ملاحظات حول استثمارات صندوق استثمار الضمان

صنارة نيوز - 2016-11-06 09:55:39

عمان - يُظهر ملخص الأداء المالي لصندوق استثمار الضمان لشهر آب (اغسطس) من هذا العام عددا من التشوهات في توزيع الموجودات. ابرز هذه التشوهات هو تركز جميع الاستثمارات، باستثناء 0.1 % منها، داخل حدود المملكة وارتفاع استثمارات الصندوق في سندات الخزينة لتشكل 36 % من اجمالي موجوداته.
تشير قواعد إدارة المحافظ الاستثمارية لصناديق التقاعد إلى ضرورة تقليل الارتباط بين دخل المنتسب وعوائد استثمارات الصندوق. فكلما زاد الارتباط بينهما، ارتفعت المخاطر على المنتسبين.
لتوضيح ذلك، تخيلوا لو أن صندوقا للتقاعد في أحد الشركات يستثمر اموال منتسبيه (موظفي الشركة) في اسهم الشركة نفسها، عندها يصبح الموظفون أكثر تعرضا لمخاطر الشركة، فإذا تعثرت الشركة أو تعرضت للافلاس خسر المنتسبون رواتبهم وتقاعداتهم في آن معا.
المثال ذاته يمكن اسقاطه على صندوق استثمار الضمان. فماذا لو تعرض الأردن إلى أزمة اقتصادية عميقة تسببت بفقدان عدد كبير من منتسبي الضمان لوظائفهم وانعكست سلبا على القيمة السوقية لاستثمارات الضمان؟، عندها لن يخسر المنتسبون رواتبهم فحسب، بل سوف تمتد خسائرهم لتطال مستحقاتهم على الصندوق، والسبب هو الارتباط الكبير (شبه الكامل) بين اداء الاقتصاد المحلي واداء محفظة الصندوق.
هل السيناريو السابق محتمل؟، الاجابة: لا. بل اكاد اجزم بانه مستبعد جدا، لكن ذلك لا يعني ان نسقطه من حساباتنا. فعندما يتعلق الامر بصندوق بحجم صندوق استثمار الضمان وأهميته الحيوية للاقتصاد الأردني، فإن توزيع الاستثمارات وإدارة المخاطر يجب ان يحسبا حسابا لأسوأ السيناريوهات وأكثرها تطرفا.
وحتى لو لم نبتعد كثيرا في الفرضيات، فإن بقاء استثمارات الصندوق محصورة في الأردن يخالف ابسط واهم قاعدة في الاستثمار، وهي تنويع المخاطر عبر توزيع المحفظة الاستثمارية على دول وقطاعات متعددة. وانظروا إلى العوائد التي خسرناها جراء عدم استثمارنا في السوق الأميركية والاسواق الناشئة لهذا العام.
لذا، فان على الصندوق المباشرة بتخفيض انكشافه على الاقتصاد الأردني وتوزيع نسبة أكبر من الاصول لديه في الاسواق الخارجية، لان هذا سوف يقلل من حجم المخاطر الملقاة على عاتق المنتسبين. 
اضف إلى ذلك أن تنويع المحفظة الاستثمارية على المستوى الجغرافي وتخفيض ارتباطها باداء الاقتصاد المحلي سوف يزيد بالضرورة من قدرة الصندوق على تحمل المخاطر (Risk Tolerance)، وهو ما من شأنه ان يساعده على تحقيق عوائد افضل تمكن الصندوق من تلبية التزاماته المتزايدة.
ضرر آخر يترتب على تركز الاستثمارات في الأردن هو ان السيولة المتدنية في السوق المحلية تجبر الصندوق باعتقادي على الاحتفاظ بحوالي 25 % من اصوله في ادوات السوق النقدية متدنية العوائد بسبب ارتفاع سيولتها. أي ان الصندوق يعوض عن انخفاض سيولة استثماراته عبر توظيف جزء أكبر من المحفظة في ادوات السوق النقدية ذات العوائد المتواضعة نظرا لارتفاع سيولتها.
لذا فان الاستثمار في الاسواق العالمية الكفؤة سوف يحسن من المستوى العام لسيولة المحفظة وسوف يقلل بالتالي من الحاجة الى الابقاء على ريعها على صورة "كاش" وودائع  مرتفعة الكلفة؛ والمقصود هنا كلفة الفرصة البديلة.
الحديث عن العوائد يقودنا إلى التشوه الاخر وهو ارتفاع نسبة سندات الخزينة في استثمارات الصندوق. ذلك أن الافق الزمني طويل الاجل لمحفظة الصندوق من المفترض ان تجعله اقل حساسية لتذبذبات الأسعار على المدى القصير، وان تزيد بالتالي من قدرته على تحمل المخاطر. فلماذا يقوم الصندوق بتوظيف 36 % من اصوله في سندات الخزينة متدنية المخاطر والعوائد؟ 
الاصل أن يشجع الافق الزمني طويل الاجل راسم السياسة الاستثمارية على الانخراط باستثمارات تنطوي على مخاطر أعلى في سبيل تحقيق عوائد افضل تضمن نمو اصول الصندوق بوتيرة تمكنه من تلبية التزاماته المستقبلية ازاء منتسبيه.
ان العائد المستهدف على محفظة صندوق الضمان بحسب السياسة الاستثمارية الموجودة على الموقع الالكتروني للصندوق هو3-4 % فوق معدل سعر الخصم الاكتواري، وهوعائد يصعب جدا تحقيقه عبر محفظة تشكل الودائع والسندات الحكومية حوالي 60  % منها.
لذلك، فان الصندوق مطالب بالضلوع باستثمارات تنطوي على مخاطر أعلى، شريطة ان تكون هذه المخاطر مدروسة، لتحقيق عوائد افضل تنسجم مع احتياجات الصندوق وتمكنه من مواجهة التزاماته بالاضافة إلى أية ظروف طارئة. 
لربما أن العائق الأكبر أمام الاستثمار في الخارج هوالخوف من انطباعات العامة فهم يخشون الاستثمار لاسباب متعددة لا مجال لذكرها هنا، لكن ادارة استثمارات الصندوق يجب أن لا تنقاد وراء انطباعات الناس ومخاوفهم، بل يجب أن تدار وفقا للاسس الاستثمارية السليمة وبدرجة كبيرة من المكاشفة والشفافية.
افصاحات الصندوق ممتازة، ولكن حبذا لو تم اضافة الفرضيات الاكتوارية إلى جملة الافصاحات الدورية أو البيانات المالية التي يخرجها الصندوق للعامة عبر موقعه الإلكتروني، لان تحليل الوضع المالي للصندوق لا يكتمل الا بتوافر تلك الفرضيات.


*محلل مالي

محمد عاكف الزعبي*