ستنتهي داعش وبصورة الانهيار المفاجئ والصادم، أو بالأحرى الاختفاء، ولكن أين سيذهب مقاتلوها؟ الأجانب سيكونون معرضين لمخاطر أوسع حيث لن يتمكنوا من الذوبان في المجتمعات القريبة، بينما العرب سيبحثون عن ملاذات آمنة، كل حسب ما يراه مناسبا لحالته، هذا السيناريو يعتمد على خبرة سابقة مع حركة طالبان، ببساطة تم التخلص من المقاتلين العرب عن طريق الفرز العرقي، بينما وجدت الحركة استيعابا بين العديد من الفئات في أفغانستان ومناطق القبائل الباكستانية.

ذلك يعني أن داعش لن تكون سوى فصل في عملية صراع طويلة، وأن الجانب الفكري في المواجهة يجب أن يتبقى متيقظا، ففي العديد من الجولات الساخنة في صراع مع التطرف يمتد اليوم لأكثر من ثلاثين عاما، كانت الأجهزة الأمنية تستشعر حالة من الاسترخاء، وفي حالات معينة، حاولت الأجهزة الأمنية بناء علاقات معينة مع هذه الجماعات على أساس توظيفها لمصلحتها في مراحل أخرى، ولكن لم يكن أحد ليتطرق لمسألة المواجهة الفكرية ومحاربة الفكر المتطرف في فترات المهادنة، فالجميع كان يسعى للحصول على المكاسب السياسية، ويستبعد الضرورات الاجتماعية.
داعش هي جيل جديد من التطرف، والجيل القادم، بعد سنوات سيكون أكثر شراسة وسيتعامل بخبرة أوسع وأعمق مع التحديات التي تواجهها داعش اليوم، فالمسألة تشابه السلوك الفيروسي أو الجرثومي، كلما تطورت الأدوات والأدوية، كلما تزايدت مناعة وخبرة الفيروس أو الجرثومة في الوصول إلى أهدافه، وتتضاءل فرص النجاح في العلاج بالمضادات الحيوية، والحل يجب أن يكون وقائيا ومستمرا، فلا يمكن أن تترك مستنقعات الفكر المتطرف مكشوفة وخصبة بكل أنواع الأمراض والتشوهات، ويأتي من يستغرب بعد ذلك من عودة ظهور الوباء!
محاربة الإرهاب تقع بين رحى مشكلتين رئيستين، الأولى، وضع الربيع العربي وتصاعد الانتقادات على أي إجراءات استثنائية يمكن أن تتخذها الإجهزة الأمنية، مع أن الدول الراعية لحقوق الإنسان لا تتردد عادة في اتخاذ المواقف الحاسمة لو كانت المخاطر محدقة بها، وكل ما تفعله هو التخلص من الإرهابيين في أرض المعركة أو على مقربة منها، قبل أن يعودوا للتعايش مع المجتمعات التي جاءوا منها، مثلما جرى التخلص من الأمريكي المولد والجنسية أنور العولقي في اليمن.
الثانية، التخوف المستمر من سوء التفاهم الذي يمكن أن تحرض عليه بعض الجهات المتشددة، حتى المعتدلة، وتغذيه بصورة مستمرة، مستغلة مسألة التخويف من استهداف الإسلام، وبحيث يصبح الاقتراب النقدي من المقولات المؤسسة للفكر المتطرف محظورا، أو على الأقل جالبا لمخاطر كبيرة، وتنساق الدول وراء ذلك، ففي الفترات الهادئة ترى أنها ليست بحاجة لإثارة جدل في مسألة تعتبرها غير ملحة أو ضرورية، وفي كل مرة يحدث ما يثبت تلك عدم صحة هذه التقديرات، فتعود عجلة العمل الإرهابي لتدور من جديد، ولتلحق الأذى بالجميع، وتجعلهم مستنزفين ومتعبين، فهذه الفترات هي فرصة لإعادة التمركز بالنسبة للتيارات المتأسلمة، بينما، تكون هذه الفترة غير كافية إطلاقا للعاملين في مجال الأمن سواء لغايات المواجهة أو الاحتواء لتشكيل استراتيجية جديدة، ويجدون أنفسهم مضطرين للخوض في صراع يضبط ايقاعه آخرون.
بعد درس داعش يجب أن تتغير الرؤى، وأن تكون مواجهة التطرف أساسا عمليا ومتكاملا، قبل الحديث عن محاربة الإرهاب، فالتطرف هو جوهر المشكلة، والإرهاب هو أحد أدوات التعبير عنها.