مازال الكثير منا يعيش وقع الصدمة المتمثلة بحادثة اربد والمواجهة البطولية التي خاضتها أجهزتنا الأمنية وقواتنا المسلحة ضد عناصر عصابة داعش الإرهابية ، الصدمة كانت ناتجة من شيئين ، الأول هو استغراب واندهاش الكثيرين من وجود عناصر لداعش في الأردن ، وهذا الاندهاش سببه الشعور العميق لدي المواطن بالأمن والأمان بفضل الجهد النوعي لجيشنا وأجهزتنا الأمنية ، فرغم قربنا من النار السورية والعراقية إلا أن الأردني كان يشعر على الدوام بأمان كامل وبثقة صلبة من أن الإرهاب اضعف من أن يعكر صفو حياته المستقرة والهادئة.
أما الشيء الثاني فقد كان حدث استشهاد الرائد البطل راشد الزيود الذي أضاف للوجدان الأردني صورة جديدة من صور التضحية والفداء ، وعمق لدى الأردنيين تمسكهم بوحدتهم الوطنية وحمايتها من أي عابث أو حاقد ، أما ما زاد المشهد عزة وفخارا فقد كان الحضور الإنساني الاستثنائي لجلالة الملك عبدالله الثاني في جنازة البطل ودفنه ، كان الحزن على محيا جلالته اكبر بكثير من أن يُخفى ، فرسم لنا بهذا الحزن المهيب صورة لابوة نادرة يصُعب تكرارها ، وستبقى صورة جلالته وهو يواري بنفسه جثمان الشهيد الثرى مدعاة للفخر والاعتزاز لدى كل أردني وأردنية على مدى الزمن.
مرارة الحادث وخطورته يجب أن لا تنسينا ضرورة التوقف عند حالة نجاح «داعش» في استقطاب هذا العدد من الأردنيين ، وعلينا الاستفادة من هذه التجربة المُرة في فتح النقاش المجتمعي عبر وسائل الإعلام وغيرها من الوسائل لوضع تصور لمشروع فكري وثقافي يحصن شبابنا من هذا الفكر ، لان «داعش» وغيره من تيارات الإسلام السياسي قائمة على مبدأ « الحاكمية الإلهية التي دعا لها أبو الأعلى المودودي و التي بموجبها اعتبر المودودي اي مجتمع لا يطبق الحاكمية الإلهية والشريعة الإسلامية هو مجتمع جاهلي مستخدما تعبير «الجاهلية الثانية» ، ثم انتقل المبدأ من الباكستان الى سيد قطب في مصر، فزاد قطب المبدأ تطرفا حيث انتقل من تكفير الدولة والمجتمع إلى تكفير الأمة جمعاء كما يقول محمد شحرور في كتابه «الدين والسلطة» ، ولاحقا امتزج الفكر الوهابي المؤمن بالمبدأ ذاته ممثلا بابن لادن مع فكر سيد قطب ممثلا بأيمن الظواهري وأنتج تنظيم القاعدة « الأب الشرعي « لمعظم القوى الظلامية الموجودة الآن بما فيها داعش.
لمحاصرة البيئة التي يترعرع بها هذا الفكر أو غيره من الأفكار المتطرفة علينا مواجهة ما يلي بمنتهي الصلابة والحكمة في آن معا :
أولا: التصدي « لثقافة الموت» والتشويه المتعمد لمبدأ الجهاد في سبيل الله من قبل هؤلاء التكفيريين ، حيث أصبحنا نحن ووفقا لعقيدتهم المنحرفة « كفارا « يجب محاربتنا والجهاد ضدنا ، وهذا ما يفسر كل الأعمال الهمجية التي يقوم بها هؤلاء ضد المسلمين وغير المسلمين ، أما مهمة التصدي لثقافة الموت فهي مهمة رجال الدين والعلماء بالدرجة الأولى.
ثانيا: علينا إعادة تنقيح التاريخ الإسلامي وتخليصه من الكثير من القصص والخزعبلات التي رسمت الشخصية الإسلامية بشكل غير واقعي وعظمتها لدرجة النرجسية والغرور وتمجيد الذات « وتحقير الآخرين وهو أمر يتنافي تماما مع سماحة الإسلام وإنسانيته ، ففي تاريخنا الكثير من الفترات المظلمة تماما مثل تلك المضيئة لأننا في النهاية بشر ولسنا معصومين.
ثالثا: تحرير التعليم من أنماطه البدائية المتمثلة بالتلقين والسمع والطاعة وتحريم النقد والانتقاد ، والتعامل مع الكثير من المعلومات وبخاصة التي تتضمنها كتب التاريخ والاجتماع والفلسفة باعتبارها حقائق مطلقة أو مسلمات ، أي اخذ التعليم إلي نمط جديد من المشاركة والنقد والتنوير والبحث.
رابعا: تعزيز الحرية الاجتماعية وتقديسها بما «يكفله القانون» وعدم السماح لأي كان أن يكون وصيا على سلوك المجتمع ، فالتكفيريون يمارسون الإرهاب الفكري والديني على الناس ، وهذا الأمر يتطلب دورا مجتمعيا تسانده الدولة لمنع التغول الفكري والاجتماعي ، فكلما تحرر المجتمع وتكرست فيه حرية الرأي والرأي الآخر كلما ضعف « الدور الظلامي» وجفت منابع الكراهية و ثقافة التكفير.
خامسا: تعزيز الحداثة في المجتمع ، فالحداثة بمعناها الحضاري هي عدو لدود للظلامية والفكر التكفيري الذي يريد إرجاع مجتمعنا قرونا إلي الوراء ، و«داعش» و«النصرة» يطبقان نموذج محاربة الحداثة خير تطبيق ، فقبل عقود حرم التكفيريون التلفزيون والسينما والغناء وحتى السيارة والطائرة واليوم هم جاهزون لتحريم أي شي حضاري جديد.
قد يختلف معي البعض وهو أمر طبيعي و مطلوب لأن ما سلف هو مجرد اجتهاد لتعزيز حصانة مجتمعنا ضد الفكر الظلامي–التكفيري وهو مطروح للنقاش .
Rajatalab5@gmail.com
نحو ثقافة مضادة للفكر التكفيري !
صنارة نيوز - 2016-03-07 09:48:57رجا طلب