ترامب وفكره الاقتصادي السحري

صنارة نيوز - 2016-10-10 07:38:04

واشنطن – أخيرًا وبعد طول انتظار، أعلن دونالد ترامب عن خطة اقتصادية مفصلة. وتزعم الخطة التي ألفها بيتر نافارو (خبير اقتصادي في جامعة كاليفورنيا-إرفاين) وويلبور روس (مستثمر) أن ترامب حال انتخابه رئيساً سيكون قادرًا على تعزيز النمو وخفض الدين الوطني، إلا أن الخطة تستند إلى افتراضات غير واقعية يبدو لمن ينعم النظر فيها أنها جاءت من كوكب آخر، ولو كانت الولايات المتحدة قد أخذت فعلا بخطة ترامب، لكانت النتيجة كارثية مخلفة وراءها خرابًا.
تعتمد هذه الخطة الاقتصادية في جوهرها على إجراء خفض كبير للضرائب، ويزعم واضعو الخطة أن هذا الإجراء من شأنه تعزيز النمو الاقتصادي، على الرغم من أن تخفيضاتٍ مماثلةٍ للضرائب فيما سبق (منها على سبيل المثال الإجراء الذي اتخذ إبان فترة رئاسة جورج دبليو بوش) لم يكن لها ذلك التأثير المرجو. وعلى الرغم من وجود الكثير من الأدلة الدامغة على هذه النقطة تحديدًا، إلا أن الخطة قد تجاهلتها جميعا.
وقد أقرت خطة ترامب بأن تخفيض الضرائب في حد ذاته سيقلل من الإيرادات بما لا يقل عن 2.6 تريليون دولار خلال عشر سنوات – ويميل واضعو الخطة إلى الاستشهاد بمؤسسة الضرائب غير الحزبية في هذه النقطة. إلا أن فريق ترامب يدعي أن ذلك ستعوضه معجزة في النمو يحدثها إلغاء القيود.
إلا أن تقديراتهم للفوائد العائدة من إلغاء القيود، وبكل أسف، مبالغ فيها تماما؛ ذلك أن بعض التحليلات المستقلة الهامة، مثل تلك التي يجريها البنك الدولي أو منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، ترى أن الولايات المتحدة لا يوجد بها عبء تنظيمي كبير على القطاع غير المالي. فعلى سبيل المثال، تحتل الولايات المتحدة الترتيب السابع عالميًا على مؤشرات ممارسة الأعمال التي يستخدمها البنك الدولي على نطاق واسع – وليست هناك فرص كبيرة للتحسن على أرض الواقع.
لا شك أنه توجد دائمًا بعض الشركات التي لديها رغبة في الشكوى من اللوائح كما أن الأرقام المبالغ فيها فيما يتعلق بتأثير الأنظمة والأحكام متوفرة بكثرة، ولكن هل تود حقًا أن تبني استراتيجية الاقتصاد الكلي للدولة على هذه الادعاءات التي لا معنى لها؟ 
وفي الوقت نفسه، يعتبر إلغاء القيود المالية السبب الذي أدى إلى أزمة 2008 – وإلى انخفاض النمو وزيادة البطالة وزيادة العجز. ولكن يبدو أن ترامب قد عقد العزم أن يكرر كل الأخطاء الكبرى التي وقع بها جورج دبليو بوش إبان فترة رئاسته. إنني أرى أن الدين الجديد في عهد ترامب سيزيد كثيرا عن 2.6 تريليون دولار.
