5300 عائلة أردنية في الشارع!
صنارة نيوز - 2016-02-25 08:27:35منذ سنوات قليلة باتت تلفت انتباهي، عند قراءة الصحف، إعلانات قضائية تنشرها البنوك، حول بيع أراض وشقق سكنية لمواطنين، في المزاد العلني، تغطية لديون وقروض مستحقة على أصحابها لتلك البنوك، بعد تعثرهم في سداد أقساط هذه القروض. وقد بات ملاحظا، حتى من دون امتلاك إحصائية رسمية، ارتفاع عدد مثل هذه الحجوزات والبيوعات البنكية عبر المزادات العلنية.
هذا الانطباع الشخصي أكده مسؤول حكومي، في تصريح نقلته صحيفة "العربي الجديد" يوم أمس، حيث أشارت إلى أن "الحجوزات المصرفية على الشقق السكنية في الأردن ارتفعت العام الماضي بنسبة 15 %، عنها في العام 2014، حيث تم الحجز في 2015 على 5300 شقة". ويمكن لنا أن نتصور ماذا يحل بالعائلات التي تمتلك "صوريا" مثل هذه الشقق، قبل أن تتعثر في سداد ما يتبقى من قرض بنكي، تصل فوائده في الكثير من الحالات الى 100 % أو أكثر!
رغم قانونية الإجراءات التي تلجأ لها البنوك لضمان "حقوقها" وأموالها، فان ذلك لا ينفي حجم الإجحاف والظلم اللذين يلحقان بالإنسان الذي تضطره ظروفه، وربما فقدان عمله، إلى التقصير في دفع أقساط قرضه البنكي، فيفاجأ بالحجز على بيته أو شقته وبيعها بالمزاد، ليجد نفسه وعائلته بين ليلة وضحاها في الشارع!
لا شك أن ارتفاع حجم الإقبال من الأردنيين، تحديدا ممن يصنفون ضمن الشريحة الوسطى، على تملك شقق سكنية بقروض بنكية خلال السنوات القليلة الماضية، قد يفسر في جانب ما الارتفاع النسبي لعدد المتعثرين عن السداد، لكن تفسير اتساع الظاهرة، كما أعتقد، أعمق بكثير من التركيز على تلك الزاوية.
فالقضية تشير إلى حجم التراجع في المستويات المعيشية، وارتفاع كلف المعيشة خلال السنوات القليلة الماضية، وانسحاق الطبقة الوسطى تحت ضغوط ارتفاع الأسعار والضرائب وتآكل الأجور والرواتب، فيما ينزلق اصحاب الدخول المحدودة أكثر وباطراد إلى براثن الفقر والفاقة. كل ذلك يمور به المجتمع الأردني وشرائحه فيما السياسات الاقتصادية الرسمية تفاقم هذه التفاعلات وتزيدها تعميقا وانتشارا، حيث لا تقابل زيادة الضرائب والرسوم وارتفاع كلف المعيشة سياسات وإجراءات حقيقية لتحفيز الاقتصاد والاستثمار، وتحسين سلم الرواتب، والتوزيع العادل لعوائد التنمية.
كما أسهم غياب وتعثر مشاريع الإسكان العامة، أو ارتفاع كلف الاستفادة منها، في تزايد الإقبال على الاقتراض من البنوك لغايات تأمين السكن خلال السنوات القليلة الماضية، قبل أن تتدهور الأوضاع المعيشية وتزداد كلفها، ما أوقع ويوقع آلاف المقترضين في دائرة التعثر بالسداد، فيخسرون في الغالب ما دفعوه من دفعة أولى ومن أقساط للبنوك، قبل أن يرفعوا الراية البيضاء ويعلنوا عجزهم عن تأمين الاقساط المتبقية.
وجه وسبب آخر لمشلكة التعثر بالسداد هو الارتفاع الفاحش لمعدلات الفوائد المركبة (أو نسب المرابحة بحسب تصنيف البنوك الإسلامية) للقروض البنكية لغايات الإسكان، ووصولها مركبة إلى أكثر من 100 %، الأمر الذي يستدعي نوعا من التنظيم والتدخل الحكومي، عبر البنك المركزي مثلا، في هذا المجال، باتجاه الحد من التغول والمبالغة في معدلات الفوائد البنكية.
كما قد يكون مطلوبا، في هذ السياق، تدخلا تشريعيا من نوع ما، باتجاه تعديل بعض التشريعات، وبما يوفر نوعا من الحماية الاجتماعية لأصحاب الشقق، ممن يتعثرون في سداد قروضهم للبنوك، بعد أن يكونوا قد دفعوا نسبة كبيرة من قيمة القرض والأقساط.
غير مفهوم أن تبقى ملاحظة هذه المشكلة حبيسة صفحات الإعلانات بالصحف المحلية، التي تقذفنا مع طالع كل صباح بعشرات الإعلانات عن البيع بالمزاد العلني لشقق سكنية لمواطنين، وجدوا أنفسهم وعائلاتهم في الشارع بعد أن تعثروا بسداد قروض بفوائد فاحشة، فوراء الرقم الأصم لعدد الشقق المحجوزة قضائيا لصالح بنوك العام الماضي، 5300 عائلة أاردنية باتت في الشارع، بعد أن انتزعت منها شققها!