قبل 23 عاما كُشف النقاب عن مفاوضات سرية كانت تجرى في مكان غير معروف بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل ، كان عنوان تلك المفاوضات هو «أريحا أولا» ، وكانت تلك المفاوضات التي عُرفت فيما بعد بمفاوضات أوسلو ثم توجت باتفاقيات أوسلو قد بدأت برعاية نرويجية مستندة إلى فكرة البدء بالتفاوض حول أريحا ثم بعدها الانتقال للمدن والقضايا الأكثر تعقيدا للوصول إلى تفاهمات تراكمية مؤقتة ثم اتفاقيات دائمة حيال كافة الملفات من الأمن والمستوطنات والمياه والقدس واللاجئين.
اليوم وبعد 23 عاما على « أريحا أولا» وبسبب حالة الاسترخاء الأمني والعسكري اللذين تعيشهما إسرائيل جراء ما يجرى في المنطقة ، أخذت تفكر في حلول أمنية وعسكرية لكل التحديات والأخطار المحتملة وتحديدا التحدي الفلسطيني ، فخلال الأشهر الثلاثة الماضية عقد في إسرائيل وخارجها العديد من المؤتمرات والندوات لمعالجة التحديات الأمنية ومن أبرزها داخل إسرائيل «المؤتمر السنوي التاسع لمعهد الأمن القومي الإسرائيلي بعنوان «تقدير استراتيجي لإسرائيل عام 2016»، أما في الخارج فقد كان منتدى سابان للسياسات في واشنطن الذي خصص لبحث أنجع الحلول لمعالجة الموضوع الفلسطيني ، هذا عدا الدراسات والأبحاث التي تقوم بها المؤسسات الأمنية للتعرف على آفاق الوضع العام في الضفة وغزة بعد «انتفاضة السكاكين» ، وهي الانتفاضة التي تعيرها الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية «آمان» اكبر الاهتمام للغموض الكبير في طبيعة تكوينها والقوى التي تحركها بالإضافة لصعوبة التحوط الأمني منها باعتبارها حربا على الأمن الشخصي لكل إسرائيلي وفي أي وقت وأي مكان.
ومن ابرز النتائج التي خلص لها التفكير الإسرائيلي حيال الضفة وغزة هو ما يلي :
• رفع شعار غزة أولا من قبل مسؤولين كبار في المستوى الأمني والعسكري لقناعة هذا المستوى أن غزة هي القنبلة القابلة للانفجار في أية لحظة وان أي حل للموضوع الفلسطيني يجب أن يبدأ منها وباتجاهين الأول: الإبقاء على قوة الردع مع حماس وهي قوة ناتجة من العدوان على غزة عامي 2012 و2014 ، وبالتوازي مع ذلك إعطاء «حماس مكاسب مادية واقتصادية تجعلها مترددة في اتخاذ قرارات عسكرية «مغامرة».
أما الاتجاه الثاني فهو تغيير الواقع المعيشي الصعب للغاية في غزة ، ومن الأفكار التي يطرحها الجيش الإسرائيلي لتغيير هذا الواقع هو بناء جزيرة صناعية قبالة غزة في البحر المتوسط يبنى فيها مرفأ أو ميناء و مطار صغير و ترتبط هذه الجزيرة بالقطاع عبر جسر ، ويقول رئيس الاستخبارات العسكرية هرتسي هليفي ان المخاوف الأمنية المرافقة لهذه الفكرة لا يستهان بها، خصوصاً خطر تحول هذا المرفأ إلى محطة لعبور السلاح والمتفجرات إلى «حماس». ولكن الفائدة الاقتصادية الكبيرة للمرفأ تنطوي على ميزة أمنيّة لإسرائيل ، فالسلطة في قطاع غزة لن ترغب في خسارة المكاسب الاقتصادية الثمينة جرّاء هجوم أو إطلاق صواريخ على إسرائيل.
كما يفكر الجيش الإسرائيلي بالتوازي مع هذه الفكرة بزيادة عدد التصاريح الممنوحة للغزيين للعمل في إسرائيل وكذلك زيادة تلك التصاريح في الضفة بهدف التقليل من أعداد العاطلين عن العمل وتحريك قطاعات اقتصادية إسرائيلية بأيد عاملة رخيصة وبخاصة في قطاع الإنشاءات والخدمات العامة.
وتخلص «آمان» إلى أن كل ذلك يجب أن يتم من خلال ما يلي :
أولا: العمل على إنهاء الانتفاضة الحالية لأنها في طريقها للتطور ، وان نظرية «الإنعاش الاقتصادي» هي بعد واحد من عدة أبعاد للحل المتكامل الذي يجب أن يكون سياسيا وعبر المفاوضات.
ثانيا: إنتاج مشروع سياسي يتجاوز أوسلو ويحقق التوازن بين المطالب الإسرائيلية الأمنية ، وبين المطالب « الوطنية الفلسطينية «وترى» آمان «أن على المستوى السياسي إنتاج مثل هذا المشروع و بالسرعة الممكنة.
ثالثا: تعتقد «آمان» أن اخطر سيناريو يمكن أن يواجهه الجيش الإسرائيلي في حال استمرار الانتفاضة الحالية هو انهيار التنسيق الأمني مع «السلطة» ، والذي اثبت انه كان فاعلا للغاية في حماية امن إسرائيل وبخاصة منذ اندلاع انتفاضة السكاكين في أكتوبر الماضي.
تستثمر إسرائيل فترة الاسترخاء الحالية لابتكار الحلول الأمنية والسياسية في مواجهة أية مخاطر محتملة خاصة بعد أن توصلت الاستخبارات العسكرية إلى أن حزب الله التحدي الآخر غير الفلسطيني ليس في وارد التورط في حرب جديدة معها بسبب تورطه بكل قوته في الحرب السورية.
Rajatalab5@gmail.com