الإقتصاد الأمريكي...عهد جديد...وتحدي جديد

صنارة نيوز - 2016-11-16 10:53:03
 - بقلم محمد الرواشدة
بدايةً أتوجه بخالص المحبة والتقدير لكل العاملين في جفرا هذا الموقع الذي يتمتع بمهنية عالية وحرفية لا مثيل لها ، متمنياً لهم جميعاً كل التوفيق.
يعيش العالم بأكمله ظروفاً إقتصادية صعبة ، أصبحت تؤثر بشكل مباشر على كل واحد منا ، ولذلك فإنني وجدت من المناسب تقديم تحليل للوضع الإقتصادي الحالي والمتوقع خلال العام 2017 وذلك سيكون من خلال خمس حلقات تتناول الإقتصاد الأمريكي والإقتصاد الأوروبي وإقتصاد الصين وإقتصاديات دول الخليج العربي وإقتصاد المملكة العربية السعودية ، فالصراعات القائمة في منطقتنا تؤثر بشكل كبير على النشاط الإقتصادي وخلقت ركوداً وتباطؤاً في معظم دول المنطقة ، ولعل فوز دونالد ترامب غير المتوقع بالرئاسة الأمريكية سيضيف إلى المخاطر المحتملة وفرص النمو في الولايات المتحدة ومنطقة الشرق الأوسط.
بدايةً لا بد من الإعتراف أن فوز ترامب أربك كل الحسابات على صعيد كل النخب الدولية ، فهو لا ينتمي إلى نخبة سياسية معينة ، بل هو جزء أساسي من النخب الإقتصادية المدعومة من الجمهوريين المؤمنيين بالمبادئ الأساسية للرأسمالية القائمة على حرية الأسواق .
يأتي فوز ترامب في الوقت الذي يتعافى فيه الإقتصاد الأمريكي من تبعات الأزمة المالية ويشهد إنخفاضاً في معدل النمو الإقتصادي والذي يتراوح حوالي 2% ، فيما تبلغ معدلات البطالة حوالي 4.7% ، بالإضافة إلى معاناة الإقتصاد من ضغوط تضخمية يواجهها معظم الشعب الأمريكي.أما المديونية فهي في إرتفاع مستمر بلغت حوالي (19) تريليون دولار تمثل 75% من الناتج المحلي الإجمالي، والمهم هنا أن الرئيس الأمريكي الجديد لا يتحدث إطلاقاً عن سياسة إنكماشية، وسيعتمد بشكل أساسي على الإقتراض وهذا سيزيد الدين الأمريكي ، وهنا لا بد من الإشارة أن معظم دين الولايات المتحدة هو دين داخلي ، فالصين واليابان تتنافسان على شراء السندات الأمريكية .
إن قطاع الطاقة هو القطاع الأهم في الإقتصاد الأمريكي ، وتعتبر الولايات المتحدة أكبر دولة مستوردة للنفط على مستوى العالم ، ولعلّني أرى أن الولايات المتحدة لا تسعى إلى الإكتفاء الذاتي في الطاقة لأنها تريد أن تسيطر على قوى الطلب وقوى العرض في السوق ، فالإكتفاء الذاتي سيجعل الولايات المتحدة بمعزل عن العالم وهذا ما لا تسعى إليه الولايات المتحدة.
إن التحدي الأكبر للولايات المتحدة والعالم هو سعر النفط خلال عام 2017 فصندوق النقد الدولي يتوقع إرتفاعاً في أسعار النفط خلال عام 2017 ليصل إلى 51 دولاراً مقارنة مع المعدل 43 دولاراً لعام 2016 . وعلى الرغم من الإرتفاع الطفيف عن عام 2016 إلا أنه ما زال أقل من المعدل الذي تقبل به الدول المصدرة للنفط والذي يقدر بين (60-70) دولار، وهو يمثل سعراً عادلاً للدول المصدرة ، كما تؤكد وكالة الطاقة الدولية بأن الطلب العالمي على النفط سينمو بمقدار 1.2 مليون برميل يومياً في عام 2017 .
أما بالنسبة للدولار وقوته خلال المرحلة القادمة فأرى أن مستقبل الدولار الأمريكي خلال المرحلة القادمة سيكون بيد ترامب . وهنا لا بد أن أشير أن الكثيرين يظنون أن الولايات المتحدة ليس لها مرجعية في طبع الدولارات ، بل على العكس إن طبع الدولارات له مرجعية أساسية وهو حجم الإستثمارات الأجنبية داخل الإقتصاد الأمريكي ، فبورصة نيويورك لوحدها تحوي 60% من الأموال المستثمرة في بورصات العالم .
