جيوب المواطنين

صنارة نيوز - 2016-10-10 08:42:56

د.باسم الطويسي

في أجواء تُنتظر فيها قرارات اقتصادية صعبة، تزداد التحذيرات التي تدعو إلى عدم الاقتراب من جيوب المواطنين. وهذا صحيح إلى حد ما، لكن إلى متى؟ إذ لا يمكن أن نحقق إصلاحات اقتصادية مستدامة من دون الاعتماد على الذات؛ أي من دون العودة إلى جيوب المواطنين. في حين يتطلب الأمر أن تتجه الأجندة الشعبية والسياسية إلى السؤال عن الرشد والنزاهة في استخدام الموارد العامة؛ بمعنى أن نصل لقناعة بأن ثروة الدولة هي جزء من ثروة المجتمع، وبالتالي فالمجتمع هو المعني بتسديد فواتير المالية العامة. وهذا الأمر لا يستقيم إلا في ضوء شروط مسبقة.
يبدو أن التوقعات الاقتصادية التي بنيت في النصف الأول من هذا العام، تراجعت في العديد من الملفات، وإن لم تنته. وهي التوقعات التي ورثتها الحكومة الحالية عن سابقتها، وعلى رأسها ملف المساعدات والاستثمارات السعودية، والملف المرتبط بنتائج مؤتمر لندن. وفي كلا الملفين، جرت أحداث زادت من تعقيد الموقف. ومع القناعة أن الأردن سيحقق بعض الإنجازات مع الطرفين، لكن لن تصل النتائج إلى نصف التوقعات، ما يعني أنه لا بد من جيوب المواطنين. 
لا جدال أبدا بأن ما تذهب إليه بعض السياسات الاقتصادية نظريا بالتحول نحو المزيد من الاعتماد على الذات، هو الطريق السليمة لاقتصاد معافى ومستدام. كما لا جدال، من منظور علمي وتاريخي، بأن الاعتماد الحقيقي على الذات يعني الاعتماد على جيوب المواطنين، وهذا ما قد لا يعجب البعض، لكن الحقيقة التي لا مفر منها هي أن العقلانية الاقتصادية في العالم المعاصر تؤكد أن عافية الدول تبدو في قدرتها على الاعتماد على الذات ومن جيوب مواطنيها أولا. ولكن أي جيوب؟ وكيف تكون ثروة المجتمع هي أساس ثروة الدولة وليس العكس؟ وكيف تعمل ثلاثية الرشد والنزاهة والإنتاج كشروط مسبقة لهذا التحول؟
نلاحظ كيف تذهب الحكومات إلى تعليق برامج الإصلاح الاقتصادي المتتابعة في الهواء، من دون أن تقيم الأساس المتين الذي يثري ثروة المجتمع لكي تستدام الدولة. وهذا الأساس المتين والمجرب ليس اختراعا أردنيا وليس بدعة، ويتمثل اليوم في توسيع قاعدة الإنتاج، وربط العمق الاجتماعي بها، وتطوير نوعية رأس المال البشري ورأس المال المعرفي من خلال نقل المعرفة والتحديث والتطوير. وهو ما لم نفعله في البعد الأول؛ إذ يهيمن قطاع الخدمات على ثلثي الناتج الإجمالي الوطني. وتراجعنا كثيرا في البعد الثاني ونكاد نفقد الطريق، ونحكي كثيرا حول المعرفة والتحديث من دون أن نرى نتائج ملموسة ينتفع بها الناس.
أصبحت ثروة المجتمع في الأردن خلال آخر عشر سنوات شبه محتكرة؛ إذ هناك 10 % من المجتمع يملكون نحو 80 % من الثروات، مقابل 90 % لا يملكون سوى 20 % من الثروة. كيف حدث ذلك، وعلى حساب من؟ يسهم القطاع الخاص، الذي يمثل جانبا من ثروة المجتمع، بنحو 70 % من الناتج الإجمالي الوطني. لكن هذا الناتج لا يعكس بشكل فعلي حجم الثروة؛ فالأصول والأموال الثابتة التي تمثل ملكية الدولة فيها أضعاف النسب السابقة، وشهدت خلال هذه السنوات هي الأخرى عمليات تسييل، وتم تفتيت الكثير منها. وربما أن ما شهدته هذه الأصول من تسييل وبيع وتخصيص خلال العقد الماضي، يوازي ما أهدرته الدولة طوال العقود الثمانية الماضية من دون أن تقترب من الشرط الأساسي الذي يكفل لها أن تحيا من جيوب مواطنيها، ونقصد بذلك بناء قاعد إنتاج حقيقية.