الرفاعي : نحو استراتيجية وطنية شاملة للشباب
صنارة نيوز - 2016-02-08 11:30:47اوضح العين سمير الرفاعي رئيس الوزراء الاسبق ما قصده في موضوع انشاء وزارة للشباب اضافة الى تصوره بشأن وضع استراتيجية وطنية شاملة للشباب وفيما يلي نص ما جاء في توضيحه :
يواجه جيل شبابنا العربي عموماً في هذه المرحلة الصعبة، ما لم يواجهه أي جيل من أجيال العرب في التاريخ المعاصر من تحديات واستهدافات تتجاوز البعد المادي بكل ما فيه من حروب وتهجير ودمار، إلى انعكاساتها النفسية والمعنوية ونتائجها على ثقة شبابنا بنفسه وأمته وهويته العربية ووعيه.
ويجب أن لا ننسى أيضاً أن جزء من هذا "الجيل العربي الضائع" هو يا يُسمى اليوم بـ "جيل الانتظار". هذا الجزء الذي سنسميه "الجيل" هو الذي حرمته الحروب والهجرات والصراعات، من حقوقه بالتعليم الأساسي وبالرعاية الصحية والمسكن والغذاء وبالاطمئنان الداخلي واصبح يفتقر للأمان بل ولا يعرف جوهر معناه. وأنا هنا لا أتحدث عن آلاف أو مئات الآلاف من الشباب العربي، ولكنني للأسف أتحدث عن الملايين من شبابنا العربي، في فلسطين وسوريا والعراق وليبيا واليمن وفي مواقع أخرى أنهكتها الحروب وانتهكتها الصراعات. وهؤلاء الملايين من شباب العرب أمامهم مستقبل غامض. لذلك أكثر من ربعهم يرغبون بالهجرة لأسباب إقتصادية وأمنية بشكل أساسي.
ضمن هذا المحيط شبه العام وهذه الصورة المؤلمة عربياً، ينبغي أن تتكثف جميع برامجنا وخططنا وجهودنا، لتحصين الشباب الأردني من عدوى الأفكار المتطرفة الضالة التي استثمرت الأوضاع الإقليمية في فلسطين أولاً والعراق وسوريا واليمن وليبيا وغيرها لاحقاً، فانتشرت كالسرطان الخبيث في جسد شبابنا العربي. كما يجدر بنا أن نتفق على استراتيجية وطنية لدعم الشباب وتمكينهم ومساعدتهم للتغلب على التحديات ومجابهتها بل وإحالتها إلى فرص حقيقية. وواجبنا هو توفير البيئة والأرضية المناسبة لهذا القطاع الكبير والحيوي وان نوفر الأجواء الإيجابية كبديل لمناخات اليأس والإحباط، وأن نوفر الإمكانات اللازمة والتدريب والمتابعة والدعم حتى يتمكن من القيام بمسؤولياته تجاه نفسه وتجاه حاضر ومستقبل بلده بكفاءة ونجاح، وان يفرز هذا القطاع من داخله، وبنفسه، قياداته ونخبه في كل مجالات العمل. ويتحقق هدف مهم وهو شراكة بين الخبرة والشباب لتجديد النخبة الأردنية، وضخ الدماء الشابة في كافة عروق الحياة العامة.
والحقيقة التي لا تخفى على أحد أن الشباب الأردني وهو يشكل الأغلبية الأكبر في مجتمعنا، يعاني بشكل حقيقي ومقلق من أزمة البطالة، وهي أزمة تعني الكثير، وينتج عنها الكثير من المشكلات والآفات الاجتماعية، وتعكس شعوراً بالإحباط وفقدان الثقة بالعدالة الاجتماعية، وعدم القدرة على بناء مؤسسة الأسرة بسبب العزوف عن الزواج، وهو ما ينهك الطبقة الوسطى، ويؤدي إلى مشاكل ذات أبعاد اقتصادية وأمنية واجتماعية وثقافية ونفسية معقدة ومتداخلة.
ولذلك، فإن المطلوب الآن وفوراً البدء بإعداد استراتيجية وطنية للشباب. والاستراتيجية هنا، لا تعني مجرد أدبيات وخطط تركن على الرفوف ولا يتم تطبيقها. وإنما هي برنامج عمل عابر للحكومات، وعملية تتصل عناصرها وتتنوع فعالياتها لتصل جميعها لتحقيق الهدف نفسه، والأهم أن تكون قابلة للقياس والمساءلة من خلال المراقبة والتقييم العلمي.
