الثورة العربية الكبرى:-

الحرية والعدالة والاستقلال:قامت الثورة العربية من أجل حرية العرب، وصيانة حقوقهم، ونيل استقلالهم، فالثورة مثلت مشروعا لاستنهاض وبناء الأمة، والحاجة مستمرة لهذا المشروع، كما فرضت مكانة العرب على الخارطة السياسية في التاريخ المعاصر.

الانتماء والاعتزاز: تعد الثورة العربية الكبرى ومبادئ النهضة العربية محطات تاريخية تشكل أحداثها مصدرا للشعور بالاعتزاز والانتماء لها وللأردن الذي يمثل استمرارا لهذه المبادئ، كما يعد تاريخ الأردن وإرثه متصلا بالثورة والنهضة ومواقفه من القضايا العربية والإسلامية مدعاة للافتخار.

الوفاء لمن ضحوا: جسد استذكار الأبطال العرب والأردنيين الذي ساهموا في الثورة وضحوا من أجل الحرية والعدالة والاستقلال أسمى معاني الوفاء والإخلاص، فالوفاء لهؤلاء الأبطال يكون في تمثيل المبادئ التي ضحوا من أجلها وبتكريم ذكراهم من المجتمع كله ومن سائر الأجيال، وفي مقدمة هؤلاء الأبطال الشريف الحسين بن علي بصفته قائد الثورة، وسعيه لمحاربة متلازمة الأمية والجهل والفقر والمرض. وكما كان الشباب "طلائع" الثورة، فشباب الحاضر يجددون مبادئها.

البناء على المنجزات: الأردن أحد إنجازات الثورة العربية الكبرى وامتداد لمبادئ النهضة العربية، حيث حقق المكانة والحضور الدولي المؤثر من خلال المواقف والسياسات المعتدلة والأخلاقية، واحترافية القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي والأجهزة الأمنية، وقدرتها على حماية الوطن والمواطن، والتطور في التعليم، والصحة، والبنى التحتية والاقتصاد والتكنولوجيا، وغيرها، مثلما حقق تنمية مستدامة في المدن والبلدات التي احتضنت معارك الثورة العربية الكبرى قبل مئة عام مثل "العقبة، والطفيلة، ومعان، والشوبك، والأزرق.

القوة بالوحدة: الوحدة الوطنية أساس قوة الأردن وصموده واستقراره، فالهوية الوطنية الأردنية الجامعة ضمنت الاندماج لجميع المكونات، وهي عنصر قوة ومنعة الأردن في وجه الصدمات. ويعد احتفال الأردنيين من مختلف الأصول والتوجهات الفكرية بالثورة العربية الكبرى دليلا على قوة الوحدة الوطنية.

احترام التنوع والتعددية: يعتبر التنوع والتعددية في الأردن مصدر قوة وفخر وتميّز، تصونه المواطنة الحقيقية ودولة القانون، ورافق الدولة الأردنية منذ نشأتها وتكوين أول حكومة لها، والتي ضمت شخصيات من مختلف المناطق العربية.

الإسلام الوسطي الحنيف: يستند الأردن إلى إرث الثورة العربية الكبرى المستمد من شرعية دينية هاشمية تعتمد الإسلام الوسطي الحقيقي والحنيف، ما يملي مسؤولية أخلاقية للتصدي للإرهاب والتطرف والتكفير.

التآخي الإسلامي  المسيحي: يمثل التآخي الإسلامي المسيحي في الأردن إنموذجاً يحتذى، ومصدرا لمبادرات الأردن المتعددة في مجال العيش والوئام الديني، واعتبار المسيحية العربية مكون مجتمعي أساسي.

القومية العربية: يعد الماضي ممثلا بإرث الثورة مدعاة للثقة بأن المستقبل سيكون أفضل، وتشكل مئوية الثورة العربية الكبرى مناسبة للاحتفال والفرح والإيجابية وبعث رسالة من الأردن إلى العالم بالثقة والاستقرار والاستمرار على الطريق الصحيح، ويكون الاحتفال بالعمل والإنجاز، خاصة العمل الجماعي والمشترك من أجل خدمة هدف سام: الوطن ومستقبل الأجيال.