وهنا لا بد أن أذكر على أنه من الصعب أن يكون اليورو بديلاً للدولار على الإطلاق لأن الإقتصاد الأوروبي لم يصل إلى مرحلة القوة والثقة بل على العكس يعاني من أزمات خانقة وظروف مالية وإقتصادية صعبة سنتطرق إليها في الحلقات القادمة. وبإختصار سيبقى الدولار العملة الاولى عالمياً على الرغم من توقع تراجع أهميته تدريجياً.
من خلال الإطلاع على معظم تقارير البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومراكز الدراسات في البنوك العالمية، فإنه من المتوقع أن يقوم الإحتياط الفدرالي الأمريكي برفع سعر الفائدة مع نهاية هذا العام وخلال العام القادم بهدف إحتواء معدلات التضخم الآخذة بالإرتفاع ، وهذا يشكل تهديداً كبيراً للإستثمار في الذهب عالمياً ، حيث سيقوم المستثمرون ببيع الذهب لشراء عملة أقوى ذات عائد أعلى. كما من المتوقع أن تلجأ بعض الدول مثل روسيا وإيران وبعض الدول المنتجة للنفط لبيع جزء من مخزونها الإستراتيجي من الذهب في السوق وذلك بسبب ضعف المردود من بيع النفط .
إن إرتفاع المديونية الأمريكية بالتزامن مع إرتفاع أسعار الفائدة على الدولار الأمريكي سيؤدي إلى تراجع أسعار السندات الأمريكية وبالتالي تخلي العديد من الدول عن السندات الأمريكية (توقعات بإنخفاض أسعارها أكثر) مما سينعكس سلباً على دور الدولار في الإقتصاد العالمي ويفسح المجال أمام عملات أخرى كاليوان الصيني للإحلال بدل الدولار الأمريكي في المبادلات الدولية ولو بشكل جزئي .
ولعل الأهم من وجهة نظري أن وجود ترامب في الرئاسة سيزيد من فرص تحسين العلاقات مع موسكو وبالتالي إنهاء العقوبات الإقتصادية وهذا قد يؤدي لاحقاً إلى خلق ثورة صناعية مشتركة بين البلدين . وبنفس الوقت هنالك مخاوف كبيرة من نية ترامب مراجعة العديد من الإتفاقيات التجارية بين الولايات المتحدة والشركاء الرئيسيين (الصين ، كندا ، اوروبا، الإتحاد الاوروبي).
كما لم يتم لغاية الآن تحليل الآثار الإقتصادية المحتملة لتهجير حوالي 3 مليون مقيم غير شرعي في الولايات المتحدة تعهد ترامب بإخراجهم من أراضي الولايات المتحدة خلال 100 يوم من فوزه بالرئاسة ، حيث يسهم هؤلاء بصورة فاعلة في معدلات النمو وزيادة الناتج .
إن التحدي الأبرز أمام السيد ترامب أن يقدم خطة إقتصادية واضحة بأسرع وقت ممكن لإنقاذ الإقتصاد الأمريكي وإخراج العالم من حالة عدم اليقين التي تبعت تصريحاته الإنتخابية . وللأسف القول بأن المخاوف المتعلقة بتوجهات الإدارة الأمريكية القادمة تخص بشكل كبير دول الخليج العربي والمملكة العربية السعودية خاصة في ظل تطبيق قانون جاستا المقر مؤخراً بالرغم من معارضة البيت الأبيض .
هنالك تحديات كثيرة سيواجهها الرئيس الجديد ولعل أبرزها التوظيف وتخفيض معدلات البطالة وزيادة معدلات النمو الإقتصادي ، وعلى الرغم من أن العديد من الإقتصاديين والسياسيين متشائمين من وجود ترامب في الرئاسة الأمريكية إلا أنني متفائل كثيراً أن هنالك قرارات إقتصادية جريئة سيتخذها ترامب ستحسن من الوضع الإقتصادي الداخلي داخل الولايات المتحدة . ولن أنسى الحديث الشيق الذي دار بيني وبين السفيرة الأمريكية المبدعة في الأردن اليس ويلز التي تتمتع بذكاء كبير ومتابعة دقيقة للعديد من القضايا السياسية والإقتصادية وتفاؤلها الكبير بالمرحلة القادمة من عهد الرئيس الجديد .
الـــــــــــمستشار الإقتصــــــادي
مــحمـــــــــــــــــــــد الـــــــــــرواشده