وشبابنا الأردني كما أثبتت التجارب على أعلى درجات الوعي والمسؤولية والطموح. وهذا كان واضحاً خلال جميع التفاعلات الديمقراطية، حيث سجلت ذاكرتنا الوطنية لشبابنا المسيّس امتلاكه الدائم للحس العالي بالمسؤولية تجاه الوطن واستقراره وحرصه على التعبير الديمقراطي السلمي، ورفضه لمنطق الاستفراد أو التأزيم أو الإقصاء.
من هذه الخلفية، ولتوضيح وتأكيد أهمية البدء بإعداد مثل هذه الاستراتيجية، سأقدم تصوّراً فيما يلي، لبعض المحاور التي أراها على قدر من الأهمية، ويمكن البدء بتنفيذها على المدى القريب، والمدى المتوسط، واترك على هذه الصفحة المجال الكامل لأي اقتراحات أو ملاحظات أو إضافات، نحو بلورة استراتيجية وطنية للشباب الأردني، تكفل تحصينهم وتوفير البيئة المثلى لتفاعلهم وتمكينهم من مجابهة التحديات التي تجابههم. مع التأكيد أن كافة القطاعات الأردنية مؤهلة وقادرة على القيام بدورها لخدمة تنفيذ هذه الاستراتيجية، فلا شك أن هناك أدوراً مهمة جداً للمؤسسة الدينية وللتربية والتعليم ولوزارات الزراعة والبلديات والثقافة والتنمية السياسية والتنمية الاجتماعية والعمل وربما جميع الوزارات، والقطاعات الأهلية والمدنية بطبيعة الحال.
إعادة وزارة الشباب:
• عندما اقترحت وطالبت بكلمتي في خطاب الموازنة باستعادة وزارة الشباب (وقد صوت مجلس الأعيان الموقر بالإجماع على الموافقة على هذه التوصية)، قصدت ان تكون هذه الوزارة هي المسؤولة (بالإضافة إلى مهامها المباشرة) عن متابعة قيام كل مؤسسة وهيئة بدورها ضمن الاستراتيجية الوطنية المتكاملة، لدعم قطاع الشباب وتحصينه.
• هذه الوزارة يجب أن لا تكون مهامها تقليدية وخاصة في مجالات الرياضة على أهميتها، وإنما تتعدى ذلك لمتابعة البعد التنويري، وأركز هنا على البعد التنويري، والثقافي والاتصالي والعمل التطوعي والجماعي ومعسكرات الشباب وبرامج التشغيل وغير ذلك الكثير.
• وزارة الشباب تتحمل مسؤولية كبرى بتحويل طاقات شبابنا إلى ثروات خلاقة فعالة. وعلى وزارة الشباب أن تقود تنفيذ الاستراتيجية الوطنية بهذا الخصوص، وتضع مجلس الوزراء بصورة الإنجاز ومواقع التقصير، في عمل الوزارات والقطاعات كافة بهذا الخصوص.
• أحب أن أنوه هنا، إلى أن الموازنة المخصصة للمجلس الأعلى للشباب في موازنة 2016 وهو المعني الرئيس الآن (في ظل غياب الوزارة) بالشريحة الأكبر من الشعب الأردني هي 25 مليون دينار فقط، 8 ملايين تنفق على الرواتب والصيانة العامة و 6.2 مليون لـ"برامج الشباب" و 10.8 مليون لدعم الرياضات المتنوعة. علما بأن هنالك أيضا تشتت بالمرجعيات المعنية بالشباب.
دور الإعلام:
• بلورة خطاب إعلامي جديد، قادر على مخاطبة الشباب، بلغة العصر وأدواته بعيدا عن الأسلوب التقليدي القائم على التلقين وطرح المسلمات.
• ربط الإعلام بالثقافة الوطنية، والتركيز على المبادئ والقيم التي قامت عليها الدولة الأردنية، وربط الشباب الأردني بحضارته وتراثه الوطني.
• تسليط الضوء على المبادرات الشبابية الخلاقة ودعمها وتقديم النموذج.