قامت الثورة "على مبدأ المؤاخاة بين القومية العربية والإسلام: حين كتب مكماهون الى الشريف طالبا اليه استثناء الساحل السوري (لبنان) من حدود الدولة" في المشرق العربي رد عليه الشريف الملك بقوله انها بلاد عربية محضة ولا فرق بين العربي المسيحي والمسلم فإنهما ابناء جد واحد، واستشهد بقول الخليفة عمر بن الخطاب لهم ما لنا وعليهم ما علينا.

تعبير عن إرادة الشعب: كانت الثورة العربية الكبرى تعبيرا حيا عن ارادة شعب عريق، نهض من سبات القرون، يطلب حريته ويتمسك بهويته القومية، وأي طلب أعظم من هذا وأجل.

 

مبادئ حقوق الأنسان في المعايير الدولية وفي الثورة العربية الكبرى

إن حقوق الإنسان هي المعايير الأساسية التي لا يمكن للاحد العيش بدونها بكرامة كبشر، وهي حقوق عالمية غير قابلة للتصرف ومتأصلة في كرامة كل فرد، ورغم أن هذا الإعلان ليس قانوناً دولياً ملزماً، إلا أن مصادقة جميع دول العالم عليه منحت أهمية كبيرة لمبدأ المساواة واحترام الكرامة الإنسانية لجميع البشر على اختلاف دياناتهم وأجناسهم بغض النظر إن كان الشخص غنياً أم فقيراً، قوياً أم ضعيفاً، ذكراً أم أنثى.

ومنذ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تبنت الأمم المتحدة العديد من الصكوك الدولية الملزمة قانونا لتعزيز تلك الحقوق. وتأتي العلاقة بين مبادئ الثورة العربية الكبيرى وحقوق الإنسان التي أقرتها المواثيق الدولية بكون الثورة العربية قد استندت على المبادئ التالية:

  1. في الثورة على الأنظمة الاستبدادية وإشاعة العدالة والمساواة والحرية بين الأفراد.

  2. هدف واحد وهو الحرية ونهضة العرب، لذلك كانت هذه الثورة هي ثورة الذات العربية، والكينونة العربية.

في حين ترتكز حقوق الأنسان على ثلاثة مبادئ جوهرية، هي:

أولاً: الكرامة الإنسانية: القيمة الأصيلة الثابتة لكل البشر هي قيمة الإنسان، كما تعد منبع القواين العادلة في دولة القوانين والمؤسسات.

فالكرامة اﻹنسانية قيمة تولد مع اﻹنسان وتتنامى عند من يحترمون أنفسهم، ولكن لا يغيرها منصب أو مال أو جاه أو سلطة، فكرامة الناس واحدة للفقير والغني أو للمسؤول والعامل أو للكبير والصغير على السواء:

  1. صون كرامة الناس من خلال القانون العادل والقضاء النزيه هو أساس منظومة النزاهة الوطنية

  2. الكرامة فطرية لا تجمل فيها، ولا يجوز إستغلال فقر الناس لتدنيس كراماتهم على سبيل منحهم دريهمات معدودة لقاء عيشهم الكريم. تقتضي الكرامة اﻹنسانية أن نحترم بعضنا ونتعامل بنفس السوية، والكرامة اﻹنسانية يدخل فيها منظومتي اﻷخلاق والضمير من جهة ومنظومة القانون والعدل من جهة أخرى، ومطلوب المواءمة بين لغتي الضمير والقانون.

ثانيا: العدالة تعدّ العدالة واحدة من اكثر الموضوعات قدسية وشيوعاً في السلوك الاجتماعي. ويمكن أن تتخذ وجوهاً متضاربة جداً حتى ضمن المجتمع الواحد.