أما فيما يخص التجارة، فإن خطة ترامب الاقتصادية لا معنى لها على الإطلاق؛ إذ تستند الزيادات المتوقعة في إيرادات الحكومة على تحليل يعتريه التشويش وعدم الترابط، فلا أذكر أني رأيت على مدار حياتي مستندًا غير مترابط بهذا الشكل يخرج من عباءة مرشح حزب كبير. وحسبما أفهمه من هذا المستند، فإن حجة ترامب تتجلى في أنه سيعمل على التخلص من العجز التجاري بوسائله السحرية، الأمر الذي سيعمل بدوره على توفير مزيد من الوظائف بأعجوبة. ولا أرى مكانًا لهذا النوع من التفكير إلا في القصص الخيالية، فلو حاول ترامب تنفيذ هذا الأمر في عالمنا الواقعي، لما ذاق طعم السعادة أحد بعد ذلك أبدًا.
منذ عدة أعوام، كتبت أنا وجيمس كواك كتابًا عن تاريخ السياسة المالية للولايات المتحدة والدين الوطني وأطلقنا عليه اسم احتراق البيت الأبيض. وكانت الإشارة التاريخية إلى عام 1814 الذي شهد اللحظة التي سمح فيها ضعف الاستثمار في القدرة العسكرية للحكومة الفيدرالية بأن يستولي البريطانيون على واشنطن العاصمة، حيث حرّقوا معظم المباني الرسمية، بما في ذلك البيت الأبيض (ووزارة الخزانة والكونجرس).
إلا أن النقطة الأوسع التي كنا نعالجها في هذا الكتاب هي أن نهج الحزب الجمهوري في تمويل الحكومة الفيدرالية قد تغير منذ ثمانينيات القرن العشرين، وأصبح تخفيض الضرائب على رأس قائمة أولوياتهم بدلًا من العمل من أجل خفض العجز والديون، بغض الطرف عن عواقب ذلك.
ولنائب الرئيس السابق ديك تشيني مقولة شهيرة "العجز لا يهم" – وهي تعني أنه لم تكن هناك عواقب سياسية فورية ترتبت على وجود عجز بالميزانية وزيادة الدين الوطني. ولقد تضخم عجز ميزانية الولايات المتحدة ودينها في ظل إدارة جورج دبليو بوش، كما أن التحرر المالي المبالغ به قد خلق البيئة المواتية لأكبر أزمة مالية منذ ثلاثينيات القرن العشرين، الأمر الذي زاد من الدين.
لا يستطيع ترامب أن ينطق بلسان صادق عن آثار خطته على الدين القومي، إلا أن فريقه قد خرج علينا بأمر خيالي غريب – اعتمدوا فيه على تلك الخطة ولكنهم ذهبوا بفكرهم إلى ما هو أبعد من عدة عقود من انعدام المسؤولية المالية للحزب الجمهوري.
إلا أن السيناريو الذي سيحدث في الحقيقة هو أن: التخفيض الضريبي الكبير سيساعد عددًا قليلًا نسبيًا من الناس، في حين أنه سيؤدي أيضًا إلى خفض كبير في إيرادات الحكومة الفيدرالية. وتزيد التعرفة التجارية المرتفعة من تكلفة الواردات، وهو ما قد يكون له أثر سلبي مباشر على عامة الشعب الأمريكي. ومع اندلاع الحروب التجارية، فسيشهد النمو انخفاضًا لا زيادةً، كما سيصبح عجز الحكومة الفيدرالية عجزًا ضخمًا. وفي الوقت نفسه، سيسمح إلغاء القيود المالية بزيادة المخاطر في جميع أركان نظامنا المصرفي وعلى نطاق أوسع.
ووفقًا لصحيفة وول ستريت جورنال، لم يحظ دونالد ترامب بتأييد أيٍ من رجال الاقتصاد البارزين ولم تلق خطته الاقتصادية دعم أي منهم، ولكن هذه ليست مفاجأة، فهؤلاء الاقتصاديون لديهم سمعة يحمونها. وإذا حدث ووقعوا على خطة ترامب السخيفة، فإنهم بذلك يعرضون أنفسهم لسخرية زملائهم، والأهم من ذلك أنهم يلحقون ضررًا طويل المدى بوطنهم.

*أستاذ بكلية سلون للإدارة في معهد ماساتشوستس للتقنية.