• فتح منابر الإعلام للحوار المسؤول وإتاحة المجال للشباب للحوار والمساهمة في خدمة النقاش الوطني.
• ترجمة الخطاب التنويري إلى مواد ورسائل إعلامية ناجحة ومؤثرة، وعدم الاكتفاء بالخطاب المباشر.
• كشف زيف الخطاب الانعزالي المتطرف وآثاره التدميرية.
التنمية والإصلاح الاقتصادي:
• البداية من تكريس الشراكة مع القطاع الخاص الوطني. ولا بد من تحفيز القطاع الخاص للقيام بدوره ومسؤولياته في هذه الاستراتيجية الوطنية، بما يترتب على ذلك من سن تشريعات جديدة تضمن توسعة الاقتصاد ونموه وتشجيع القطاع الخاص لخلق فرص عمل جديدة ودائمة مع عدم قدرة القطاع العام على توفير الوظائف المطلوبة، خصوصاً ونحن نرى التزاحم على أبواب وسجلات ديوان الخدمة المدنية التي تحتوي حاليا على أكثر من 320 ألف طلب توظيف.
• توحيد الصناديق تحت مظلة واحدة وإغلاق قطاعات عديدة على العمالة الوافدة ورفع الحد الأدنى للأجور والتشديد على حق العاملين الأردنيين بالضمان الاجتماعي والتأمين الصحي.
• التركيز على الاستثمار القادر على توفير فرص العمل الدائمة، وإعطائه الأولوية من خلال الحوافز والإعفاءات على أي استثمار آخر.
• السماح لبنوك مختصة في تمويلِ المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر. ودعم رواد الأعمال وتحويل أفكارهم إلى شركات مربحة.
• الاستفادة من المنصات العالمية للتمويل والاستثمار الجماعي، والتي تغطي فجوة في التمويل للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم. وهناك العديد من هذه المنصات أذكر منها هنا على سبيل المثال فقط WeFunder و kickstarter و Eureeca
• مراجعة النموذج الاقتصادي الجبائي السائد حيث لا يجوز الاستمرار بالتركيز على "التقشف والجباية" مع آثارها المدمرة على المشاريع وفرص العمل.
• إجراء تعديلات جوهرية على قانون الشراكة الحالي أو إصدار قانون جديد بالكامل يسهم بإحداث تحسن فعلي في بيئة الأعمال.
• توفير حزمة من الأطر التمويلية والحوافز الضريبية التي تشجع على إقامة المشاريع الصغيرة والمتوسطة في مختلف أنحاء المملكة.
• قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في الأردن لديه القدرة على تخفيف نسبة البطالة والاستفادة من رأس المال البشري خاصة مع وجود حوالي 5000 خريج اتصالات وتكنولوجيا المعلومات سنويا.
• قطاع النقل يجب أن يأخذ دوره المطلوب، وأن يشهد قفزة نوعية تتمثل في إقامة شبكة قطارات للركاب أو حافلات تليق بالأردنيين لتربط محافظات المملكة بحيث يتمكن شبابنا من أبناء المحافظات من العمل في عمان أو أماكن أخرى دون أن يغيروا مكان إقامتهم الأمر الذي سيبقي الناس في محافظاتهم وسيؤدي إلى خدمة جهود تنمية المحافظات وتوسعة اقتصادها، وعدم تفريغ المحافظات من طاقاتها الشبابية.
• تنفيذ توجيهات جلالة سيدنا بانشاء صندوق التنمية الأردني، بما يحقق الرؤية الملكية السامية، لتضع الأردن على خارطة المشاريع الكبرى والاستراتيجية، والتي تمثل مستقبل القطاعات الاقتصادية في الأردن، وما يرتبط بذلك، من فرص كبيرة للشباب. فالفرصة هنا مهمة جدا ويجب ان تنجح.
• إعفاء الشاب أو الشابة عند بلوغهما سن 22، من رسوم البيع والشراء لمرة واحدة، وذلك عند شراء أول شقة وإعفاء الأثاث والمتاع من ضرائب المبيعات لمرة واحدة.
• إعفاء بنسبة 50% من ضريبة الدخل المتأتية من الاستثمار في الشركات المحلية الجديدة على الانترنت Internet Startups وذلك للتشجيع على الاستثمار في هذا المجال.