  1. العدالة في وقت من الأوقات تبعاً لثوابت دينية أو عرفية أو قيمية، فمن أجل السلطة والمال والجاه يمكن الدوس على القيم والضرب بها بعرض الحائط .

  2. ترتكز العدالة على الإنصاف والمساواة والحقوق الفردية المتساوية، وهذا يكون باحترام مبدأ التقاضي والحكم طبقا للقانون حيث لا ينتج عن هذا الحكم ظلم لطرف دون آخر.

ثالثاً: المساواة وعدم التمييز

لا شك في أن حق المساواة بصفة عامة يعد أهم المبادئ الإنسانية التي تحرص الأمم والشعوب على التمسك به، ومن الأسس الجوهرية التي استند لها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ويعتبر حق المساواة من أهم الحقوق الإنسانية والصقها بالإنسان وأقدمها، وأكثرها أصالة على الإطلاق، فهذا الحق هو أساس كل الحقوق.

إن مبدأ المساواة هو المبدأ الدستوري الأساسي الذي تستند عليه جميع الحقوق والحريات في وقتنا الحاضر، والذي يتصدر جميع إعلانات الحقوق العالمية والمواثيق الدولية، أن مبدأ المساواة أساسه في القانون الطبيعي وفي نظرية العقد الاجتماعي وحديثاً وجد أساسهُ في الديمقراطية كمدخل يوصل إليها ويكفل الحريات وفي الإسلام الحنيف وجد مبدأ المساواة أساسه على أساس وحدة الخلق فهي لم تكن طبيعية كما نادى بها الفقهاء والفلاسفة ومشرعي القوانين الوضعية فالإسلام قد ثبتها دعماً وكفالة بتساوي الناس جميعاً دونما تفرقة على أساس اللون والجنس أو اللغة بل على قاعدة الأخوة في الخلق وأنهم مكلفين بعبادة الله تعالى ومصدره في الإسلام: القران الكريم، والسنة النبوية المشرفة، وقد سار الخلفاء الراشدون على نفس النهج عدلاً ومساواة بين الناس.

تنص المادة (1) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على المبدأ الأساسي الخاص بالمساواة في الحقوق بين كافة الناس. ويعتبر هذا المبدأ من منظور الأخصائيين الاجتماعيين حجر زاوية بالنسبة لمبدأ العدالة البالغ الأهمية، والذي يقضي إمعان النظر فيما هو عدل أو ظلم ومساواة، وذلك على أساس العوامل البيولوجية والاحتياجات النفسية والاجتماعية والثقافية والروحية والمساهمات الفردية في رفاه الآخرين.

مما سبق نرى أن الدولة القانونية تقوم على أركان وضمانات فان تطبيقات المساواة وعدم التمييز هم من صلب وقيام الدولة القانونية نفسها فمع تنوع الحقوق يجب أن يتساوى جميع الإفراد في الدولة القانونية، وتطبيق المساواة أمام القانون هو اللبنة الأولى في التطبيقات الأخرى والمختلفة لمبدأ المساواة في الدولة القانونية.

و مما سبق نرى أن ثورة العرب هوجمت بمنتهى الشراسة خدمة لأهداف الذين عملوا على اجهاض مبادئها من أعداء الأمة العربية لكن الحق يعلو دائما، وما أولانا نحن ابناء الأردن ان نكشف الحقائق للملأ لتبقى راية الثورة خفاقة، فمبادئ الثورة امانة في أعناقنا، ودين علينا، وعلينا ان نعمل على تحقيق قيمها في الوحدة والحرية والحياة الكريمة.

 

دكتوراة ادارة اعمال – الاردن

دكتوراة ادارة – بريطانيا

عضو الهيئة العربية للتحكيم – جامعة الدول العربية

كاتب سياسي و اقتصادي

صاحب كتاب القائد بين المدارس الحديثة و مفهوم الفكر الاسلامي