القلق الإيراني حيال الموارد الطبيعية

صنارة نيوز - 2016-10-08 05:48:57

عمان- لطالما شعرت إيران بالقلق تجاه التأثيرات الخارجية، لاسيما عندما يتعلق الأمر باستغلال مواردها الطبيعية، لكن حكومتها قدمت لشركات النفط الدولية أكبر أدوارها منذ العام 1979، عندما أممت طهران احتياطيات البلاد.
ومن الناحية النظرية، يعد هذا الواقع عرضاً مغرياً لكلا الجانبين. فإيران تحتاج إلى عائدات النفط لإنعاش اقتصادها، المعروف بأنه ثالث أكبر اقتصاد في المنطقة حاليا، في ظل تراجعه في سنوات فرض العقوبات. وتغري الأرباح المحتملة الشركات الأجنبية بدورها، خاصة وأنها تُجنى حتى من دون انتعاش أسعار النفط. ومع ذلك، هناك الكثير من المخاطر للاستثمار في إيران. وقد كافحت حكومة البلاد لإيجاد صيغة يمكنها أن تغري بها الشركات الأجنبية من دون أن تثير غضب القوميين.
عاد إنتاج إيران للنفط في شهر كانون الثاني (يناير) من العام الحالي تقريباً إلى مستوياته قبل فرض العقوبات، عقب كبح جماح برنامج إيران النووي في إطار صفقة عقدتها الجمهورية مع القوى العالمية في العام 2015. ومع ذلك، لدى وزارة الطاقة الإيرانية طموحات أكبر تتبلور في رفع إنتاج البلاد بنسبة 20 % أخرى بحلول العام 2021.
ومن جهة أخرى، انتهت منظمة الدول المصدرة للنفط "الأوبك" في شهر أيلول (سبتمبر) الماضي إلى خفض الإنتاج بشكل جماعي للمرة الأولى منذ ثماني سنوات، ولكن حدود إنتاج كل دولة بشكل منفرد أمر سوف يتم تعيينه خلال تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. وتأمل إيران أن تعود إلى مركزها الأصلي كثاني أكبر منتج للنفط في منظمة "الأوبك"، رافعةً رتبتها من المركز الثالث الحالي.
وسيتطلب بلوغها أهدافها الاستعانة بالتكنولوجيا الخارجية والخبرة الإدارية ورأس المال. لذلك، دعت الحكومة الشركات الأجنبية لاستثمار 100 مليار دولار في صناعة النفط من جهة، وصاغت قالباً جديداً للعقود من أجل استقطابهم من جهة أخرى.
وكان الاتفاق النموذجي، الذي أقترح أول مرة في العام 2014، واجه تحديات فرضتها الفصائل السياسية الإيرانية التي تعارض منح الكثير من الامتيازات للشركات الأجنبية، بينما تعمل ضد جهود رئيس البلاد، حسن روحاني، الرامية إلى فتح الاقتصاد المحلي على العالم. وكان فريق عمل، عُيِّن بناء على أوامر الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي، قدم نسخة معدلة من نموذج الاتفاق في شهر تموز (يوليو)، ووافق مجلس الوزراء عليه في الثالث من شهر آب (أغسطس). ولم تكن تفاصيل هذه الصيغة الجديدة، مثل كيفية تنظيم المستثمرين وحل النزاعات، متاحة فور إقرارها.
ومنذ الامتياز الأول، الذي قدم إلى مضارب بريطاني في العام 1901 حتى الثورة الإسلامية في العام 1979، كانت إيران لا تملك تقريباً أي سيطرة على مواردها الطبيعية الثمينة. ولعدة عقود من الزمان، سيطرت الحكومة البريطانية -من خلال امتلاكها أغلبية شركة النفط الأنجلو-فارسية- على النفط الإيراني وحازت على نصيب الأسد من الأرباح. وبعد سنوات من تصاعد السخط، أمم البرلمان الإيراني حقول النفط في البلاد في العام 1951. وتمت الإطاحة بالسياسي الذي قاد عملية استعادة الحق هذه، رئيس الوزراء محمد مصدق، في انقلاب دعمته بريطانيا وخدمات الاستخبارات الأميركية عقب ذلك بعامين، ما نتج عنه استعادة القوى الغربية سيطرتها في البلاد من خلال دعمها 
الشاه.
وعندما أطاحت "الثورة الإسلامية" بالشاه في العام 1979، كان تأميم نفط إيران أبرز أعمالها الأولى. وعلى مدى عقدين لم تزاول أي شركة نفط أجنبية أعمالها في إيران. لكن هذه الشركات عملت، لدى عودتها إلى أراضي البلاد في أواخر تسعينيات القرن الماضي، بموجب عقود قصيرة الأجل تدفع لهم بطبيعتها رسوماً ثابتة مقابل التنقيب عن النفط وتطوير الحقول مع كل المخاطر التي تنطوي على ذلك، لكنها لا تعطهم ولو حصة صغيرة من أرباح الإنتاج. وبواقع الحال، توقفت معظم هذه الشركات عن العمل في إيران بحلول العام 2010، في ضوء أن المخاطر السياسية فاقت آنذاك الفوائد المكتسبة.
الجدل الدائر
هل تستطيع إيران اجتذاب التكنولوجيا الأفضل والاستثمارات الضخمة والالتزامات طويلة الأجل التي تريد؟ لن تتنازل شركات النفط الكبرى عن الحقول الإيرانية بسهولة، لاسيما وأن تكلفة استخراج خام البلاد رخيصة، وهو أمر غير معتاد في الطروحات الجديدة. فعلى سبيل المثال، تقل تكاليف استخراج النفط الإيراني عن نصف ما يكلفه استخراج الخام في المكسيك. وهناك الكثير من النفط في إيران: ما يقارب 10 % من احتياطيات العالم المؤكدة. ولكن قائمة المخاطر طويلة وقوانين العمل الإيرانية 
معقدة.
وفي ضوء ذلك، ينبغي على المستثمرين الانخراط في مشاريع مشتركة مع شريك محلي، ما يصعب الامتثال لتشريعات مكافحة الفساد الدولية وما تبقى من عقوبات الولايات المتحدة المفروضة. ولم توضح حكومة البلاد بعد إن كانت ستوافق على تحويل النزاعات الدائرة مع الشركات إلى المحاكم الدولية مثل "المحكمة التحكيم الدولية" أم لا.
وستقدم العقود طويلة الأجل المزيد من الفرص لاستغلال الحقول الشائكة والصعبة، لكنها ستحاصر المستثمرين أيضاً في بيئة لا يمكن التنبؤ بها. ويمكن للانتخابات، المقررة في شهر أيار (مايو) من العام المقبل، أن تشهد إبدال روحاني بمرشح أكثر تأييداً لمذهب الحماية. وفي الحالات القصوى، يمكن أن تقوض التحولات السياسية في إيران أو الولايات المتحدة الصفقة النووية وأن تعيد العقوبات من 
جديد.

"بلومبيرغ - سام ويلكن