• إعفاء المشاريع الجديدة لبناء الفنادق 3 و4 نجوم من الرسوم حيث أن هذه الفنادق ستستقطب السياح الباحثين عن البدائل وستنمي السياحة الداخلية. وستنعكس على شكل فرص عمل دائمة للشباب.
• تقديم اعفاءات ضريبية لأي شركة توظف شاب أو شابة من عائلات فيها فردين او اكثر عاطلين عن العمل.
• تخفيض الضريبة على الدخل المتأتي للبنوك من جراء تقديمها تسهيلات للقطاعات المنتجة لفرص العمل في الشركات الصغيرة والمتوسطة وجهات التمويل المتناهية الصغر.
• إنشاء "قرض ريادة الأعمال" على أن يتم تقديمه بسعر فائدة مخفض.
خدمة العلم:
• ضرورة العودة إلى نظام خدمة العلم وبأسلوب جديد، لتوجيه الطاقات الشابة نحو قيم الخير والعطاء والاندماج بالمجتمع. بالإضافة إلى كل ما يمكن أن يكتسبه أبناؤنا وبناتنا الشباب من أخلاقيات المؤسسة العسكرية ومبادئها الراقية ومن ثقافة وطنية وتأهيل وإعداد معنوي، خلال الثلاثة شهور التدريبية الميدانية.
• وضع خطة متكاملة بالتنسيق مع القطاعين العام والخاص لاستكمال خدمة العلم مدنيا وبإشراف القوات المسلحة، من خلال توفير فرص عمل للشباب والشابات لأشهر محددة، بعد إتمام فترة التدريب الميداني، ليكتسبوا خبرة عملية بروح انضباطية عسكرية، تحقق فرصة مهمة لمتابعة العمل الكريم في كل مجالات الإنتاج والعطاء.
إصلاح التعليم العالي:
• ضرورة تصحيح مسار وسياسات التعليم العالي في الأردن، مع إعادة الاعتبار للتعليم المتوسط والمهني.
• ضرورة وضع خطة وطنية واضحة المعالم، وبإطار زمني وعملي محدد للتعامل مع التحديات التي تواجه قطاع التعليم، والموارد البشرية ككل.
• ضرورة رفع وتحسين المستوى المعيشي للأستاذ الجامعي وزيادة الحوافز والامتيازات المرتبطة بالأداء.
• الاستثمار بالبحث والتطوير، وربط البحث العلمي بعملية التحديث والقطاعات ذات العلاقة بشكل مؤسسي مستدام.
• لا يجوز أن يبقى التعليم الجامعي عبئا على سوق العمل. وينبغي بناء سياسات تعليمية يقوم عليها خبراء ومختصون أكاديميون وسياسيون واقتصاديون، تحدد آلية المواءمة بين مخرجات العملية التعليمية واحتياجات سوق العمل ومستقبل التخصصات.
• إعادة النظر بسياسة القبول في الجامعات وبحيث يتم منح حوافز علمية، على شكل نقاط تحسب في اختيار التخصصات المرغوبة للطلبة الذين يختارون الدراسة في الجامعات الأبعد عن مساكنهم في المحافظات، وتخفيض الرسوم الجامعية أو / و دعم نقلهم ومعيشة هؤلاء الطلبة.
• إعادة تعريف دور الجامعة في التنمية وفي التفاعل ودمج فئات المجتمع.
• رفع جودة التعليم العالي وتنافسية الجامعات بين بعضها ومع الجامعات غير الأردنية، واستعادة الدور التنموي والتنويري للجامعات القائمة لتعزيز التنمية الشاملة المستدامة وتجديد النخب السياسية والثقافية والإبداعية في الأردن.
المدارس:
• التوسع في إدخال مفاهيم وادوات التفكير العلمي و النقدي في المناهج المدرسية.
• التوسع في العمل التطوعي لطلبة المدارس.
• تحسين البنية التحتية للمدارس الحكومية، وتأهيل مختبراتها وقاعاتها ومكتباتها وملاحقها عامة، وتزويدها بأحدث الأدوات، وخصوصا المدارس في المحافظات.
• تفعيل دور المدرسة في محيطها وفي المجتمع، وخلال العطل الصيفية الطويلة، واستعادة الدور الاجتماعي والمعرفي القيادي للمدرسة والمدرس. -